الرسالة الرابعة :
انطونيوس يطلب لجميع إخوته الأحباء الفرح بالرب ، إنى لست أمل من تذكركم يا أعضاء الكنيسة ، وأريدكم أن تعلموا أن المحبة التى بينى وبينكم ليست محبة جسدانية ، بل محبة روحية إلهية ، لأن الصداقة الجسدانية غير ثابتة ولا باقية ، لأنها متحركة مع الرياح الغريبة .
كل من يخاف الله ويحفظ وصاياه ، هذا يكون عبدا لله ، وهذه العبودية ليست هى الكمال ، بل هى البر الذى يؤدى للتبنى ، ومن أجل هذا فإن الأنبياء والرسل ، والجماعة المقدسة التى أختارها الله ، وأئتمنهم على الكرازة الرسولية صاروا بصلاح الله الآب أسرى يسوع المسيح ، لأن بولس الرسول يقول " بولس أسير يسوع المسيح المدعو ليكون رسولا " ( أف 3 : 1 ، رو 1 : 1 ) . لأن الناموس المكتوب يعمل معنا فى عبودية صالحة إلى أن نصبح قادرين أن نسود على كل ألم ، ونصير كاملين فى الخدمة الصالحة التى للفضيلة بواسطة هذه الدعوة الرسولية .
لأنه إذا اقترب الأنسان إلى النعمة ، عند ذلك يقول له يسوع " لست بعد أدعوكم عبيدا بل أدعوكم أحبائى وإخوتى لأن كل ما سمعته من أبى أعلمتكم به " ( يو 15 : 15 ) .
لأن الذين اقتربوا من النعمة ، وتعلموا بواسطة الروح القدس ، عرفوا نفوسهم بحسب جوهرهم العقلى ، وفى معرفتهم لنفوسهم صرخوا قائلين " لأننا لم نقبل روح العبودية أيضا للخوف بل روح التبنى الذى به نصرخ يا آبا الآب " ( رو 8 : 15 ) . لكى نعلم بما أنعم به الله علينا " إن كنا بنين فنحن ورثة الله وشركاء ميراث مع القديسين " ( رو 8 : 17 ) .
فيا أخوتى الأحباء ، وشركاء الميراث مع القديسين ، ليست الفضائل بأجمعها غريبة عنكم ، بل هى لكم ، إذ لم تكونوا تحت الأثم من هذه الحياة الجسدية ، بل ظاهرين أمام الله ، لأن الروح لا يدخل ( يسكن ) نفس إنسان قلبه نجس ، أو فى جسد يخطىء . فلكونه قوة مقدسة ( قدوس ) ، فهو بعيد عن كل غش .
وأنا بالحقيقة – يا أحبائى – أكتب إليكم كأناس عاقلين ، استطعتم أن تعرفوا نفوسكم ، لأن الذى يعرف نفسه يعرف الله ، والذى يعرف الله ، جدير به أن يسجد له كما يجب .
يا أحبائى بالرب – اعرفوا نفوسكم ، لأن الذين يعرفون نفوسهم ، يعرفون زمانهم ، والذين يعرفون زمانهم يستطيعون أن يثبتوا ، ولا يضطربوا بألسنة متنوعة .
لأن آريوس الذى قام بالأسكندرية وذكر كلاما غريبا عن الوحيد الجنس ، الذى جعل إبتداءا للذى ليس له ابتداء ، ونهاية للذى هو فائق الوصف بين الناس ، وحركة للذى هو بغير حركة .
فإذا أخطأ إنسان لأنسان يطلبون من أجله إلى الله ، ولكن إن أخطأ إنسان لله فلمن يتوجهون بالطلبة من أجله ؟ ( 1 صم 2 : 25 ) . فهذا الأنسان ( أريوس ) قد جلب على نفسه قضية عظيمة ، وجرحا عديم الشفاء . فلو كان ذاك عرف نفسه ( حقا ) ، لما كان لسانه قد نطق بما ليست له به معرفة ، بل ظاهر أنه لم يعرف نفسه .
الرسالة الخامســــــة :
أنطونيوس يكتب لأولاده الأعزاء ، الأسرائيلين الأطهار فى جوهرهم العقلى ، ليست هناك حاجة لأن أدعوكم بأسمائكم الجسدانية التى تزول ، لأنكم أبناء الأسرائيليين ( حقا ) .
بالحقيقة يا أولادى ، إن محبتى لكم ليست محبة جسدانية ، بل محبة روحية إلهية . ومن أجل هذا لست أمل من الطلبة إلى إلهى الليل والنهار لأجلكم لكى تستطيعوا أن تعرفوا النعمة التى صارت لكم ، لأنه ليس فى وقت واحد افتقد الله خلائقه ( خليقته ) لكنه منذ بداية العالم يصنع تدبيرا لخلائقه ، وفى كل جيل ينبه كل واحد بالأوقات ( بالظروف ) المناسبة وبالنعمة .
فالآن يا أولادى ، لا تغفلوا عن أن تصرخوا النهار والليل إلى الله ، لتستعطفوا صلاح الآب ، حتى ينعم لكم بمعونة من السماء ، ويعلمكم حتى تعرفوا ما هو الصالح لكم .
بالحقيقة يا أولادى ، نحن قاطنون فى موتنا ، ومقيمون فى بيت اللص ، ومربوطون برباطات الموت ، فلا تعطوا من الآن " نوما لعيونكم ولا نعاسا لأجفانكم " ( مز 132 : 4 ) حتى تقدموا ذواتكم ذبائح لله بكل قداسة ، تلك التى لا يرثها أحد بغير تقديس .
بالحقيقة يا أحبائى فى الرب ، لتصر هذه الكلمة ظاهرة لكم ، أن تصنعوا الخير ، وهكذا تفرحوا سائر القديسين ، وتعطوا سرورا لخدمة الملائكة ، وفرحا لمجىء يسوع ، لأنهم لم ينالوا بعد النياح حتى هذه الساعة لأجلنا ، ولى أنا أيضا ، الشقى المسكين ، الساكن فى هذا البيت الترابى تعطون سرورا لروحى .
وبالحقيقة يا أولادى ، إننا إذا مرضنا وانحط حالنا ، فإن ذلك يكون حزنا لجميع القديسين ، فيبكون وينوحون لأجلنا أمام خالق الكل . ومن أجل هذا يغضب إله الكل على أعمالنا الشريرة ، بسبب تنهدات القديسين ، ثم أيضا تقدمنا فى البر يعطى سرورا لشعب القديسين فيداومون بكثرة الطلبات بابتهاج ومسرة أمام خالقنا ، وخالق الكل نفسه يفرح بأعمالنا بشهادة قديسيه فيفيض علينا مواهب نعمته بلا كيل .
فلكى تعلموا أن الله دائما يحب خلائقه – إذ أن جوهرهم غير مائت ولا ينحل مع أجسادهم – رأى أن الطبيعة الناطقة قد انحدرت جميعها إلى القاع ( الحضيض ) وماتوا جميعا وجف ناموس العهد المغروس ( الثابت ) فيهم . وبصلاحه افتقد البشرية بواسطة موسى ، وموسى أسس بيت الحق وأراد أن يشفى الجرح العظيم ، وأحب أن يردهم إلى الوحدة الأولى ، ولكنه لم يقدر أن يفعل ذلك ، وانطلق من بينهم ، ثم أن خورس ( جماعة ) الأنبياء بنوا على أساس موسى ، ولم يستطيعوا أن يشفوا الجرح العظيم من أعضائهم ، ولما رأوا أن قوتهم فشلت ، اجتمع كل جماعة القديسين معا فى واحد ، وقدموا الطلبة أمام خالقهم قائلين : " أليس بلسان فى جلعاد ؟ أم ليس هناك طبيب ؟ فلماذا لم يأت شفاء إبنة شعبى ؟ داوينا بابل ولم تشفى . دعوها ولنذهب عنها " ( أر 8 : 22 ، 51 : 9 ) .
فى نهاية الرسالة الخامسة :
يقول القديس أنطونيوس :
" ....... بالحقيقة يا أولادى ، أنا أتكلم إليكم كما لأناس حكماء ، لكى تفهموا ما أقوله لكم ، وهذا أنا أشهد به لكم : أنه إن لم يبغض كل واحد منكم كل ما يختص بالطبيعة الأرضية ، ويرفضها وكل أعمالها بكل قلبه ، ويبسط يدى قلبه إلى السماء نحو آب الكل ، فلن يستطيع أن يخلص . فإذا عمل هكذا كما قلت فإن الله يترآف عليه لأجل تعبه ، وينعم له بالنار غير المرئية لتحرق كل نجاسة منه فيتطهر جوهرنا الروحى . وعند ذلك يسكن الروح القدس فينا ، ويسوع يمكث معنا ، ونستطيع أن نسجد لله كما يجب ، ولكن طالما بقينا مصطلحين مع طبائع العالم ، فسنظل أعداء لله وملائكته وجميع قديسيه .
والآن أطلب إليكم باسم ربنا يسوع المسيح أن لا تهملوا خلاصكم ، ولا تدعوا هذه الحياة الوقتية تحرمكم من الحياة الأبدية ، ولا هذا الجسد اللحمى الفاسد يبعدكم من مملكة النور غير المنطوق به ، ولا هذا الكرسى الأثيم يفقدكم عروش القضاء الملائكية .
بالحقيقة يا أولادى ، إن قلبى مبهوت ونفسى فزعة ، كوننا جميعا نتلذذ ( بالأوجاع ) مثل قوم يسكرون من خمر جديدة ، لأننا كل واحد منا قد باع نفسه بحرية إرادته ، وتسلط علينا من حرية اختيارنا ( بحريتنا ) ، ولم نرد أن نرفع أعيننا إلى السماء لنطلب مجد السماء وعمل القديسين ونسير على آثار خطواتهم .
ولهذا إفهموا الآن ، أن السموات المقدسة أو الملائكة أو العروش أو الأرباب أو الشاروبم أو السارافيم أو الشمس أو القمر أو النجوم ، أو رؤساء الأباء أو الأنبياء أو الرسل أو ابليس أو الشيطان أو الأرواح الخبيثة أو أراكنة الهواء أو أى رجل أو أمراة ، ( هؤلاء جميعهم ) فى بدء خلقتهم هم من مبدأ واحد – الكل ، ما عدا الثالوث المقدس الكامل الآب والأبن والروح القدس ، ولسبب سلوك البعض الشرير ، كان يلزم أن يطلق عليهم أسماء كحسب أعمالهم . والذين نموا بزيادة مجدهم بزيادة " .
+ + +
الرسالة السادسة
( لأولاده الرهبان المقيمين بالفيوم يعرفهم فيها قتالات الشياطين ومعونات القوات المقدسة ويحثهم على الصبر وتكميل ما خرجوا إليه بسلام الرب آمين ) .
أنطونيوس إلى جميع الأخوة الأحباء بأرسينوى وأعمالها ، وإلى كل الذين معكم السلام
أنتم جميعا الذين أعددتم نفوسكم للتقدم إلى الله ، أحييكم فى الرب أيها الأحباء من الصغير إلى الكبير ، الرجال والنساء ، الأبناء الأسرائيليين الأطهار فى جوهركم العقلى .
بالحقيقة يا أولادى ، عظيمة هى البركة التى أتتكم ، لأنها نعمة عظيمة تلك التى حلت عليكم فى جيلكم هذا ، ويليق بكم من أجل الرب الذى افتقدكم أن لا تكلوا فى جهادكم حتى تقدموا ذواتكم ذبيحة لله بكل قداسة ، التى بدونها لا ينال أحد الميراث .
وبالحقيقة يا أحائى ، أنه لشىء عظيم لكم أن ينبغى أن تسألوا عن فهم الجوهر العقلى ، الذى ليس فيه لا ذكر ولا أنثى بل هو جوهر غير مائت له بدء وليس له نهاية ، ينبغى أن تعلموا أنه سقط كله معا إلى الفضيحة والذلة العظيمة التى أتت علينا جميعا ، لكنه جوهر غير مائت لا ينحل مع الجسد ، ولهذا السبب رأى الله أن جرحها عديم الشفاء ، ولأن الأمر كان هكذا خطيرا ، افتقد البشرية برحمته ، وبصلاحه بعد مرور أزمنة أعطاهم ناموسا ، وأعانهم بواسطة موسى معطى الناموس .
وموسى أسس له بيت الحق ، وأراد أن يشفى ذلك الجرح العظيم ، ولم يقدر أن يكمل بناء البيت
ثم أن خورس ( جماعة ) القديسين اجتمعوا معا وطلبوا من تحنن الآب من أجل مخلصنا لكى يأتى إلينا لأجل خلاصنا جميعا لأنه هو رئيس أحبارنا العظيم . وهكذا بمسرة الآب أخلى نفسه من مجده فهو الإله وأخذ شكل العبد ( فى 2 : 7 ، 8 ) ، وأسلم ذاته لأجل خطايانا ، وخطايانا واضعته ، وبجرحه شفينا جميعا . ( أش 53 : 5 ) .
لهذا يا أولادى الأحباء فى الرب ، أريدكم أنتعلموا أنه لسبب جهلنا أخذ شكل الجهل ، ولسبب ضعفنا أخذ شكل الضعف ، ولسبب فقرنا أخذ شكل الفقر ( المسكنة ) ، ولسبب موتنا لبس شكل مائت ، وهذه كلها صبر عليها من أجلنا .
" ....... بالحقيقة يا أحبائى بالرب ، أتكلم إليكم كما لأناس حكماء ، كيما تعرفوا كل تدابير خالقنا التى صنعها لأجلنا ، والتى أعطانا إياها بالكرازة الظاهرة والخفية ، لأننا ندعى ناطقين ، ولكننا لبسنا عقل الكائنات غير الناطقة . أم لستم تعلمون ما هى كثرة حيل وصنائع الشيطان وماذا تشبه ؟ لأن الأرواح الشريرة تحسدنا منذ أن علموا أننا نحاول أن نرى خزينا ، وبدأنا نطلب طريقا للهروب من أعمالهم التى يعملونها معنا . وليس فقط أننا نحاول أن نرفض مشوراتهم الشريرة التى يزرعونها بيننا ، بل إن كثيرين منا يهزءون بصنايعهم وهم يعلمون تسامح خالقنا ، وأنه فى هذا العالم قد أدانهم للموت وأعد لهم أن يرثوا جهنم لسبب غفلتهم . وأريدكم أن تعلموا يا أحبائى ، أننى لا أمل من الطلبة إلى الله عنكم بالليل والنهار ، لكى يفتح أعين قلوبكم ، لتنظروا كثرة شرور الأرواح الشريرة التى يجلبونها علينا كل يوم فى زماننا هذا ، وأود أن يعطيكم الله قلب معرفة وروح افراز ، لكى تستطيعوا أن تقدموا قلوبكم ذبيحة نقية أمام الآب فى قداسة عظيمة وبلا دنس ( بلا عيب ) .
" .......... وبالحق يا أولادى ، أقول لكم إن كل إنسان يسر بإرادته ، ويغلب من أفكاره ، وينشغل بالأمور التى تزرع فى قلبه ويفرح بها ، ويظن فى نفسه أنها أسرار عظيمة مختارة ، ويزكى ذاته فيما يصنعه ، فإن نفس ذلك الأنسان تكون مسكنا للأرواح الشريرة التى تشير عليه بالشر ، وجسده يكون مكمنا للأسرار الشريرة التى تختفى فيه . وعلى مثل هذا الأنسان تتسلط الأبالسة بقوة عظيمة ، لأنه لم يرذلهم أمام جميع الناس .
أما تهلمون أنه ليس لهم طريقة واحدة فى الحرب حتى نعرفها ونهرب منها ؟ فانظروا إنكم لن تجدوا إثمهم وخطاياهم ظاهرا جسديا ، لأنهم لا يرون جسديا . ولكن ينبغى أن تعلموا هذا أننا نحن نقدم أجسادنا لخدمتهم ، إذ أن نفوسنا تتقبل شرورهم ، وحين تقبلها تجعلها ظاهرة فى الجسد الذى نسكنه .
فى نهاية الرسالة السادسة :
يقول القديس أنطونيوس :
" ..... وأنا اتحدث إليكم يا أولادى كم لأناس حكماء . وبالحقيقة أنا خائف لئلا يدرككم الجوع فى الطريق فى المكان الذى يلزمنا فيه أن نصير أغنياء، لى اشتهاء ( رجاء ) أن أراكم وجها لوجه بالجسد ، ولكنى أتطلع إلى قدام لذلك الوقت الذى هو قريب حين نكون قادرين أن نرى نفوس بعضنا البعض وجها لوجه ، حيث يهرب الحزن والتنهد ويحل الفرح على رؤوس الجميع ( أش 35 : 10 ) . إن لى أمورا أخرى كثيرة كنت أريد أن أخبركم بها ، ولكن " اعط الحكيم فرصة فيزداد حكمة " ( أم 9 : 9 ) .
أهديكم السلام جميعا يا أولادى الأحباء بأسمائكم .
لرسالة السابعــــــة :
يا أولادى تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلنا افتقر وهو غنى لكى نستغنى نحن بفقره ( 2 كو 8 : 9 ) . أنظروا أن عبوديته جعلتنا أحرارا ، وضعفه قوانا ، وجهالته جعلتنا حكماء ، وأيضا موته يحقق قيامتنا . لكيما يكون بمقدورنا أن نرفع أصواتنا عاليا ونقول " إن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد ولكن الآن لا نعرفه كذلك بعد . بل فى المسيح كل واحد هو خليقة جديدة " . ( 2 كو 5 : 16 ، 17 ) .
بالحقيقة يا أحبائى ، أقول لكم بخصوص إيضاح كلمة الحرية التى بها قد تحررنا ، ما زال لى أمورا كثيرة لأقولها لكم ، ولكن لا يوجد وقت الآن لأعلمكم بها . الآن أنا أهديكم السلام جميعا يا أولادى الأحباء بالرب ، يا بنى اسرائيل الأطهار فى جوهركم العقلى ، حقا هذا يليق بكم ، يا من اقتربتم من خالقكم أن تجدوا خلاص نفوسكم بناموس العهد الثابت ( فيكم ) .
لأنه لسبب تعاظم الشر وتفاقم الأثم وجموح الأوجاع ، جف ناموس العهد المغروس وماتت حواس نفوسنا ، ولهذا لم نستطع أن نعرف عظمة الجوهر العقلى لسبب الموت الذى سقطنا فيه ، ولهذا فإنه مكتوب فى الأسفار الإلهية " كما فى آدم يموت الجميع خكذا فى المسيح سيحيا الجميع " ( 1كو 15 : 22 ) .
فالآن ، إذن هو حياة كل طبيعة ناطقة خلقت بواسطته كشبه صورته ، الذى هو نفسه العقل الحقيقى للآب ، وصورة الآب غير المتغيرة .
أما الخلائق المصنوعة على صورته فهى من جوهر قابل للتغيير ، لأن الشر دخل فينا وبه متنا جميعا ، إذ أنه غريب عن طبيعة جوهرنا العقلى ، لهذا بواسطة كل ما هو غريب عن الطبيعة جعلنا نفوسنا بيتا مظلما مملوء حربا .
وبهذا أنا أشهد لكم أننا فقدنا كل معرفة بالفضيلة ، ولهذا رأى الله ضعفنا أننا صرنا غير قادرين أن نكسو أنفسنا إستقامة الحق ، لهذا فهو فى صلاحه أتى ليفتقد خلائقه بخدمة قديسيه .
أطلب إليكم جميعا بالرب أيها الأحباء ، أن تفهموا ما أكتبه لكم لأن المحبة التى لى من نحوكم ليست محبة جسدية ، بل روحية إلهية ، لهذا أعدوا نفوسكم لتتقدموا إلى الرب ، ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم ( يؤ 2 : 13 ) ، وأسألوا نفوسكم " بماذا نكافىء الرب عن كل ما صنعه معنا " ( مز 116 : 11 ) ، الذى حتى فى مسكننا هذا وفى مذلتنا ذكرنا بعظم صلاحه ومحبته غير المحدودة ، ولم يعاملنا بحسب خطايانا ( مز 103 : 10 ) ، بل جعل الشمس تخدمنا فى بيتنا المظلم هذا ، ورتب القمر والنجوم أيضا لخدمتنا مخضعا إياها ( جميعها ) للبطل الذى سوف يزول ( رو 8 : 20 ) ، وذلك من أجل قيام أجسادنا ، وقوات أخرى أيضا ، قوات خفية جعلها خداما لنا ، قوات لا نراها بعين الجسد .
فالآن بماذا نجيبه فى يوم الدينونة ؟ لأنه أى خير أعوزنا من عنده ولم يصنعه لنا ؟ ألم يتعب رؤساء الآباء من أجلنا أو الكهنة لم يعلمونا ؟ أو القضاة والملوك لم يحاربوا عنا ؟ ألم يمت الأنبياء من أجلنا ( بسببنا ) ، أو الرسل ألم يضطهدوننا لأجلنا ؟ بل ألم يمت أبنه الحبيب عنا جميعا ؟ .
والآن ، يجب علينا أن نعد نفوسنا أن تتقدم إلى خالقنا بطهارة ، لأن الخالق رأى أن خلائقه حتى القديسين لم يكونوا قادرين أن يشفوا الجرح العظيم الذى فى أعضائهم ( أى فى الناس ) ، ولهذا إذ هو أب الخلائق ، علم ضعف قلوبهم ، وأظهر رحمته نحوهم حسب محبته العظيمة ، ولم يشفق على أبنه الوحيد لأجل خلاصنا كلنا ، بل أسلمه لأجل خطايانا ( رو 8 : 32 ) ، وخطايانا واضعته وبجلداته شفينا جميعا ( أش 53 : 5 ) ، وجمعنا من كل الأقطار بكلمة قدرته ، إلى أن يقيم قلوبنا من الأرض ، ويعلمنا أننا أعضاء بعضنا البعض ( أف 4 : 25 ) .
فى نهاية الرسالة السابعة :
يقول القديس أنطونيوس :
والآن اعلموا إذن أن القديسين والأبرار لابسى الروح ، يطلبون لأجلنا دائما لكيما نتضع أمام الله ، ونلبس ثانية الثوب الذى كنا قد خلعناه عنا فى جوهرنا العقلى ، لأن الصوت القادم من عند الله الآب على الدوام للذين لبسوا الروح يقول لهم " عزوا عزوا شعبى يقول الرب أيها الكهنة ، تكلموا لقلب أورشليم " ( أش 40 : 1 ، 2 ) ، لأن الرب دائما يفتقد خليقته وينعم عليهم بصلاحه .
بالحقيقة يا أحبائى ، لأيضاح كلمة الحرية التى بها قد صرنا أحرارا ، هناك أمور أخرى كثيرة لأعلمكم بها ولكنه يقول " إعط الحكيم فرصة فيزداد حكمة " ( أم 9 : 9 ) ، فليمنحكم إله السلام نعمة وروح إفراز ، لتفهموا أن ما أكتبه لكم هو وصية الرب ، فليحفظكم إله كل نعمة أطهارا فى الرب إلى النفس الأخير ، وأنا اتضرع إلى الله دائما يا أحبائى بالرب لأجل خلاصكم جميعا . نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم آمين .