الموضوع
:
اللَّهُ المُعطيّ
عرض مشاركة واحدة
رقم المشاركة : (
1
)
06 - 12 - 2024, 11:21 AM
Mary Naeem
† Admin Woman †
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة :
9
تـاريخ التسجيـل :
May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة :
Egypt
المشاركـــــــات :
1,305,415
اللَّهُ المُعطيّ
اللَّهُ المُعطيّ
«هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ (أعطى) ابْنَهُ الْوَحِيدَ»
(يو3: 16)
«فَشُكْرًا لِلَّهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا»
(2كو9: 15)
لما كان مارتن لوثر يطبع ترجمته للكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية، كانت هناك فتاة صغيرة، ابنة لأحد عمال المطبعة، وقد شبت تلك الفتاة محوطة بالتعاليم الكنسية السائدة آنذاك؛ فتعلَّمت في طفولتها أن تفتكر في الله كقاضٍ عادل وعظيم، مهوب ومرعب، ولا بد لها أن تقف في النهاية بين يديه لتُعطي حسابًا عن خطاياها. والديانة كلها بالنسبة لها عبارة عن مجموعة متواصلة من الأعمال والصلوات والأصوام وما شابه ذلك، اعتقادًا منها أن هذه تخفِّف من وطأة غضبه، وتلطِّف عقوبته. ولم تكن تعرف شيئًا عن “محبة الله”، بل هي لم تسمع عنها إطلاقًا. وهكذا كانت الصرامة والتجهم يملآن المنزل الذي نشأت فيه، حتى إن اسم الله ما كان يُذكر إلا ويحمل معه الخوف عندها.
وذات يوم كانت عند والدها في دار الطباعة، والتقطت قصاصة من الورق، ووجدت فيها هذه الكلمات: «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ (أعطى)». كانت هذه الكلمات هي كل ما في القصاصة، أما الباقي فلم يكن موجودًا. لقد عرفت أنها قصاصة من ورق كتاب الله الذي كان أبوها يطبعه. وكانت تلك العبارة غريبة وجديدة عليها بالكلية.
وتفكَّرت الفتاة في هذه الكلمات جيدًا ومليًا، وسرعان ما أدرك قلبها الصغير الحساس أهميتها، وأشرق إعلان الله عليها، وإذ تفكرت فيها أكثر وأكثر، فتح الروح القدس ذهنها وقلبها لتستوعب كامل مضمونها. وبتلك العبارة التي أصبحت الآن، ليست فقط بين يديها، بل أيضًا في قلبها، تبدَّد خوفها الناموسي ورعبها من الله، كما تتبدد الظلمة أمام الشمس المُشرقة. وتجاوبت أصداء هذا الإعلان في قلبها الذي كان يجترّ على هذه العبارة يومًا بعد يومًا، بل ولاحظت أمها تغييرًا عظيمًا في روحها، إذ أصبحت فَرِحَة ومَرِحَة عن ذي قبل، لأنها كانت قبلاً مكتئبة دائمًا، وخوفها من الله جعل منها فتاة حزينة. كما لاحظت أمها أيضًا أنها كثيرًا ما كانت تُرنم بعض ترنيمات الفرح القصيرة، فسألتها: “ماذا جرى لك يا بُنيَّتي؟ لقد أصبحت مَرِحَة بشكل عجيب منذ أيام قلائل! ما الذي حدث لكِ؟”
فأبرزت الفتاة قصاصة الورق، وقالت: “هذه هي التي تجعلني سعيدة يا أمي”. فقالت أمها: “وماذا في هذه القصاصة ليجعلك سعيدة يا طفلتي؟!” فقالت الصبية، ونور السماء يملأ وجهها، ورنين الفرح في صوتها: “آه، بسبب ما هو مدوَّن بها مِنْ كتاب الله: «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ (أعطى)». لست أعرف ماذا بذل، ولكنه إذا كان اللَّهُ أَحَبَّ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ (أعطى) أي شيء، فلن أخاف منه بعد ذلك”.
نعم “اللَّهُ أَحَبَّ” و“اللَّهُ بَذَلَ (أعطى)”! يا له من أمر عظيم! هذا شيء رائع عن الله أن يبذل ويُعطي أي شيء. إن مجرد التفكير في هذا الأمر جلب السعادة لقلب هذه الفتاة، بل غيَّر كل تفكيرها عن الله، فابتدأت تفكِّر فيه كالمُحبّ الذي يحنو عليها، وكالصديق الذي يريد أن يغدق عليها الهدايا الثمينة، فاستنار فكرها، وتغيَّرت كل حياتها بواسطة هذا الإعلان العظيم في هذه القصاصة الصغيرة، وأصبح لها في قلبها سر الأسرار حتى ولو لم تعرف مِلأه!
ولكن لا شك أن هذه الفتاة عرفت بعد ذلك ما نعرفه نحن، وهو أن الله بذل ابنه الحبيب الوحيد لكي يحمل خطايانا في جسمه على الخشبة، ويطرحها بعيدًا عنه، ليُرجعنا إلى نفسه «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو3: 16).
أيها الأحباء: إن الله الآن لا يُطالب الإنسان بل يقدِّم له الفداء والحياة الأبدية؛ إنهما هبة منه في المسيح. وعلى الإنسان الخاطئ أن يعرفه بهذه الصفة؛ ليس كالمُطالب بل كالمُعطي، وليس كمَنْ يأخذ، بل كمَنْ يَهبْ ويمنح. ولا شك أن هذا يتناسب مع جلاله ومجده. وأية محاولة لجعل الله في وضع غير هذا (وضع المُعطي) تُعتبر إنكارًا لطبيعته وتكذيبًا للحق، كما أنها لا تترك مجالاً لمحبته.
قديمًا كان الناموس يُطالب الإنسان أن يُؤدّي واجبه من نحو الله والناس، وتحت الناموس كان الإنسان هو البارز “افعل هذا، ولا تفعل ذاك”، أما الإنجيل فيفيض بمحبة الله في المسيح للعالم. إنه ليس دعوة موجهة للإنسان ليُحبّ الله، لكنه الإعلان عن محبة الله للإنسان. إن الله بواسطة الإنجيل يُعطي أحسن ما عنده، والمسيحية تُعلن أن الله لن يكف عن محبته ومجده كالمعطي.
الإنجيل يُشير إلى إعلان الله نفسه كمعطٍ خلافًا لأفكارنا عنه أنه مطالب «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللَّهِ» (يو4: 10)، وفيه يُعلن الله عن ذاته ليس كالمعطي فقط، ولكن المُعطي لما يحتاجه الخاطئ في الأرض وفي السماء، للحاضر والأبدية، وهو يعلن عن ذاته في ابنه.
ونحن نعلم أن «كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ» (يع1: 17)، ولكن في 2كورنثوس9: 15، وفي ختام أصحاح يتناول موضوع العطاء المسيحي، يفيض قلب الرسول بالحمد مترنِّمًا: «فَشُكْرًا لِلَّهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا». والعطية التي لا يُعَبَّرُ عنها، التي هي أعظم من كل العطايا التي أعطاها هذا المُعطي الحكيم القدوس، هي الابن الحبيب المبارك، الرب يسوع المسيح. لا يمكن أن الله في قدرته العظيمة يُعطينا عطية أعظم من هذه. إن عطية ابنه الحبيب عظيمة ومجيدة للغاية لدرجة أن لا يستطيع عقل الإنسان المحدود أن يدركها تمامًا.
ولماذا هو “عَطِيَّة الله الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا”؟
أولاً: هو كذلك بسبب عظمة شخصه:
إنه ليس كائنًا مخلوقًا، ولا هو ملاكًا قويًا، ولا هو رئيس ملائكة، لكنه “ابن الله الوحيد”. إنه أعظم عطايا المحبة، ولو كان الله قد أرسل كائنًا ملائكيًا، مهما عظمت وسَمَت قيمته، لما استحق أن تُطلَّق عليه هذه العبارة “عَطِيَّة الله الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا”، ولما عبَّر الله بذلك عن ملء محبته، ولما استنفد بذلك كل ما يمكنه أن يهبه.
إن ابن الله الوحيد الذي بذله، هو المساوي له في أزليته وأقنوميته والواحد معه في جوهره ومجده وكل صفاته، هو كنزه ولذّته وموضوع محبته، الذي كان سروره منذ الأزل يشاطره كل أفكاره ومشوراته. لقد أتى من فوق، مُرسَلاً من الله الآب، في الوقت المُعيَّن، ليتسربل جسدًا إنسانيًا مُكونًا بالروح القدس الذي حل في العذراء وظلَّلها. ولقد شهد - لما كان هنا على الأرض - عن هذه العلاقة التي لا يُعبَّر عنها مع الله الآب، وعن لاهوته ومجده الأزلي الذي كان له عند الآب قبل كون العالم (يو17: 5).
ثانيًا: هو العَطِيَّة الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا لأن الله بذله ( أعطاه)
ليكون كفارة لخطايانا. ولكي نعرف كيف أعطى الله، يجب أن نذهب إلى الصليب، وهناك فقط، نستطيع أن نقرأ القصة الكاملة لمحبة الله، و«عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا»، وأن «اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رو5: 8)، فعلى الصليب جعل الله ابنه «الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ» (2كو5: 21).
إن الصليب هو علامة عدل الله الكامل، وعلامة محبته الكاملة أيضًا؛ فهو يقضي بأقصى عقوبة يمكن أن تتصورها ضمائرنا ضد خطايانا، كما يُعلن رحمة من جانب الله تفوق كل ما نتمناه أو نرجوه. وإن حقيقة موت ابن الله لأجلنا، لكي نخلص من دينونة الخطية، ستظل تملأ قلوب جميع المؤمنين بالدهشة والتعبد والبهجة والسلام، في الزمان وفي الأبدية.
ثالثًا: والرب يسوع المسيح هو العَطِيَّة الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا
لأن فيه ومعه يُعطي الله أولئك الخطاة التائبين، الذين يقبلونه بالإيمان، كل البركات التي يمكن أن يُعطيها: «فَمَاذَا نَقُولُ لِهَذَا (عن هذا الأمر)؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟» (رو8: 31، 32). لقد أقامه الله من بين الأموات، وجعله وارثًا لكل شيء، وفيه قَبِلنا الله وصيَّرنا أولادًا له، ورثة الله ووارثين مع المسيح «فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ» (1كو3: 21)، ونستطيع، من الآن، أن نغني بالإيمان قائلين: «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ» (أف1: 3).
هذه هي “عَطِيَّة الله الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا”، عطية العطايا، العطية التي تفوق إدراكنا المحدود، العطية التي من أجلها سنرفع الحمد إلى أبد الآبدين. ليت إدراكنا يتسع عن الله، ويزداد فرحنا، وتبتهج قلوبنا، وتشرق حياتنا بالمجد، في نور هذه العَطِيَّة الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا «ابْنَهُ الْوَحِيدَ».
الأوسمة والجوائز لـ »
Mary Naeem
الأوسمة والجوائز
لا توجد أوسمة
بينات الاتصال لـ »
Mary Naeem
بينات الاتصال
لا توجد بينات للاتصال
اخر مواضيع »
Mary Naeem
المواضيع
لا توجد مواضيع
Mary Naeem
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى Mary Naeem
زيارة موقع Mary Naeem المفضل
البحث عن كل مشاركات Mary Naeem