الموضوع
:
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عرض مشاركة واحدة
24 - 06 - 2024, 01:17 PM
رقم المشاركة : (
164546
)
Mary Naeem
† Admin Woman †
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة :
9
تـاريخ التسجيـل :
May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة :
Egypt
المشاركـــــــات :
1,352,000
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المزمور المئة
شكر لإحسانات الله
مزمور حمد
"اهتفى للرب يا كل الأرض" ع1
مقدمة:
1. كاتبه: هناك رأيان:
أ - لا يذكر الكاتب في عنوان هذا المزمور، فهو من المزامير اليتيمة.
ب - داود النبي كما يذكر في عنوان هذا المزمور في الترجمة السبعينية.
2. هذا المزمور ليتورجى؛ أي يرنمه الشعب مع خورس اللاويين لتسبيح الله وشكره. وكان يرنم أثناء تقديم العبادة في هيكل الله، خاصة عند تقديم ذبائح السلامة ليشكروا الله.
3. غرض هذا المزمور هو إعلان أن الفرح محرك الإنسان لعبادة الله وشكره، كما أن التسبيح يولد الفرح داخل الإنسان.
4. يعتبر هذا المزمور من المزامير المسيانية؛ إذ يدعو الأرض كلها، وليس فقط اليهود لتسبيح الله؛ لأن المسيح قدم خلاصًا للعالم كله.
5. يوجد هذا المزمور في صلاة الأجبية ضمن مزامير الساعة التاسعة التي أتم فيها المسيح الفداء بموته على الصليب؛ لذا فالمؤمنين بالله يشكروه ويسبحوه على الخلاص المقدم لهم.
(1) العبادة بفرح (ع1، 2):
ع1: اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ.
ينادى داود النبي بروح النبوة كل سكان الأرض، ليس فقط أن يؤمنوا بالله، بل يشكروه، ويسبحوه بصوت مرتفع، وهو الهتاف معلنين تبعيتهم له، ومحبتهم، وفرحهم بعلاقتهم بالله.
سبب الهتاف هو نصرة المسيح على الشيطان بالصليب؛ إذ قيده، فهذا المزمور كما قلنا مسيانى يتنبأ عن الفداء الذي تم في ملء الزمان، وبه نالت البشرية الغلبة على الشيطان.
ع2: اعْبُدُوا الرَّبَّ بِفَرَحٍ. ادْخُلُوا إِلَى حَضْرَتِهِ بِتَرَنُّمٍ.
الاقتراب إلى الله وعبادته تملأ قلب الإنسان فرحًا؛ لأن أفضل مكان هو حضرة الله، ولذا تعتبر الكنيسة أيقونة السماء على الأرض. فعبادة الله تعطى فرحًا ولذة للإنسان، وهي عربون أمجاد ملكوت السموات.
إن الدخول إلى حضرة الله هو السجود في هيكله وعبادته، وهو أيضًا عبادة الله في الكنيسة، وكذلك التمتع بحضرته في المخدع. وأمام مجد الله، وجماله يتهلل قلب الإنسان ويترنم؛ لأنه قد تخلص من خطاياه بالتوبة، والقاها خارجًا قبل الدخول إلى حضرة الله. وبتجلى الإحساس بحضرة الله في أسرار الكنيسة، فالله حاضر في سر الاعتراف، وسر التناول اللذين يمارسهما الإنسان كثيرًا في العهد الجديد، ويفرح بحضرة الله.
الفرح الحقيقي هو في عبادة الرب، وليس في أفراح العالم وشهواته الزائلة، والتي تخلف وراءها حزنًا وحرمانًا، أما عبادة الله المفرحة، فتعطى سلامًا دائمًا.
† ليتك تتفهم كلمات الصلاة لتنطق بها بلسانك وقلبك، فيمتعك الله بالفرح أثناء العبادة، ويشعرك بحضرته، فترتفع فوق كل آلامك.
(2) الله الخالق والأمين (ع3-5):
ع3: اعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ. هُوَ صَنَعَنَا، وَلَهُ نَحْنُ شَعْبُهُ وَغَنَمُ مَرْعَاهُ.
يتكلم هنا عن الرب يسوع المسيح، ويعلن أنه هو الله، ومن أجل محبته لخلقته احتمل الآلام، وحمل الخطايا عنها؛ ليفديها. ولا يستطيع أحد أن يقدم هذا الحب اللانهائى إلا الله وحده.
إن كان الله هو صانعنا فحياتنا ملكًا له، وإن كان هو راعينا الذي يوفر لنا احتياجاتنا كل يوم، فبالضرورة أن نحيا له، ونخدمه بأمانة ونسبحه كل حين.
ع4: ادْخُلُوا أَبْوَابَهُ بِحَمْدٍ، دِيَارَهُ بِالتَّسْبِيحِ. احْمَدُوهُ، بَارِكُوا اسْمَهُ.
يكرر داود دعوة المؤمنين بالله ليعبدوه، ويسبحوه، ويشكروه، ويدخلوا دياره من خلال أبوابه. وما هي الأبواب؟
الإيمان بالله، والاعتراف باسمه القدوس.
التوبة عن كل الخطايا.
سر المعمودية الذي به ندخل إلى بنوة الكنيسة.
الصلاة التي تدخلنا إلى حضرة الله في السماء، ونتمتع بلقياه.
الكتاب المقدس، فهو باب الكنز العظيم، فنأكل ونشبع من كلمته ونتأمل فيها.
التناول من الأسرار المقدسة التي هى باب الاتحاد بالله، والثبات فيه.
فالديار ليست فقط أروقة الهيكل في العهد القديم، بل هي نبوة عن كنائس العهد الجديد، والتي تكمل في أمجاد الملكوت السماوى.
ع5: لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ، إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ، وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ.
يظهر صلاح الله في إحساناته الكثيرة لشعبه، ليس فقط في العهد القديم، بل بالأكثر في العهد الجديد، عندما مات على الصليب لأجل خلاصنا؛ ولذا ينبغى له التسبيح كل حين.
الصفة الثانية التي تذكرها لنا هذه الآية هي رحمته، فهو يحب أولاده عندما يسقطون في الخطية، ويسامحهم عندما يتوبون مهما تكررت خطاياهم، فلا يوجد إله رحيم إلى هذا الحد.
الصفة الثالثة في الله هي أمانته في وعوده لأولاده، ورعايته الكاملة لهم على مدى الأيام أي من دور إلى دور، وهذا يعنى رعايته في العهد القديم والعهد الجديد، ورعايته لأولاده على الأرض وفى السماء. من أجل كل هذا يستحق الحمد والشكر والتسبيح على الدوام؛ لأن صلاح الله ورحمته وأمانته مستمرة، وبالتالي فإن شكره وتسبيحه يدوم إلى الأبد.
† تأمل رحمة الله في حياتك وكيف غفر لك كل ما أسأت به إليه، وإلى أولاده البشر، وإلى نفسك أيضًا لأنك ابنه. واشكره على غفرانه ولتحول الرحمة الإلهية حياتك إلى انطلاق إيجابى في محبته، لتعوض ما فاتك، وتتمتع بأعماق جديدة في محبته.
المزمور المئة والواحد
كيف نسلك بالكمال
لداود. مزمور
"رحمة وحكمًا أغنى لك يا رب .. ع1"
مقدمة:
كاتبه: داود النبي كما يذكر عنوان هذا المزمور.
متى كتب؟ بعد موت عزة الذي مد يده ليسند التابوت أثناء نقله من قرية يعاريم إلى بيت عوبيد أدوم الجتى (2 صم: 6)، وقد بقى التابوت في بيت عوبيد مدة ثلاثة أشهر إلى أن نقله داود إلى أورشليم. وفى هذه الفترة كتب داود هذا المزمور، حيث كان داود في صراع بين خوفه من الله بسبب موت عزة واشتياقه لبركة التابوت في أورشليم.
يبين هذا المزمور أشواق داود لحياة الكمال، ورفضه الشر.
يرمز هذا المزمور لحياة أولاد الله في كنيسة العهد الجديد التي تسعى نحو الكمال.
يتمنى داود في هذا المزمور أن تكون مملكته نقية من كل شر، ويرمز للمسيح الذي يريد أن تكون كنيسته طاهرة وبلا غضن (أف5: 27).
يوجد هذا المزمور بصلاة الأجبية في صلاة الساعة التاسعة، التي فيها أتم المسيح الفداء على الصليب ليؤسس كنيسته الطاهرة.
(1) السلوك بالكمال (ع1-3):
ع1: رَحْمَةً وَحُكْمًا أُغَنِّي. لَكَ يَا رَبُّ أُرَنِّمُ.
إن الرحمة الإلهية تسبق حكم الله ودينونته، فالله يريد أن الجميع يخلصون. من أجل هذا يغنى ويرنم داود أن الرحمة تسبق الحكم، بل إن الله رحيم في حكمه؛ كما أوقف الوباء الذي عاقب به الله داود لإحصائه الشعب (2 صم24: 15، 16). والله أيضًا حكيم في رحمته، فقد سمح أن يمرض الطفل المولود من زنا داود وإمرأة أوريا الحثى؛ ليعلم داود أن نتيجة الزنا مكروهة عند الله، فقد سامح داود ولكن الطفل مات (2 صم12: 13-15).
إن رحمة الله هي في هذه الحياة لتعطينا فرصة للتوبة، أما الحكم فهو في يوم الدينونة الأخير.
إن مراحم الله كثيرة، ومن الطبيعي أن يغنى لها داود، ولكن العجب أن يغنى أيضًا لحكم الله وعدله. فهو يرنم لعدل الله الذي سيتم في ملء الزمان، عندما يوفي المسيح الدين الذي للبشرية على الصليب. ويغنى داود لحكم الله ودينونته التي بها يعاقب الشياطين، ويهلكهم في العذاب الأبدي.
إن كانت رحمة الله تتقدم حكمه، فينبغى أن أولاد الله تتقدم الرحمة في مشاعرهم وأعمالهم مع الآخرين على حكمهم، فيطلبون خلاص نفوس الكل مثل الله.
ع2: أَتَعَقَّلُ فِي طَرِيق كَامِل. مَتَى تَأْتِي إِلَيَّ؟ أَسْلُكُ فِي كَمَالِ قَلْبِي فِي وَسَطِ بَيْتِي.
يعلن داود منهجه في الحياة بوعده لله أن يسلك بالكمال، وبتعقل؛ أي يتفهم كل ما يعمل، ويدقق فيه، ويسلك بحسب وصايا الله. وكان يسلك بالكمال ليس فقط قدام الناس ولكن أيضًا في وسط بيته في معاملة أسرته وعبيده، وفى كل أموره الشخصية. وسلوكه بالكمال نابع من قلبه، وليس تصرفات ظاهرية سطحية.
عندما ذكر داود سعيه للسلوك بالكمال تذكر ضعفه وقصوره، فطلب أن يأتي إليه الله؛ ليسنده في تنفيذ وصاياه. وهو أيضًا يترجى الله معلنًا أشواقه أن يأتي إليه ويباركه، كما وعد موسى قديمًا (خر20: 24). وكذلك طلبه أن يأتي الله هو نبوة عن تجسد المسيح ليفدى البشرية.
ع3: لاَ أَضَعُ قُدَّامَ عَيْنَيَّ أَمْرًا رَدِيئًا. عَمَلَ الزَّيَغَانِ أَبْغَضْتُ. لاَ يَلْصَقُ بِي.
في طريق الكمال يعلن داود أنه لا يضع أمام عينيه كهدف أي أمر رديء؛ لأنه يبغضه، ولا يريد أن يلتصق به. فهو وإن كان كإنسان معرض للسقوط في أية خطية، ولكنه لا يضع الخطية هدفًا لحياته، بل يتباعد عنها ويبغضها؛ لأنه يريد الالتصاق بالله، والسلوك بوصاياه.
† ضع الله هدفًا في بداية يومك لتتمسك بوصاياه، وترضيه في أفكارك، وكلامك، وأعمالك، وابتعد عن الشر؛ حتى لو سار كل من حولك في طريقه، واستمر ملتصقًا بالله، فتتمتع بسلامك دائمًا.
(2) الابتعاد عن الأشرار والالتصاق بالأمناء (ع4-8):
ع4: قَلْبٌ مُعْوَجٌّ يَبْعُدُ عَنِّي. الشِّرِّيرُ لاَ أَعْرِفُهُ.
يواصل داود حديثه عن الكمال، فيؤكد أنه يتباعد عن الملتويين، أي الذين قلوبهم معوجة عن الله، وكل الأشرار. فهو لا يريد أن يختلط بالشر لئلا يسقط فيه، وهذا يبين تدقيقه، ونقاوته. وهو في هذا يرمز للمسيح البار القدوس الذي يتنافر مع الشر.
ع5: الَّذِي يَغْتَابُ صَاحِبَهُ سِرًّا هذَا أَقْطَعُهُ.
مُسْتَكْبِرُ الْعَيْنِ وَمُنْتَفِخُ الْقَلْبِ لاَ أَحْتَمِلُهُ.
يغتاب: يدين غيره في غيابه
يضيف داود على سلوكه النقى أنه يتباعد عن الأشرار الذين يفعلون خطيتين كبيرتين هما:
الإدانة والاغتياب:
لأنها ضد محبة الآخر وكذلك تجريحًا له، وإعثار للسامعين، وفقدان سلام الذي يدين، فهي شر من جميع النواحى متعدد الإساءات.
الكبرياء:
سواء في القلب، أو في السلوك بالنظر، أو الكلام، أو التصرفات.
فداود النبي كان لا يحتمل هاتين الخطيتين، ويقاطع من يسلك بهما.
ع6: عَيْنَايَ عَلَى أُمَنَاءِ الأَرْضِ لِكَيْ أُجْلِسَهُمْ مَعِي.
السَّالِكُ طَرِيقًا كَامِلًا هُوَ يَخْدِمُنِي.
لكى يبتعد داود الملك عن الظلم في أحكامه، وقرارته قاطع الأشرار، وفى نفس الوقت قرَّب إليه الأمناء مع الله، والسالكين بالكمال. فالحاكم العادل لا يكتفى فقط بمقاطعة الأشرار، بل لابد أن يحيط نفسه بالأمناء والكاملين، كما صادق داود يوناثان، وكما قرب المسيح إلى نفسه الإثنى عشر تلميذًا، والسبعين رسولًا، وكان يحب لعازر وأختيه مريم، ومرثا.
ع7: لاَ يَسْكُنُ وَسَطَ بَيْتِي عَامِلُ غِشٍّ.
الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَذِبِ لاَ يَثْبُتُ أَمَامَ عَيْنَيَّ.
يستكمل داود حديثه عن نقاوة الجو المحيط به، فيعلن أن من يعمل بالغش، أو يكذب لا يستقر داخل بيته. فحتى لو حاول الكذاب والغشاش التسلل إلى قصر داود، فهو يطرده ولا يدعه يستقر معه في البيت.
إن حاولت أفكار الغش، أو الكذب الدخول إلى قلب الإنسان الروحي يرفضها، ولا يجعلها تستقر في داخله.
ع8: بَاكِرًا أُبِيدُ جَمِيعَ أَشْرَارِ الأَرْضِ،
لأَقْطَعَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّبِّ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ.
يختم داود المزمور بكراهيته للشر، فيبيده من مدينته أورشليم، ويسرع إلى هذا بأن يبكر للتخلص من الشر؛ حتى يحفظ نقاوة المدينة، وكل المحيطين به.
المدينة ترمز إلى قلب الإنسان الروحي، وإلى الكنيسة التي ينبغى أن تظل طاهرة، كما فعل بولس الرسول وعزل الخاطئ في كنيسة كورنثوس حتى تاب (1 كو5: 13).
† حاسب نفسك كل يوم لتتخلص من خطاياك بالتوبة، بل وتقطع نفسك، وتبتعد عن مصادر الشر؛ لتحيا في سلام ونقاوة، وتتمتع بعشرة الله.
المزمور المئة والثانى
آلام المسكين ورجاؤه
صلاة لمسكين إذا أعيا وسكب شكواه قدام الله
"يا رب استمع صلاتى وليدخل إليك صراخى ... ع1"
مقدمة:
1. كاتبه: هناك عدة آراء في هذا الأمر:
أ - لا يذكر اسم كاتب المزمور في العنوان، فهو يعتبر من المزامير اليتيمة، إذ قال أن كاتبه مسكين ولم يذكر اسمه.
ب - داود النبي الذي كان مسكينًا بالروح، أي متضعًا أمام الله، واحتمل آلامًا كثيرة فرفع صلاته إلى الله.
جـ- في نهاية السبي كتبه عزرا الكاهن والكاتب، ويعبر عن آلام المسبيين وأشواقهم للرجوع إلى أورشليم.
د - نحميا الذي رجع من السبي إلى أورشليم في الرجوع الثالث، ورأى سور أورشليم منهدم والحجارة متناثرة، فصلى وسانده الله، وبنى السور، واهتم بأورشليم والسكان فيها روحيًا وماديًا.
2. متى كتب؟
هناك رأيان:
أ - عندما كان داود مطرودًا من وجه أبشالوم ابنه.
ب - في نهاية فترة السبي وبدء الرجوع إلى أورشليم.
3. يعبر هذا المزمور عن آلام المساكين المؤمنين بالله، والمتضعين أمامه، ورجائهم في خلاصه.
4. يتكلم بلسان الجماعة في جزء كبير في هذا المزمور، فهو يعبر عن آلام شعب الله وتضرعهم إليه؛ لينقذهم.
5. هذا المزمور من المزامير المسيانية، وهذا المسكين يرمز للمسيح الذي احتمل الآلام من أجلنا، وصلى في بستان جثسيماني لتعبر عنه كأس الآلام.
6. يعتبر هذا المزمور من المزامير الليتورجية، فقد كان يستخدم في العبادة العامة، فيقدم كصلاة أيام لله.
7. يعتبر هذا المزمور من مزامير التوبة السبعة التي هى (مز6، 32، 38، 51، 102، 130، 143).
8. اقتبس بولس الرسول جزء من هذا المزمور وهو (ع25-27) في رسالته إلى العبرانيين (عب 1: 10-12) وهذا يؤكد أن كلمات المزمور تتنبأ عن المسيح.
9. لا يوجد هذا المزمور في الأجبية.
(1) آلام مسكين (ع1-11):
ع1، 2: يَا رَبُّ، اسْتَمِعْ صَلاَتِي، وَلْيَدْخُلْ إِلَيْكَ صُرَاخِي.
لاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي فِي يَوْمِ ضِيقِي.
أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ فِي يَوْمِ أَدْعُوكَ. اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا.
تضرع كاتب المزمور يظهر حاجته لله، ويطلب منه أن يستمع صلاته، بل يدخل إلى حضرة الله صراخه الذي يعبر عن مدى احتياجه. فهو لا يصرخ بصوت عالٍ، بل بالأحرى قلبه يصرخ؛ لأنه متألم جدًا. ولشدة احتياجه يترجى الله أن لا يحجب عنه وجهه، أو ينساه. بل يتمنى أن يميل الله أذنه ويسمعه، فهو يثق في محبة الله واتضاعه. فإن كان صوت المسكين منخفض بسبب شدة الآلام، ولكن رجاءه أن يتنازل الله، ويميل أذنه، ويستمع إليه. ولأجل احتياجه الكبير يتمنى سرعة استجابة الله.
إن هاتين الآيتين نبوة عن المسيح المصلوب، الذي انحجب وجه الآب عنه، فصرخ "إلهى إلهي لماذا تركتنى" (مت27: 46) كتعبير عن صعوبة احتمال كل خطايا العالم؛ إذ لابد أن يشرب كأس الآلام حتى النهاية، ويموت ليتمم فداءنا.
ع3-5: 3- لأَنَّ أَيَّامِي قَدْ فَنِيَتْ فِي دُخَانٍ، وَعِظَامِي مِثْ
وَقِيدٍ قَدْ يَبِسَتْ. مَلْفُوحٌ كَالْعُشْبِ وَيَابِسٌ قَلْبِي، حَتَّى سَهَوْتُ
عَنْ أَكْلِ خُبْزِي. مِنْ صَوْتِ تَنَهُّدِي لَصِقَ عَظْمِي بِلَحْمِي.
وقيد:
الأغصان اليابسة التي يوقد بها النار.
ملفوح:
هبت عليه ريح حارة، فجعلته يابسًا.
سهوتُ:
نسيتُ.
يصف كاتب المزمور تأثير الآلام عليه حتى جعلت حياته كالدخان الذي يتطاير سريعًا، وينتهى، أي أن حياته تكاد تفنى من شدة الألم، وكذلك عظامه قد صارت كأعواد الحطب تستخدم لإيقاد النار. والعظام هي الجزء القوى في الإنسان الذي يساند الجسد؛ هذه أصبحت ضعيفة جدًا وبدأت تحترق، وتحولت العظام التي تساند الإنسان إلى سبب اشتعال النار في داخله، أي سبب آلامه العنيفة. ثم يشبه حياته بنبات هبت عليه ريح ساخنة فجعلته يابسًا. والنبات الملفوح يفقد حيويته ويصبح حطبًا لإيقاد النار، ما لم تسعفه المياه الإلهية لترويه وتعيد إليه حيويته. هكذا أيضًا ييبس قلب المسكين من شدة الآلام. وفى النهاية لم يعد له قدرة ولا اشتياق لأكل الطعام، بل نسيه وبالتالي أصبح معرضًا للموت جوعًا؛ بالإضافة إلى تنهده وأنينه المتواصل بسبب شدة الآلام، جعل لحمه يلتصق بعظامه إذ صار كل الجسد يابسًا، ومعرضًا للهلاك.
ع6، 7: 6- أَشْبَهْتُ قُوقَ الْبَرِّيَّةِ. صِرْتُ مِثْلَ بُومَةِ الْخِرَبِ.
سَهِدْتُ وَصِرْتُ كَعُصْفُورٍ مُنْفَرِدٍ عَلَى السَّطْحِ.
قوق البرية:
نوع من الطيور بعضها يعيش في البرية، ويصدر أصواتًا يشبه صراخ المتألم الحزين. وتتغذى على الحيوانات السامة مثل الثعابين.
بومة الخرب:
نوع من الطيور يصدر أصواتًا حزينة، ويعيش في المقابر والأماكن الخربة، ويعتبره العرب نذير شؤم.
سهدت:
سهرت.
يشبه كاتب المزمور حالته المؤلمة بالطيور التي تصدر أصواتًا حزينة، مثل القوق والبوم. ولشدة آلامه ابتعد عن الأحباء، وصار يعانى من العزلة؛ لذا يشبه نفسه بعصفور منفرد على سطح منزل ليس معه أحد، ولا يشعر به أحد، خاصة وأن هذا العصفور يقصد به عصفور "الدورى" الذي يقف وحده على أسطح المنازل في الجو البارد.
هاتان الآيتان ترمزان للمسيح الذي جاز المعصرة وحده واحتمل كل الآلام عنا على الصليب، مثل القوق والبوم التي هي من الطيور النجسة الحزينة؛ لأنه حمل نجاساتنا وأحزاننا، وكان وحده في الآلام وتركه الجميع، فكان مثل العصفور المنفرد.
ع8: الْيَوْمَ كُلَّهُ عَيَّرَنِي أَعْدَائِيَ. الْحَنِقُونَ عَلَيَّ حَلَفُوا عَلَيَّ.
الحنقون:
المغتاظون بشدة.
حلفوا علىَّ:
تحالفوا علىَّ؛ أي اتفقوا على الإساءة إلىَّ وأقسموا على ذلك.
احتمل أيضًا هذا المسكين تعييرات من الأعداء، واتفق عليه كثيرون من الذين اغتاظوا منه لبره. وهكذا استمروا طوال اليوم؛ أي باستمرار كانوا يضايقونه بكلمات صعبة، ويؤكدون أنهم سيسيئون إليه.
هذه الآية تنطبق على المسيح الذي احتمل تعييرات كثيرة من اليهود، واغتاظوا منه، وأساءوا إليه بالجلد والصلب.
ع9: إِنِّي قَدْ أَكَلْتُ الرَّمَادَ مِثْلَ الْخُبْزِ، وَمَزَجْتُ شَرَابِي بِدُمُوعٍ،
يعبر كاتب المزمور عن مدى آلامه وتذلله أمام الله؛ إذ وضع الرماد على رأسه كعادة القدماء، وعندما أكل الطعام سقط الرماد من على رأسه وامتزج بطعامه؛ أي كان في تقشف وذل كثير. وعندما كان يشرب الماء، أو أى مشروب آخر وهو في أحزانه الشديدة كانت تسيل دموعه، وتسقط في شرابه، ويشرب شرابه ممتزجًا بدموعه. كل هذا يبين مدى آلامه.
ع10: بِسَبَبِ غَضَبِكَ وَسَخَطِكَ، لأَنَّكَ حَمَلْتَنِي وَطَرَحْتَنِي.
كل الآلام التي مرت بكاتب المزمور، شعر أنها بسماح من الله. فالله غضب عليه غضبًا شديدًا، فحمله وطرحه، فعانى من آلام؛ نتيجة إلقائه على الأرض. وهذا يبين مدى إيمانه وقبوله الآلام من يد الله، فشعر أنها تأديب له؛ ليتوب ويزهد العالم. والله رفع داود إلى عرش الملك، ولكن سمح له أن يقوم عليه ابنه الذي طرده، وحاول قتله، ولكن لما صلى داود أعاده الله إلى عرشه.
ع11: أَيَّامِي كَظِلّ مَائِل، وَأَنَا مِثْلُ الْعُشْبِ يَبِسْتُ.
يشعر كاتب المزمور بضعفه، ويشبه حياته بظل مائل على الأرض. هذا الظل كلما اقترب وقت الغروب يزداد طولًا؛ أي يكبر الإنسان في السن، ولكن بعد اختفاء الشمس يزول تمامًا، أي تنتهي الحياة، فهو يرى أن حياته ستنتهي. وأيضًا يعبر عن آلامه بأنه قد قارب الفناء، فيشبه نفسه بعشب قد اقتلع من جذوره التي في الأرض، وبدأ يجف، وبالتالي قد اقترب من فقدان حيويته؛ أي يصير حطبًا؛ هكذا حياة كاتب المزمور.
هذه الآية تنطبق على المسيح الذي كانت حياته قصيرة على الأرض، وانتهت بصلبه، واحتمل كل الآلام حبًا فينا.
† إن كنت تعانى من آلام، فكن أمينًا مع الله، متمسكًا بوصاياه، وثق أن آلامك غالية جدًا عند الله، وسيكافئك عنها في الملكوت.
(2) الله يخلص المساكين (ع12-22):
ع12: أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلَى الدَّهْرِ جَالِسٌ، وَذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.
إن كان كاتب المزمور كإنسان ضعيف، وعمره قصير، ولكن الله عظيم، وممجد، وجالس على عرشه، ويذكره السمائيون، وأولاده على الأرض من جيل إلى جيل يمجدون اسمه. فإن كان الإنسان متألم وضعيف على الأرض، ولكنه سيسعد برؤية الله، ويمجده في السموات. وهذا يبين إيمان كاتب المزمور بالحياة الأبدية، وأمجادها، وهذا يساعده على احتمال آلام الأرض المؤقتة.
إن كانت حياة المسيح على الأرض امتلأت آلامًا ومات ميتة شنيعة بالصلب، ولكنه ممجد في السموات إلى دهر الدهور.
ع13: أَنْتَ تَقُومُ وَتَرْحَمُ صِهْيَوْنَ، لأَنَّهُ وَقْتُ الرَّأْفَةِ، لأَنَّهُ جَاءَ الْمِيعَادُ.
صهيون:
أهم التلال الخمسة التي تقوم عليها مدينة أورشليم، وترمز للمدينة المقدسة.
يظهر كاتب المزمور رجاءه في الله القوى الجالس إلى الأبد على عرشه، فيتحنن في الميعاد عندما تكمل الأزمنة ويعيد شعبه من السبي. فهو يقوم لنجدة شعبه بعد احتمالهم التأديب، ليحررهم من عبوديتهم، ويعيدهم إلى بلادهم، ليبنوا الهيكل، ويعبدوه فيه؛ محققًا بذلك كلام النبوات (اش40: 2؛ إر29: 10؛ حب2: 3).
تشير هذه الآية إلى فداء المسيح في ملء الزمان، وقيامته؛ ليقيم أولاده فيه، ويخلصهم من خطاياهم.
تشير أيضًا هذه الآية إلى القيامة الأخيرة بعد يوم الدينونة، حين يتراءف على أولاده المؤمنين، ويعوضهم عن كل أتعابهم على الأرض.
ع14: لأَنَّ عَبِيدَكَ قَدْ سُرُّوا بِحِجَارَتِهَا، وَحَنُّوا إِلَى تُرَابِهَا.
عبيد الله هم اليهود المؤمنون بالله، المتمسكون بعبادته، قد ذهبوا إلى السبي، ولكنهم ما زالوا يشتاقون إلى حجارة الهيكل المنهدم في أورشليم؛ ليبنوه من جديد. وحنوا أيضًا إلى تراب أورشليم ليعيدوها إلى بهائها الأول، فهم بهذا يستدرون مراحم الله، وعطفه؛ ليساعدهم على بناء الهيكل وأورشليم من جديد.
في هذه الآية "عبيد الله" يرمزون للرسل الذين سروا بحجارة الكنيسة، أي المؤمنين، وحنوا إلى ترابها، أي إلى البعيدين الذين يسلكون بسلوك ترابى أرضى ليبشروهم، ويجذبوهم إلى الكنيسة.
ع15: فَتَخْشَى الأُمَمُ اسْمَ الرَّبِّ، وَكُلُّ مُلُوكِ الأَرْضِ مَجْدَكَ.
عندما ترى الأمم عناية الله بشعبه في إعادتهم من السبي ومساعدتهم على بناء الهيكل وأورشليم، يؤمنون بقوة الله إله إسرائيل، ويخافونه هم وملوكهم، بل يقبلون على الإيمان، وهذا ما حدث في المسيحية عندما آمنت الأمم، وصارت كنائس قوية على يد الرسل، وخاصة بولس الرسول.
ع16: إِذَا بَنَى الرَّبُّ صِهْيَوْنَ يُرَى بِمَجْدِهِ.
آمن كاتب المزمور بأن صهيون ستبنى، فيظهر مجد الله الذي شيدها بواسطة أولاده المؤمنين به، فيجذب هذا العمل العظيم الأمم للإيمان.
عمل الله في بناء أولاده المؤمنين يمجد الله، فيؤمن الكثيرون من البعيدين. هذا ما يحدث في الكنيسة كل يوم.
ع17: الْتَفَتَ إِلَى صَلاَةِ الْمُضْطَرِّ، وَلَمْ يَرْذُلْ دُعَاءَهُمْ.
يتكلم هنا كاتب المزمور بصيغة الماضى عن الله أنه التفت إلى صلاة المضطر، وهو المؤمن بالله الذي في ضيقة، وليس أمامه إلا الالتجاء لله، واهتم بطلبته، ولم يهملها، وساعد أولاده المسبيين، وأعادهم إلى أورشليم، وبنوا الهيكل والمدينة. فهذا يبين مدى إيمان كاتب المزمور باستجابة الله التي ستحدث.
ع18: يُكْتَبُ هذَا لِلدَّوْرِ الآخِرِ، وشَعْبٌ سَوْفَ يُخْلَقُ يُسَبِّحُ الرَّبَّ:
يعلن كاتب المزمور بروح النبوة حقيقة عظيمة، أنه ليس فقط سيعود شعب الله من السبي ويبنى ثانية الهيكل في أورشليم، ولكن سيخلق شعب يسبح الرب في الأجيال التالية، أي الدور الآخر، ويقصد في ملء الزمان عندما يفدى المسيح البشرية، ويؤسس كنيسته بروحه القدوس، فتسبحه تسبيحًا جديدًا، حول ذبيحة جديدة؛ هي ذبيحة نفسه (جسده ودمه).
ع19، 20: لأَنَّهُ أَشْرَفَ مِنْ عُلْوِ قُدْسِهِ. الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ
إِلَى الأَرْضِ نَظَرَ، لِيَسْمَعَ أَنِينَ الأَسِيرِ، لِيُطْلِقَ بَنِي الْمَوْتِ،
الله الحنون انشغل منذ الأزل بأولاده الذين سقطوا في الخطية، ولكنهم مؤمنون به، وينتظرون خلاصه، وفى ملء الزمان أشرف، ونظر من السماء، أي اهتم بأولاده، وأظهر محبته نحوهم بتجسده وفدائه، إذ سمع أنينهم وتوجعهم من تحكم إبليس فيهم، وحكم الموت الذي صدر عليهم، بل ضيقهم من الجحيم الذي دخلوا إليه، فمد يده وخلصهم، وأصعدهم إلى الفردوس، بعد أن تمم فداءهم على الصليب.
ع21، 22: لِكَيْ يُحَدَّثَ فِي صِهْيَوْنَ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَبِتَسْبِيحِهِ
فِي أُورُشَلِيمَ، عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشُّعُوبِ مَعًا وَالْمَمَالِكِ لِعِبَادَةِ الرَّبِّ.
بعد أن آمن الكثيرون في العالم كله بالمسيح الفادى، قدموا لله التسابيح في أورشليم، أو صهيون الجديدة، أي الكنيسة. وأعلن اسم الرب يسوع المسيح، وقُدمت له التسابيح، إذا اجتمعت حوله الشعوب التي آمنت به.
† الله مستعد مهما أخطأت أن يغفر خطاياك، ويعيد بناء حياتك الروحية، فترجع، وتقدم له الشكر والتسبيح، وتتمتع ليس فقط بعشرتك الأولى معه، بل تختبر أعماقًا جديدة في محبته.
(3) المسكين يمجد الله (ع23-28):
ع23، 24: ضَعَّفَ فِي الطَّرِيقِ قُوَّتِي، قَصَّرَ أَيَّامِي.
أَقُولُ: «يَا إِلهِي، لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي. إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ.
ضعف:
أضعف، أى جعلها ضعيفة.
يعبر كاتب المزمور عن الآلام التي يعانيها كإنسان، فتجعله ضعيفًا، ويشعر أن جسده لا يقوى أن يكمل أيامه على الأرض؛ لذا يطلب من الله أن يطيل أيامه، ولا يجعل الآلام تقصرها؛ إذ هو مشتاق أن يرى خلاص الله الذي سيتم في ملء الزمان، والذي وعد به الله على فم الأنبياء، أي تجسد المسيح وفدائه. ويقول لله أنك دائم إلى الأبد فأطل عمرى وأعطنى أن أحيا أمامك؛ حتى أرى وأتمتع بهذا الخلاص. فواضح أن خلاص المسيح كان يشتاق إليه كل المؤمنين في العهد القديم، كما عبر بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين عن ذلك بقوله أنهم "من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها" (عب11: 13) أي كانوا مشتاقين إليها.
ع25-28: مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ.
هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ
وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ، وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ.
يعلن كاتب المزمور في هذه الآيات أن الله هو الأزلي الذي خلق السماء والارض وكل ما فيها. وأن كل الماديات التي في العالم ستفنى، وأما البشر فيغيرهم الله إلى أجسام روحية تخلد مع أرواحهم إلى الأبد. وإن كانت المخلوقات المادية تفنى، ولكن الله خالقها يدوم إلى الأبد، ويدوم معه أولاده وعبيده المؤمنون به، وكل نسلهم الذي عاش حياة روحية مثلهم مع الله. كل هؤلاء يخلدون، ويتمتعون بملكوت السموات من الله.
وهكذا نرى بداية المزمور يتحدث الكاتب عن الآلام التي يعاينها البشر حتى المؤمنين بالله، ولكن يختم المزمور بسعادة عظيمة ينالها أولاد الله عوض كل أتعابهم على الأرض؛ لأنهم آمنوا بالله وأحبوه.
† ليت عينيك ترتفع إلى السماء كل يوم ولو دقائق؛ لتتذكر أن هدفك الوحيد من هذه الحياة هو الوصول إلى السماء؛ حتى تحيا باستقامة قلب ونقاوة في هذا اليوم، فتبتعد عما يعثرك، وإن سقطت تعود سريعًا بالتوبة إلى الله؛ لتظل رافعًا عينيك نحو السماء.
المزمور المئة والثالث
دعوة الكل لتسبيح الرب
"باركى يا نفسي الرب وكل ما في باطنى ليبارك اسمه القدوس ...ع1"
مقدمة:
كاتبه: داود النبي كما يذكر عنوان المزمور.
متى كتب؟ في نهاية حياة داود، أي في شيخوخته، فيسبح الله، ويباركه من كل قلبه على أعماله معه، ومع شعبه.
يرى البعض أن هذا المزمور نبوة عن تسبيح ومباركة شعب الله الراجع من السبي.
يظهر هذا المزمور مشاعر داود وشعبه نحو الله أما المزمور التالي (مز104) فهو يشبه هذا المزمور في تسبيح الله، وأن كليهما ينتهيان بعبارة "باركى يا نفسي الرب"، ولكن المزمور الأخير يعبر عن تسبيح الخليقة كلها لله.
هذا المزمور نبوة عن بركات المسيا المنتظر، فلذا يعتبر من المزامير المسيانية.
هذا المزمور ليتورجى كان اليهود يرددونه في الهيكل، ومازالوا حتى الآن يتعبدون به.
يناسب هذا المزمور كل إنسان يحب الله، ويود أن يشكره، فيعبر عن مشاعر محبة قوية لله.
لا يوجد هذا المزمور في صلاة الأجبية.
(1) لماذا نبارك الله؟ (ع1-5):
ع1: بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ.
يدعو داود روحه لتسبح الله، فهو يشجع نفسه لتقوم بحماس، وتقف أمام الله، وتباركه، وتمجده على أعماله العظيمة، حتى لو كان داود قد مر بآلام، ولكن ينساها في غمرة فرحه بتسبيح الله.
يؤكد داود للمرة الثانية تسبيح الله، فينادى باطنه، ويقصد فكره ومشاعره؛ ليمجدا، ويباركا الله، أي بكل كيانه يسبح الله، فيتمتع بعشرته.
يظهر معنى هذه الآية في كلام المسيح عندما لخص الوصايا "تحب الرب إلهك من كل قلبك.." (مت22: 37).
ع2: بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ.
يدعو داود نفسه لتشكر الله على بركاته ورعايته وكل أعماله معه. وهذا يؤكد أهمية الشكر الذي يفرح قلب الله.
المؤمن بالله يشكره على إحساناته التي تكون في عطاياه، أو الضيقات التي تمر بالإنسان، فهي لتأديبه وإصلاحه؛ حتى تقربه إلى الله، وتنتشله من الشر، فلذا يشكر الله أيضًا عليها. هذه هي مشاعر داود، وكل من آمن واتكل على الله.
ع3: الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ.
أول شيء يستحق الشكر من الإنسان هو غفران الله لخطاياه، وبالتالي يهبه الحياة الجديدة. هذا ما يكمل في المسيح المخلص في سر الاعتراف، ولعل داود رآه بعين النبوة.
العطية الثانية التي يشكر الله عليها هي شفاؤه من أمراضه، والمقصود الأمراض الروحية التي نتجت عن الخطية، بالإضافة للأمراض النفسية والجسدية. فالله قادر على شفاء كل الأمراض، ويستحق الشكر والتمجيد، فهو يعيد الإنسان إلى صحته الأولى؛ ليبدأ من جديد حياة نشيطة مع الله.
ع4: الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ.
يشكر داود الله الذي أنقذه من يد شاول وأبشالوم، وفدى حياته، أي أنقذه من الموت، وألبسه إكليل عظيم برحمته، ورأفته عندما توجه ملكًا على شعبه، بل أعطاه نصرة على أعدائه. وأكثر من هذا أعطاه عشرة روحية، وتمتع بحضرة الله.
هذه الآية نبوة عن المسيح الفادى، الذي بموته على الصليب فدانا من "الحفرة" أي الهاوية والجحيم التي نسقط فيها بسبب خطايانا. وكللنا بمراحمه ورأفاته بإكليل النصرة على الخطية والشيطان. وهذا عربون لإكليل المجد الأبدي في الملكوت.
المسيح يفدى أولاده من مؤامرات الأشرار في كل جيل، ويحفظهم بالإيمان، بل يهبهم أكاليل الإستشهاد، والبتولية، والرهبنة، والخدمة، والكهنوت؛ كل هذا بمراحمه ورأفاته كهبة حب مجانية لهم.
ع5: الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ.
يشكر أيضًا داود الله في النهاية على الخيرات الكثيرة التي أعطاها له. ويقصد بالخيرات كل العطايا المادية، وبالأحرى الروحية، فيشكره على حفظه له، وعلى إشباعه بالماديات، وعلى الملك، ويشكره، بالأكثر على معرفته له، واختياره في حياته، وتمتعه بعشرته، وهذا ما ينبغى أن يفعله كل إنسان روحي.
النسر عندما يصل إلى سن الثلاثين تضعف مخالبه، ومنقاره ويلتصق ريش جناحيه بجسده ويكون معرضًا للموت، إذ لا يستطيع أن يقتنص فريسته ويعجز عن الطيران. وهنا يلزمه أن يجدد قوته ليواصل الحياة، فيطير إلى أعلى الجبل ويمكث هناك مدة مئة وخمسين يومًا؛ أي خمسة شهور يكسر فيها مخالبه مرة، ثم الثانية بضربها في الصخر، وكذلك منقاره، فتنبت من جديد ولكن بقوة، وينتف ريشه القديم، فينبت غيره ريشًا قويًا غير ملتصقًا بجسده، ويتحمل كل هذه الآلام ليواصل حياته ثلاثين سنة أخرى، أو أكثر؛ إذ يمكن أن يصل عمره إلى سبعين عامًا.
يتمنى داود لنفسه عندما تقابل فتورًا روحيًا وضعفًا أن تتجدد حيويتها وقوتها الروحية بالجهاد الروحي والألم. فتنطلق من جديد في حياة قوية مع الله، كما يفعل النسر. فتستطيع نفسه أن تحلق في سماء الفضائل، وترتفع عن الشهوات الأرضية. وهكذا يتمنى، ويسعى كل إنسان روحي.
كما يحتمل النسر آلامًا كثيرة ليجدد شبابه، هكذا يلزم للإنسان الروحي أن يحتمل التجارب، وكذلك آلام الجهاد الروحي. وأيضًا الخادم يحتمل آلام الخدمة؛ ليتجدد الشباب الروحي، ويرتفع الإنسان في علاقته مع الله.
هكذا نرى أن داود يتمنى لنفسه، ولكل مجاهد روحيًا ستة أمور هي:
أ - غفران خطاياه.
ب - شفاء أمراضه الروحية والجسدية.
جـ- نوال الفداء من الخطية والعذاب الأبدي.
د - الحصول على إكليل الحياة مع الله وملكوت السموات.
هـ- الشبع بالخيرات الروحية، بالإضافة للجسدية.
و - تجديد مستمر للحياة الروحية.
† شكر الله يثبت عطاياه لك، بل تفيض عليك بركات أكثر وأعماق فتحيا ممتلئًا بنعمة الله، متمتعًا بعشرته، وتختبر الملكوت على الأرض؛ حتى تصل إليه في السماء.
(2) رحمة الله لأولاده (ع6-18):
ع6: اَلرَّبُّ مُجْرِي الْعَدْلِ وَالْقَضَاءِ لِجَمِيعِ الْمَظْلُومِينَ.
مجرى:
أي يُجرى، ومعناها ينفذ ويجعل العدل والقضاء ساريًا.
الله يراقب كل المظلومين ويشعر بهم، ولابد أن يعطيهم حقهم، ولكن أحيانًا يؤجل رفع الظلم عنهم؛ ليعطى فرصة للظالم أن يتوب، وللمظلوم أن يثبت في إيمانه، ولا يتعلق بالعالم. ولكن حتمًا إن لم يأخذ المظلوم حقه في الأرض، فلابد أنه سيناله في السماء. وهذا أفضل جدًا أن يتمتع تمتعًا عظيمًا في الملكوت، عكس ما ينتظر الظالم، وهو العذاب الأبدي.
إن كان المظلوم قد خسر ماديات، فإن التجأ لله يعوضه ببركات روحية ونفسية، وعلى العكس فإن الظالم يفقدها.
المسيح إلهنا وفَّى العدل الإلهي على الصليب عنا، فرفع عنا خطايانا، وأعطانا الحرية والحياة الأبدية.
ع7: عَرَّفَ مُوسَى طُرُقَهُ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ أَفْعَالَهُ.
إن طرق الرب التي عرفها لموسى هي وصاياه، وأفعاله لبني إسرائيل هي قوته التي ظهرت في إخراجهم من أرض مصر بالضربات العشر، وعبور البحر الأحمر. وكذلك عالهم وحفظهم في البرية، وأدخلهم إلى أرض كنعان وتملكوها. فهنا يظهر عدله وقضاءه، بل ورحمته أيضًا. فإن كانوا قد احتملوا ظلمًا في مصر، فالله أنقذهم من العبودية، وعاقب الظالمين، ومتعهم بعشرته بسكناه في وسطهم، بل أعطاهم أيضًا الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا. وكان قد أعلن لهم بوضوح أن يحيوا بطرقه ويلاحظوا أفعاله عندما كلم موسى على الجبل (خر34: 6، 7).
عرف موسى وبني إسرائيل -من خلال أعماله معهم- طرقه، أي خطته للخلاص بتجسده وفدائه للبشرية. فكما حررهم بالضربات العشر، احتمل هو الصليب عنهم وفداهم. وكما عبر موسى والشعب البحر الأحمر، هكذا بالمعمودية ينال المؤمنون في العهد الجديد الخلاص. وهكذا أيضًا الصخرة التي تعطى الماء ترمز للمسيح، والانتصار على عماليق يرمز للإنتصار على الشيطان.
ع8-10: 8- الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ.
لاَ يُحَاكِمُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ.
لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا.
إن كان الله عادلًا فينصف المظلومين، وإذا أخطأوا، فهو عادل أيضًا حتى يجازيهم، لكنه يطيل أناته جدًا؛ ليعطيهم فرصة للتوبة. وهو أيضًا كثير الرحمة إذا تابوا، فيقبلهم، ويسامحهم، بل يعوضهم عن كل ما خسروه؛ كما فعل مع أيوب، فبعد ما تاب عن البر الذاتي عوضه بضعف ما كان عنده (أى42: 10). وكما سامح ابراهيم عن كذبه وضعفه أمام فرعون، والحال آناته عليه، وحفظ سارة من يد فرعون (تك20: 3-7). وكما أطال أناته على شعبه في عصر القضاة، وعندما أذلهم الأعداء أرسل لهم قضاة، مثل جدعون وشمشون، وخلصهم من العبودية.
الله لا يواصل عقابه للمخطئين، فيظهر كأنه حاقدًا عليهم، فالمقصود بالحقد غضبه عليهم. ولكنه يؤدب أولاده؛ حتى يتوبوا، فيرحمهم، ويسامحهم.
ع11-13: 11- لأَنَّهُ مِثْلُ ارْتِفَاعِ السَّمَاوَاتِ
فَوْقَ الأَرْضِ قَوِيَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى خَائِفِيهِ.
كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا.
كَمَا يَتَرَأَفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ.
أولاد الله الذين يخافونه، فيبتعدون عن الخطية، وإذا أخطأوا يسرعون إلى التوبة. والذين يسعون نحوه دائمًا ليحيوا بوصاياه، ويتزينوا بالفضائل، يخصهم الله فيعطيهم رحمة عظيمة، وقوية جدًا، بل لا يمكن إدراك حجمها، إذ هي غير محدودة. فيشبهها بارتفاعها مثل ارتفاع السماء عن الأرض، وأيضًا مثل ابتعاد المشرق عن المغرب. إنه يبعد خطايانا عنا، ولذا فنحن نجحد الشيطان وخطاياه في المعمودية نحو الغرب، أما الإعتراف بالمسيح فيكون نحو الشرق لنحيا له.
السموات تظهر فيها رحمة الله، فهي تغطى الأرض من كل جانب، وتفيض فيها مراحمه؛ أي النور من الشمس والقمر والنجوم، والهواء الذي نستنشقه، والأمطار التي تروينا، وتسقى الزروع.
يعلل كاتب المزمور رحمة الله العظيمة بأنها تأتى علينا من الله؛ لأنه أبونا، فهو يشفق علينا، وحتى إن أخطأنا يطيل أناته لنتوب. ولا يمكن أن نفهم حكمة أبينا المحب، الرؤوف، الذي يبدو في تأديبه قاسيًا، مع أنه رحيم يريد أن ينزع عنا خطايانا، ويرجعنا إليه. ويؤجل أحيانًا بركاته، ثم يفيض بمراحم تفوق عقلنا. إن حكمته مرتفعة عنا جدًا مثل السماء التي لا يمكن أن نفهم إلا القليل عنها، وعن حركة الكواكب، والنجوم فيها، والرياح، والضباب، فهي صعبة جدًا عن فهمنا، فحقًا "ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء" (رو11: 33).
إن الابن الذي يحب ويخاف أباه، يثق في أبوته، فيستسلم بين يديه، خاضعًا لمشيئته لأجل إيمانه بأن أباه يدبر له الخير؛ حتى لو لم يفهم الأمور التي تمر بحياته، أو الضيقات التي تحل به، لكنه في كل حين مطمئن في أحضان أبيه.
ع14-16: 14- لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ.
الإِنْسَانُ مِثْلُ الْعُشْبِ أَيَّامُهُ. كَزَهَرِ الْحَقْلِ كَذلِكَ يُزْهِرُ.
لأَنَّ رِيحًا تَعْبُرُ عَلَيْهِ فَلاَ يَكُونُ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مَوْضِعُهُ بَعْدُ.
يستدر كاتب المزمور مراحم الله، فيعلن له أن الإنسان ضعيف، بل لا شيء أمام عظمة الله، ومعرض للخطأ كثيرًا، ويشبهه بالتراب، وكذلك بالعشب الذي ينمو ويزهر، ثم تأتى عليه الريح القوية، فتنزعه، وتنثره في كل مكان. ويقصد بالريح التجارب والموت. وحيث أن الإنسان ضعيف إلى هذه الدرجة، فهو محتاج لرحمة الله العظيمة لتسنده، وتسامحه وتقبله.
إذا كان الإنسان ضعيفًا إلى هذه الدرجة، فينبغى عليه أن يتضع أمام الله، ويتكل عليه، بل يمسك به بإيمان في كل خطواته؛ إذ هو محتاج دائمًا لمساندة الله. ومن ناحية أخرى يشفق على من حوله من البشر، عندما يخطئون، ولا يدينهم، فيستحق مراحم الله.
ع17، 18: 17- أَمَّا رَحْمَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الدَّهْرِ
وَالأَبَدِ عَلَى خَائِفِيهِ، وَعَدْلُهُ عَلَى بَنِي الْبَنِينَ،
لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَذَاكِرِي وَصَايَاهُ لِيَعْمَلُوهَا.
إن رحمة الله ثابتة طوال الحياة، وإلى الأبد وسخية، وقوية، ولكنها لا تعطى إلا لمن يتمتعون بما يلي:
أ - مخافة الله التي تبعدهم عن الشر.
ب - المتمسكين بعهد الله ليحيوا له.
جـ- من يذكرون وصايا الله دائمًا ليطبقوها في حياتهم.
كذلك عدل الله ينصف أولاده المظلومين، ويكافئهم عن كل تعبهم بسلام وفرح داخلي، وبركات كثيرة في الحياة، ثم أمجاد الأبدية. كل هذا يعطى ليس فقط للبنين بل لابنائهم أيضًا الذين يحيون مثلهم كأولاد لله. وكذلك بنى البنين تعنى أعمال الإنسان، وجهاده الروحي، ومن أجل هذه الأعمال يبارك الله البنين، ويحفظهم بعدله، ويكمل عدل الله في السعادة التي يهبها لأولاده في الأبدية كمكافأة لهم على أعمالهم الصالحة.
† إن كانت رحمة الله يا أخى وطول أناته عظيمة إلى هذه الدرجة، فهذا يدفعك للتوبة والسعى نحو كل عمل صالح. ولا تنزعج من حروب الشياطين وتقلبات العالم، ومخاوفه، فرحمة الله وعدله تسندك، فتسير بخطى ثابتة نحو الملكوت، متمتعًا برعاية أبيك الحنون.
(3) مَنْ يبارك الرب (ع19-22):
ع19: اَلرَّبُّ فِي السَّمَاوَاتِ ثَبَّتَ كُرْسِيَّهُ، وَمَمْلَكَتُهُ عَلَى الْكُلِّ تَسُودُ.
إن عرش الله ومكانه في السماء ثابت لما يلي:
أ - السماء تسمو عن الأرض بكل شهواتها، ومادياتها، فهي ترمز للروحانية.
ب - السماء ثابتة، وليست مثل الأرض المتقلبة، فالبشر متقلبون في طباعهم، وتصرفاتهم.
جـ- السماء غامضة ترمز لوجود الله؛ لأنه غير محدود، ولا يمكن للعقل أن يدرك كل ما فيه.
إن الله هو ملك الملوك، ومملكته تسود على كل البشر، فهو ضابط الكل، وخالق كل الخلائق، ومدبرها. ولذا فبالطبع ينبغى أن يخضع له البشر، ويطيعوا وصاياه.
ع20، 21: 20- بَارِكُوا الرَّبَّ يَا مَلاَئِكَتَهُ الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً،
الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ.
- بَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ جُنُودِهِ، خُدَّامَهُ الْعَامِلِينَ مَرْضَاتَهُ.
الله العظيم الساكن السموات تمجده الملائكة وهؤلاء يتميزون بما يلي:
أ - ينتسبون لله ومخصصون له (ملائكته).
ب - لهم قوة عظيمة تعطيهم قدرة على عمل خدمات كثيرة لله أعلى بكثير من قوة البشر.
جـ- المطيعون لأوامر الله، وخاضعون له.
أيضًا يبارك الله جنوده وهم المؤمنين بالله على الأرض، فيشتركون مع الملائكة في تسبيح الله، وخدمته، ويسعون لإرضائه بحفظ وصاياه، والبعد عن كل شر.
ع22: بَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ أَعْمَالِهِ،
فِي كُلِّ مَوَاضِعِ سُلْطَانِهِ. بَارِكِي يَا نَفْسِيَ الرَّبَّ
في الختام يطالب جميع أعمال الرب أن تباركه، وتسبحه من أجل عظمته. وأعمال الله تشمل ليس فقط الملائكة والبشر، بل أيضًا جميع الخلائق الحية والجامدة. فكلها بسيرها في النظام الذي خلقه الله لها تسبحه. وقائد الخليقة الذي هو الإنسان يقودها في التسبيح بطاعته لله، وصلواته.
ينهى المزمور بأن ينادى نفسه أن تبارك الله وتسبحه، كما بدأ المزمور؛ أي أن حياة الإنسان من بدايتها إلى نهايتها ينبغى أن يملأها التسبيح والشكر لله، كما أن الأبدية كلها تسبيح.
† إن أهم أعمالك على الأرض هو الصلاة وتسبيح الله الذي عندما تجيده تستحق أن تنضم إلى المسبحين السماويين، وتتمتع برؤية الله.
الأوسمة والجوائز لـ »
Mary Naeem
الأوسمة والجوائز
لا توجد أوسمة
بينات الاتصال لـ »
Mary Naeem
بينات الاتصال
لا توجد بينات للاتصال
اخر مواضيع »
Mary Naeem
المواضيع
لا توجد مواضيع
Mary Naeem
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى Mary Naeem
زيارة موقع Mary Naeem المفضل
البحث عن كل مشاركات Mary Naeem