كثيراً ما نربط تقدمنا فى الفضيلة ونمونا فى الإيمان بمباركة الله لنا بالعديد من المعجزات التى قد تكون سبباً فى خروجنا من مشكلة أو إجتيازنا لتجربة ما ، ولا شك أن تصرفنا على هذا النحو يبرز حقيقة إيماننا المريض ، بل العديد والعديد من السلبيات التى تؤكد آنانية دوافعنا وحرصنا الدائم على راحة ذواتنا ولو على حساب ضياع الإيمان والمواعيد العظمى وبركات الدهر الآتى .
ولا أقصد بهذه الكلمات إنكار حقيقة وجود المعجزات أو الحث على عدم طلب المعجزة ، ولكن ما أقصده هنا هو أن تبعية الإنسان للمسيح تقتضى من الإنسان تقديم عبادة صادقة تحمل فى طياتها كل معانى الحب والإخلاص والإستعداد الدائم لطاعة الإنجيل ، ومتى كانت محبة الإنسان للمسيح محبة نقية ستدفع هذه المحبة ذلك الإنسان لعدم جعل حياته مع المسيح تتوقف على قدر ما يشبع إحتياجاته الماديه وما يوافق رغباته حسب الجسد .
يحتاج الإنسان كثيراً للجلوس مع نفسه لمعرفة دوافع طلبه للامور التى يسأل الله من أجل أن يهبها أياها ، لاننا كثيراً ما نطلب دون أن يكون هناك فائدة حقيقية تعود علينا من الشىء الذى نطلبه سوى تمجيد ذواتنا وبث روح اليقين فى نفوس الأخرين بأهميتنا وإشعارهم بوجودنا ، والأخطر من ذلك عندما يكون الدافع وراء طلبنا تجربة الله .
و لا يصلح يا صديقى أن تكون عبادتنا لله عبادة منفعية أو مشروطة بأخذنا لما نسأله ونريده لحياتنا و أمورنا ، ولا يصلح أيضاً أن نبنى إيمانننا على ما نقتنيه لحياتنا من عطايا و رغبات ، ، لأننا متى فعلنا هذا سنشهد على أنفسنابقدر ما نحمله داخلنا من آنانية وطاعة للآهواء والميول غير المقدسة .
لذا يجب ان يكون إيماننا بالله غير خاضع لما يرضى ذواتنا من أمور ، بل دورنا هو الجهاد الدائم والمستمر لجعل هذا الإيمان نامياً و راسخاً و قوياً ، وهذا يتحقق تماماً متى ادركنا حقيقة ان قوة الإيمان ترتبط بما يجنيه الإنسان من ثمر أثناء التجربة لا بالخروج منها .
وفى تأملنا هذا سأذكر خمس ملاحظات ، أرجو أخذها بعين الإعتبار ، وهى كالتالى :
+ لا تعتبر المعجزة بأى حال من الأحول دليلاً قاطعاً على تقوى الإنسان وقداسته ، لأن امر إتمام المعجزة يستلزم الإيمان الذى يرضى الرب ، لذا فمن المتصور حدوث المعجزة لإنسان بسبب إيمان وصلاة إنسان أخر ، كما هو الحال فى معجزة شفاء المفلوج الذى شفىَّ بسبب إيمان أصدقائه الأربعة ( مر 2 : 5 ) ، وشفاء بيت ابيمالك بصلاة ابراهيم (تك 20 : 17).. وهذا ما يستلزم وجود اليقين داخل كل إنسان حدثت فى حياته معجزة بأن إنتفاعه بالمعجزة لا يحمل فى طياته أدنى دليل على تقواه و قداسة حياته ، بل هى فقط هبة إلهية ، كانت صلاة هذا الإنسان المتواترة أو صلاة الأخرين عنه بإيمان سبباً من اسباب حدوثها .
+ من محبة الله للبشر أن تشاء عنايتة الإلهية إرجاء حدوث المعجزة فى حياة الإنسان لوقت معين ، فقد يكون فى حياته الكثير من الشرور والآثام التى تعطل عمل الله ، فيستلزم الأمر تأجيل إتمام المعجزة لإعطاء الإنسان فرصة للنمو فى الإيمان ، ولكن هذا إنما يدل على أن الذى يرجوه الرب لنفوسنا هو الإيمان ، لا الطلب المستمر من أجل الخروج من الضيقة والتجربة ..
+ لا تجعل طموحاتك أثناء التجربة هى المعجزة و الخروج إلى الحرية والمجد والرخاء ، بل نمو إيمانك وإزدياد كل ما يجعلك مقدساً فى الحق وطائعاً لصوت الإنجيل وإرادة الرب ، لانه ماذا ينتفع الإنسان لو أجتاز كل تجربة بلا ثمر ولا تقدم فى الفضيلة ولا نمو فى معرفة المسيح ؟ فهناك أمور لابد من إحرازها فى مصارعتنا مع الشيطان وأعوانه آبان التجربة كالإنتصار والتجديد والمصالحة مع الله و طلب ملكوته كل حين وأقتناء ما يجعلنا اهلاً للدخول فى شركة حقيقية ودائمة مع الروح القدس .
+ فى لقاء السيد المسيح مع توما ثامن يوم القيامة طوب السيد الذين يؤمنون دون أن يروا الآيات والعجائب والبراهين ، فما أحوجنا للسلوك بروح الإيمان الذى لا يعرف المرض أو الضعف ، لاننا سنحصد ما نزرعه وسيكون لنا بحسب إيماننا .
+ الكثير من الناس أجرى الله فى حياتهم العديد والعديد من المعجزات والآيات العجيبة ، ولكنهم لم يتغيروا عن شكلهم وطبائعهم وسلوكهم حسب الباطل والجسد وروح العالم ، وهذا يحمل لنا اليقين القاطع بان المعجزة ليست وسيلة لنمو الإنسان فى النعمة ومعرفة الحق ، ولكن بالإيمان نضمن النمو فى النعمة ومعرفة المسيح وتبعيته حتى الصليب.
صديقي إن كنت تظن أن نموك فى الإيمان يستلزم خروجك من الضيقة وأتون التجارب ، فلا شك أنك مخدوع ، لأن من ظن فى نفسه أن يستطيع النمو فى الإيمان بلا آلم أو بمعجزة تخرجه من التجربة التى يجتازها فهو مازال بعيداً عن معرفة الحق وملكوت الله وإرادة المسيح ، لك القرار والمصير .