عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 17 - 05 - 2012, 11:00 PM
الصورة الرمزية نبع الحنان
نبع الحنان نبع الحنان غير متواجد حالياً
نشط جداً | الفرح المسيحى
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: مصر
المشاركات: 119
افتراضي

الجزء السادس
و - أساس العهد الجديد




كانت العلامة بين الله وبني إسرائيل في العهد القديم هي دم الذبيحة (خر 12: 13) وأما العلامة الآن بين الله والناس في العهد الجديد فهي دم المسيح (مت 26: 28).

فالصليب هو أساس العهد الجديد.
والصليب هو سر وحدة الكنيسة الذي ربط شعوب البشر المختلفة برباط الحب الواحد فلم يبق تحت الصليب فارق بين يهودي وأممي ولا تمييز بين عبد وحر.
كقوله: «وَلٰكِنِ ٱلآنَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ ٱلْمَسِيحِ. لأنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلٱثْنَيْنِ وَاحِداً، وَنَقَضَ حَائِطَ ٱلسِّيَاجِ ٱلْمُتَوَسِّطَ أَيِ ٱلْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ ٱلْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ ٱلٱثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَاناً وَاحِداً جَدِيداً، صَانِعاً سَلاَماً، وَيُصَالِحَ ٱلٱثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ ٱللّٰهِ بِٱلصَّلِيبِ، قَاتِلاً ٱلْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ ٱلْبَعِيدِينَ وَٱلْقَرِيبِين» (أف 2: 13 - 17).
والصليب هو موضوع رسالة الكنيسة وليس لديها شيء آخر غيره تقوله للعالم «لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً» (1 كو 2: 2).
والصليب هو قاعدة فرائض الكنيسة وليس بها خدمة واحدة إلا وتختص به.
فنحن نمارس المعمودية للاعتراف بموت المسيح وقيامته «مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي ٱلْمَعْمُودِيَّةِ، ٱلَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (كو 2: 12).
ونمارس العشاء الرباني لنذكر موت الرب وقيامته إلى يوم مجيئه «كَأْسُ ٱلْبَرَكَةِ ٱلَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ ٱلْمَسِيحِ؟ ٱلْخُبْزُ ٱلَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ ٱلْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ ٱلْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي ٱلْخُبْزِ ٱلْوَاحِدِ» (1 كو 10: 16 و17).
«فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هٰذَا ٱلْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ» (1 كو 11: 26).

ز - لغز العالم الحاضر




وان بولس الرسول قد نوه في رسائله عن مدى تأثير الكرازة بالصليب على كل من اليهود والأمم والمسيحيين، فقال: «لأنَّ ٱلْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَٱلْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلٰكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِٱلْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ، فَبِٱلْمَسِيحِ قُوَّةِ ٱللّٰهِ وَحِكْمَةِ ٱللّٰهِ. لأنَّ جَهَالَةَ ٱللّٰهِ أَحْكَمُ مِنَ ٱلنَّاسِ! وَضَعْفَ ٱللّٰهِ أَقْوَى مِنَ ٱلنَّاسِ!» (1 كو 1: 22 - 25).
والناس بالنسبة للصليب نوعان مخلصون وهالكون.
فالصليب عند الهالكين جهالة ولأنهم لا يعرفون معنى الصليب فهم يُعتبرون أعداءه ويستحقون كل إشفاق ورثاء «لأنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَاراً، وَٱلآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضاً بَاكِياً، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ ٱلْهَلاَكُ، ٱلَّذِينَ إِلٰهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، ٱلَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي ٱلأَرْضِيَّاتِ» (في 3: 18 و19).
والصليب عند المخلصين حكمة الله وقوة الله ومن دواعي فخرهم أن ينادوا به ويشرحوا مجده لكل الناس.
قال بولس الرسول: «لأنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ، لأنَّهُ قُوَّةُ ٱللّٰهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ» (رو 1: 16).


6 - مخطوطات زعيم الحورايين




«أَطْلُبُ إِلَى ٱلشُّيُوخِ ٱلَّذِينَ بَيْنَكُمْ، أَنَا ٱلشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ، وَٱلشَّاهِدَ لآلاَمِ ٱلْمَسِيحِ، وَشَرِيكَ ٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ» (1 بط 5: 1).
إن بطرس الرسول لما أنبأه المسيح بموته قال له بعقليته اليهودية: «حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هٰذَا!» (مت 16: 22).
ولكن لما شاهد آلام سيده وفرح برؤياه بعد قيامته واستنار ذهنه بنور الروح القدس كان الشاهد الحي بلسانه وقلمه ودمه.
وبالاطلاع على رسالتيه الجامعتين نجد أنه قد كتب عن صلب المسيح فأَبرز ائق الآتية:
إن الصليب هو موضوع المشورات الأزلية «دَمِ ٱلْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، وَلٰكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ» (1 بط 1: 19 و20).
وإن الصليب هو موضوع نبوات الأنبياء «بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا ٱلْوَقْتُ ٱلَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِٱلآلاَمِ ٱلَّتِي لِلْمَسِيحِ وَٱلأَمْجَادِ ٱلَّتِي بَعْدَهَا» (1 بط 1: 11).
وإن بالصليب قد تمت الذبيحة النيابية التي بها قد تقربنا إلى الله «فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللّٰهِ، مُمَاتاً فِي ٱلْجَسَدِ وَلٰكِنْ مُحْيىً فِي ٱلرُّوحِ» (1 بط 3: 18).
وإن بالصليب ظهرت رحمة الله التي ولدتنا ثانية للميراث السماوي «مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ ٱلْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لأجْلِكُمْ» (1 بط 1: 3 و4).
وإن بالصليب طُهْرنا وقداستنا «ٱلْمُخْتَارِينَ بِمُقْتَضَى عِلْمِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ ٱلسَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (1 بط 1: 1 و2).
وإن الصليب هو المثل الأعلى للتسامح «لأنَّكُمْ لِهٰذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لأجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ. ٱلَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ، ٱلَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضاً وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ. ٱلَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ ٱلْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. ٱلَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ» (1 بط 2: 21 - 24).
وإنه لجميل من بطرس عندما أخذه عسكر نيرون ليُصلب خارج أسوار رومة أن يقول لست مستحقاً أن أُصلب مثل سيدي وطلب أن يُصلب منكس الرأس إلى أسفل الصليب.

7 - كتابة شاهد عيان




«وَٱلَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ» (يو 19: 35).
إن يوحنا الرسول كان واقفاً مع المسيح في كل أدوار محاكمته وصلبه وموته ودفنه وقد كلمه المسيح من على الصليب أن يأخذ والدته السيدة العذراء إلى خاصته.
وهو لا ينسى أبداً ما رآه من دم وماء يجريان من جنب المسيح المطعون فكتب قائلاً: «هٰذَا هُوَ ٱلَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ» (1 يو 5: 6).
وقال أيضاً: «وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1 يو 1: 7).
وإن يوحنا كتب ثلاث رسائل وسفر الرؤيا بالإضافة إلى إنجيله.
فعن الكفارة يقول: «وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ ٱلآبِ، يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً» (1 يو 2: 1 - 2).
وعن القدوة الصالحة يقول: «بِهٰذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأجْلِ ٱلإِخْوَةِ» (1 يو 3: 16).
وقال أيضاً: «فِي هٰذَا هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا ٱللّٰهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ٱبْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا. أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ ٱللّٰهُ قَدْ أَحَبَّنَا هٰكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضاً أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً» (1 يو 4: 10 و11).
وفي سفر الرؤيا يذكر لكنائس آسيا أن ربنا يسوع صُلب في المدينة الفاجرة كسدوم والقاسية كمصر (رؤ 11: 8).
وأنه هو الذي طعونه (رؤ 1: 7)
وهو البكر من الأموات (رؤ 1: 5)
وهو الخروف المذبوح (رؤ 5: 6 و12)
وهو الذي ذُبح واشترانا لله بدمه (رؤ 5: 9، 13: 8)
وهو الذي غسلنا من خطايانا بدمه (رؤ 1: 5)
وهو الذي كان ميتاً فعاش (رؤ 2: 8)
ونحن قد غسلنا ثيابنا وبيضناها في دم الخروف (رؤ 7: 14)
وقد غلبنا الشيطان بدم الخروف (رؤ 12: 11)
وفي كل هذا قد سجل يوحنا أن المسيح صُلب وأنه هو الذبيحة الوحيدة لعهد السلام العهد الجديد.
هذا ولا يخفى على القارئ الفطن أن كيان النهر هو من المياه التي تجري فيه. هكذا الإنجيل قوامه وملؤه هو الخبر الطيب عن الصليب كما رأيت.
فليس علينا إذاً إلا أن ننهل من تعاليمه العذبة ونحيا بها.
قال القرآن: «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ» (سورة المائدة 5: 47).


الباب الثالث: شهادة القرآن




إن المسلم النزيه الذي يطالع القرآن من أوله إلى أخره بإخلاص تام يعتقد أن المسيح هو كلمة الله وهو روح الله حل في مريم العذراء المطهرة والمصطفاة والمفضلة على نساء العالمين ووُلد منها من غير زرع بشر.
وعاش قدوساً بلا شر ولم يمسسه الشيطان ولم يخطئ قط.
وتأيد بالروح القدس وبالبينات، ولعلاقته بإذن الله علاقة سرية غير محدودة كان يعلم الغيب، ويخلق الطير، ويطهر الأبرص، ويبرئ الأكمه ويقيم الموتى، ويرزق الجياع بطعام من السماء.
وهو آية ورحمة للعالمين، وهو صاحب الإنجيل أي البُشرى الطيبة للبشر.
وقد كفر به اليهود، واعترفوا بأنفسهم أنهم صلبوه، وأنه قد مات وأنه قد بُعث حياً، وأنه رُفع إلى السماء.
وهو الوجيه والشفيع في الدار الآخرة، وسيأتي ثانية للحكم، ومجيئه علامة الساعة وانقضاء العالم واستعلان الأمجاد السماوية.
ولكن يؤسفنا جد الأسف أن البعض عن جهل تام ينكرون صلب المسيح مع أن حقيقة الصلب ظاهرة كظهور الشمس في رابعة النهار.
وهاكم الأدلة البينة عن موت المسيح من نفس القرآن:
1 - اعترافات القرآن بموت المسيح




قال القرآن: «إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ» (سورة آل عمران 3: 55).
وقال أيضاً: «وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (سورة المائدة 5: 117).
:وقال أيضاً «وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً» (سورة مريم 19: 33).
فهذه ثلاث آيات صريحة تقطع بأن المسيح توفي ومات، وبُعث حياً، ورُفع إلى الله.
قال البيضاوي في تفسير آل عمران 3: 55 يا عيسى أني متوفيك: «وقيل أماته الله سبع ساعات ثم رفعه إلى السماء وإليه ذهبت النصارى... ورافعك إليّ - إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي».
قال محمد بن اسحق: «إن معنى متوفيك مميتك» (تفسير الرازي جزء 2 ص 457 - 458).
وقال وهب توفي المسيح ثلاث ساعات.
وقال ابن اسحق توفي سبع ساعات ثم أحياه الله ورفعه.
وقال الربيع ابن أنس إن الله توفاه حين رفعه إلى السماء.
آية الصلب




ولكن بعض المسلمين ينكرون صلب المسيح نظراً لفهمهم خطأ قول القرأن: «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً» (سورة النساء 4: 157 و158). ولكننا مع التأمل والتدقيق نعتبر هذه الآية برهاناً آخر على صلب المسيح ونظراً لما انطوت عليه من شتى المعاني الجليلة السامية وإليك بعضها:

المعنى الأول:




إن في هذه الآية اعتراف صريح من اليهود أنهم قتلوا المسيح وصلبوه وهم يرسلون القول باستهزاء وعن شماتة وتبجح. وهذه الآية تضرب بكبريائهم عرض الحائط لأنها تبين أنهم بصلبهم المسيح لم يصلوا إلى هدفهم المنشود ولم ينالوا غرضهم المطلوب إذ أقامه الله وفوت عليهم ما انتووه به من إعدام وما ظهر لهم في صلبه أنه الهزيمة الماحقة.
فشبه لهم (أمر القتل) كما أسنده البيضاوي في بعض تأويلاته. وتصوروا في مخيلتهم أنهم أحكموا الكيد له. ولكن ذهب كيدهم وطاش سهمهم إذ عاد المسيح حياً ورفعه الله إليه. فعلا ذكره وعظم شأنه وانتشرت تعاليمه. وجعل الله الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة.

المعنى الثاني:




إن اليهود ما قتلوا المسيح وما صلبوه بأنفسهم لأنهم كانوا تحت الحكم الأجنبي وقد قالوا للوالي الروماني: «لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً» (يو 18: 31).
فهم أنفسهم لم يقتلوا المسيح بل الرومانيون هم الذين قتلوه بتحريض من اليهود.
وبإزاء هذا لم يكن الموت هو الضربة القاضية على المسيح بل كان المسيح بقيامته من الموت كاشفاً لعجز اليهود ولاغياً لكيدهم.

المعنى الثالث:




إن الشهداء الذين ماتوا فعلاً في ميدان الجهاد يؤكد القرآن نفي الموت عنهم لوجودهم أحياء في العالم الآخر كقوله: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (سورة آل عمران 3: 169).
فكذلك المسيح مع أنه صُلب فعلاً ولكن القرآن يؤكد نفي الموت عنه لنجاته منه بالقيامة في اليوم الثالث.

المعنى الرابع:




إن صلب المسيح وإن يكن قد تمّ بيد بشرية أثيمة ولكنه ما كان ليتم وينفذ إلا بمقتضى مشورة الله ومحبته للبشر.
فما قتله اليهود وما صلبوه ولكن الله بذله فداء ورحمة للعالمين ثم رفعه إليه.
وقد جرى هذا الاصطلاح في القرآن كقوله: «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ رَمَى» (سورة الأنفال 8: 17).

المعنى الخامس:




بديهي أن اللاهوت لا يموت فنحن نؤكد عدم موت المسيح وذلك باعتبار لاهوته ولكننا نؤمن بصلبه وموته باعتبار ناسوته. مع أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.
قال البيضاوي في تفسير «وإن الذين اختلفوا فيه» - في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام فإنه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود إنه كان كاذباً فقتلناه حقاً... وقال قوم صلب الناسوت وصعد اللاهوت.
والقارئ المنصف يرى أن هذه المعاني هي التفسير الصحيح الذي لا مراء فيه. أما القول إن الله ألقى شبه عيسى على رجل آخر وصلبوه عوضاً عنه فهو قول هراء.
لأنه ما الداعي لإلقاء الشبه؟
وما منفعته للمسيح إن كان سيرفع؟
وما منفعته لله أن يظهر كمخادع؟
وما منفعته للقتيل وهو يظلم؟
وما منفعته لليهود إلا تمكينهم من الاستمرار في مواصلة غيهم؟
وما منفعته للناس إلا قلب الأوضاع وتغيير ائق؟
ألا تتزعزع ثقتنا في معارفنا الذين نعاملهم لأنهم ربما يكونون أشباه لغيرهم ولا نقدر أن نميّزهم بحجة جواز وقوع الشبه؟

تفسير الرازي




لقد أصاب الإمام الرازي كبد يقة في تفسيره حيث قال:
«شبه - مسند لماذا؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح فهو مشبه به وليس بمشبه. وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر».
وإن جاز أن يقال أن الله تعالى يلقى شبه إنسان على آخر فهذا يفتح باب السفسطة.
فإنَّا إذا رأينا زيداً فلعله ليس بزيد ولكن ألقى شبه زيد عليه. وعند ذلك لا يبقى النكاح والطلاق والملك موثوقاً به.
وأيضاً يقضي إلى القدح في التواتر. لأن خبر التواتر يفيد العلم بشرط انتهائه في الآخر إلى المحسوس. فإذا جوزنا حصول مثل هذه الشبهة في المحسوسات توجه الطعن في التواتر. وذلك يوجب القدم في جميع الشرائع. وليس لمجيب أن يجيب عنه (تفسير الرازي جزء 3 ص 350).
ويقة الظاهرة أن الإمام الرازي لم يجد جواباً قاطعاً ولا حلاً شافياً في آراء الذين يتشككون في صلب المسيح فقال بالنص «اختلفت مذاهب العلماء في هذا الموضع وذكروا وجوهاً... وهذه الوجوه متعارضة متدافعة والله أعلم بحقائق الأمور» (تفسير الرازي جزء 3 صفحة 350).
وإن كان الله يقصد كزعم بعضهم أن يخلص المسيح من الصلب لكان بالأولى خلصه بمعجزة قاهرة ونجاه من أيدي اليهود مظهراً عدم مقدرتهم على إيصال الأذى إليه.
ولكن المعجزة التي يتوهم بعض المسلمين إتمامها لتخليص المسيح لم تفد الفائدة المطلوبة عما فيها من غش الذي لا يمكن صدوره من الله لأنها لم تظهر لليهود قدرته وعجزهم.
وإذا كان الله رأى أن الصليب مخل بشرفه الأقدس أفيعقل أنه عمل معجزة تظهر احتقاره فعلاً مع أنه رفع المسيح إليه كي ينفي ذلك الاحتقار المزعوم؟


2 - إهانة الأشرار لله




ولماذا يحاول المسلم ألا يعترف بوقوع الإهانة على المسيح؟ أليس أن الشر أمر قائم في الأرض بين الناس؟ أو ليس البشر دائماً أبداً ضد البر؟
أو ليس الله نفسه عرضة للإهانة من البشر الجهلاء؟ ألم يعترف القرآن أن الناس يتعدون على الله تعالى حتى يسخط ويغضب وينتقم؟
لقد جاء في القرآن صريحاً أن الناس:
احتقروا الله!




«وَمَا قَدَرُوا ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (سورة الزمر 39: 67).
وقال البيضاوي «ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق».

وخاصموا الله!




«ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ» (سورة الحشر 59: 4).

وأهانوا الله!




«مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً» (سورة نوح 71: 13).
وقال البيضاوي: «لا تعتقدون له عظمة فتخافوا عصيانه».

ونسبوا لله الفقر!




«لَقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ» (سورة آل عمران 3: 181).

ونسبوا لله الجهل!




«يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ» (سورة البقرة 2: 9).
قال البيضاوي: «خدعتهم أنفسهم حيث حدثتهم بالأماني الفارغة وحملتهم على مخادعة من لا تخفى عليه خافية».

ونسبوا لله الضعف!




«وَذَا ٱلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ» (سورة الأنبياء 21: 87).

ونسبوا لله الهزيمة!




«وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا» (سورة الحشر 59: 2).
قال لي أحدهم يحتمل أن الله يظهر في الجسد كما ظهر في النار لموسى وهو قادر على كل شيء ولكن كيف أصدق أنه يُصلب؟
فقلت له لو قيل أن الله تجسد ولم يُصلب لكانت هذه العبارة غير معقولة.
لأننا نفهم بالعقل أنه إذا ظهر الله في الجسد واحتك بالناس فمن جهلهم وشرهم يتطاولون عليه بالاذى. وهو لسموه وعطفه يحتمل آذاهم.
ففي صلب المسيح إعلان لحقيقة طبيعة الإنسان الشريرة وحب الله الغير محدود.


3 - قتل الأنبياء




أليس أن الأنبياء نظراً لكمالهم وبسالتهم في قد قتلوا وماتوا شهداء؟
فالموت لم يكن لهم هواناً بل زاد من كرامتهم وقد اعترف القرآن بذلك في مواضع كثيرة. وهاكم بعضها:
الآية الأولى




«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ» (سورة البقرة 2: 87).

الآية الثانية




«ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ ٱلنَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» (سورة آل عمران 3: 112).

الآية الثالثة




«قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ ٱللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (سورة البقرة 2: 91).

الآية الرابعة




«ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (سورة آل عمران 3: 183).

الآية الخامسة




«وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ آدَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ ٱلظَالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ» (سورة المائدة 5: 27 - 30).

والآية السادسة




«وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ» (سورة آل عمران 3: 181).
جاء في الحديث: «كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل».
وقال البيضاوي في تفسير آية 87 من سورة البقرة «قتلوا زكريا ويحيى ومحمد سموا له الشاة».
فماذا يعتبر الأخ المسلم موت نبيه محمد مسموماً بيد امرأة يهودية؟ أكان ذلك شرفاً أم عاراً؟
إذاً لا يظن أحد أن القوة والكرامة والعظمة في دفع الأذى بالأذى ورد العدوان بالعدوان ولكن القوة الأدبية والكرامة والعظمة يقية إنما في ملاقاة السيئة بالحسنة والصبر إلى النهاية في احتمال الآلام حتى تؤثر المحبة الصابرة في المسيء وتحوله عن الخطأ وتصيغ منه صديقاً مخلصاً حميماً. إن:
Table 1.
الشجاع هو الجبان عن الأذىوأرى الجريء على الشرور جباناً


قال القرآن «وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (سورة فصلت 41: 34 و35).
وهذا هو ما فعله المسيح، فقد تحمل أذى البشر لينقذهم من خطاياهم ويدفع قلوبهم إلى المحبة والإخلاص. وما كان ضعفه إلا سر قوته في نشر آية المحبة.
قال الرسل الحواريون «نَحْنُ نُحِبُّهُ لأنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَّوَلاً» (1 يو 4: 19).
وقال شوقي أمير الشعراء:
Table 2.
ولابت إلا كابن مريم مشفقاًعلى حدسى مستغفراً لعداتي


وقال الشيخ علي محمود (في قصيدة نشرها بالأهرام بتاريخ 25 ديسمبر 1942) مخاطباً المسيح:
Table 3.
أيها المبعوث لا ضنت برجعاك السماءأنظر الأرض فهل في الأرض حب وإخاءنسي القوم وصاياك وضلوا وأساءواوكما باعوك يا منقذ بيع الأبرياءيا قوياً لم يهن يوماً عليه الضعفاءوضعيفاً واسمه يصرع منه الأقوياءعجب فديتك المثلى وفي القول عزاءألهذا العالم الشرير! ضاع الفداء




4 - نحر القرابين




قال القرآن: «فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ» (سورة المائدة 5: 30).
وقد أوضح القرآن هذه الوسيلة في قوله: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ» (سورة الكوثر 108: 1 و2).
وقال البيضاوي «إن النحر هو الذبح».
ومعلوم أن عادة التقرب إلى الله بواسطة الذبائح هي فريضة دينية أمر الله بها آدم وتعترف بهذه الفريضة جميع الأمم والملل.
قال القرآن: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ» (سورة الحج 22: 34).
وقال البيضاوي: «أي لكل أهل دين جعلنا قرباناً يتقربون به إلى الله وقوله - ليذكروا اسم الله كثيراً على ما رزقهم من بهيمة الأنعام - أي عند ذبحها وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون نعما - وقوله - بشر المخبتين أي المتواضعين».
والقرآن قص علينا قصصاً كثيرة عن الذين تقربوا إلى الله بالذبائح مما ورد ذكرهم في التوراة. وأمر المسلمين أنفسهم أن يتقربوا لله بتقديمها.
1 - ذبيحة هابيل




كان هابيل أول إنسان من أولاد آدم تقرب إلى الله بذبيحة فقبله تعالى ورضي عنه. وأما قايين أخوه فلما أراد أن يتقرب بغير ذبيحة أي حنطة رفضه الله مع تقدمته (تك 4: 3 - 5).
فكانت الذبيحة للإنسان البدائي درساً عملياً فيه يعرف أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عب 9: 22).
وإنه يجب على المذنب أن يؤمن بمجيء الفادي الإلهي الذي سيكفر عنه.
قال القرآن: «وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ آدَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ» (سورة المائدة 5: 27).

2 - ذبيحة إبراهيم




وكذلك إبراهيم لما امتحنه الله أمر بأن يذبح ابنه اسحاق فأطاع وصعد به إلى جبل المريا. ولما هم لذبحه ناداه الله قائلاً لا تمد يدك إلى الغلام. فرفع عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممكساً في الغابة بقرنيه. فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عنه (تك 22: 1 - 14).
وكان هذا الكبش عنوان الفداء. قال القرآن: «وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» (سورة الصافات 37: 107).
والذبح في ذاته حيوان لا عظمة فيه وإنما هو عظيم لما فيه من اعتبار الرمز لفادي البشر الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

3 - ذبيحة موسى




وكذلك موسى أمره الله أن يقدم ذبيحة ويشترط أن تكون بقرة حمراء صحيحة لا عيب فيها لم يعل عليها نير فيذبحها ويحرقها ويحفظ رمادهها.
وكل إنسان يتنجس بملامسة ميت أو قبر يأتي إلى الكاهن فيرش عليه ماء مخلوطاً ببعض رماد البقرة فيطهر (عد 19: 1 - 22).
وكان هذا رمزاً ودرساً تعليمياً في أن الإنسان الذي يتنجس ضميره بارتكاب الخطايا المميتة لا يطهر إلا بإيمانه بدم المسيح الكريم (عب 9: 13 و14).
والقرآن جاء بخبر هذه الذبيحة التي سُمّيت أول سورة بها أي سورة البقرة وقال إن الميت إذا ضرب ببعضها يحيا. والمسيح هو الذبيح يقي الكامل الذي بموته أعطانا الحياة. كما قالت التوراة: «بِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إش 53: 5).
:قال القرآن «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ قَالُوا ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَٱفْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ قَالُوا ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاِقعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ قَالُوا ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَ شِيَةَ فِيهَا قَالُوا ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (سورة البقرة 2: 67 - 73).

4 - ذبيحة إيليا




وكذلك إيليا النبي لما جمع بني إسرائيل على جبل الكرمل في أيام الملك آخاب وحضهم ألا يعرجوا بين عبادة الله وعبادة البعل، أمر عبدة البعل أن يقدموا للبعل ذبيحة وهو يقدم لله ذبيحة والإله الذي يجيب بنار تلتهم الذبيحة يكون هو الإله يقي.
فصرخ أنبياء البعل للبعل طالبين أن ينزل ناراً علامة لقبول ذبيحتهم فلم يكن ولا مجيب.
وأما إيليا فصلى إلى الله ليؤمن الشعب فجاءت النار والتهمت الذبيحة. فسجد كل الشعب وقالوا الرب هو الله الرب هو الله.
وهذه الذبيحة تمثل المسيح الذي علق على الصليب وذاب قلبه ألماً كالشمع في وسط أحشائه.

5 - ذبيحة الأضحى




وقد أوصى القرآن المسلمين أن يقدموا الذبائح تقرباً لله وقت فريضة الحج وأن يذكروا اسم الله عليها قائلين: «الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، اللهم منك وإليك».
ويعتبر القرآن أن إقامة هذه الشعائر هي من تقوى الله وتعود بالمنافع الدينية والدنيوية على مقدمها.
قال القرآن: «وَأَتِمُّوا ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ (أي القربان والذبيحة) وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَاِملَةٌ» (سورة البقرة 2: 196).
وقال أيضاً: «لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا ٱسْمَ ٱللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ» (سورة الحج 22: 28).
وقال أيضاً: «وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُوا ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ (قائمات قد صففن) فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا (سقطت وماتت) فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا ٱللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ» (سورة الحج 22: 36 و37).
وجاء في كتاب إحياء العلوم الدين للغزالي ص 243: «روى البزار وأبو الشيخ عن أبي سعد قال: قال رسول الله (ص) يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بأول قطرة من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك».
والعقل النير يرشدنا إلى أن ألوف الذبائح لا تنفعنا قط في التقرب إلى الله وفي رفع ذنوبنا ونوالك رضوانه إلا أنها تشير إلى المسيح «حمل الله رافع خطية العالم» (يو 1: 29).

6 - ذبيحة العقيقة




في الليلة التي خرج فيها بنو إسرائيل من مصر اجتاز الملاك المهلك وقتل كل بكر في مصر من بكر فرعون الجالس على العرش إلى بكر الأسير الجالس على الرحى.
وأما بنو إسرائيل فذبحوا حسب أمر الله شاة في كل بيت ووضعوا من دمها على العتبة العليا والقائمتين ولما اجتاز الملاك المهلك رأى الدم وعبر عنهم.
وأمر الله بني إسرائيل أن يقيموا من عبور الملاك المهلك عن أولادهم عيداً سنوياً يذبحون فيه خروف الفصح أو العبور.
وأوصى الله أن يقول رب العائلة في كل عيد هذه العبارة: «وَكَانَ لَمَّا تَقَسَّى فِرْعَوْنُ عَنْ إِطْلاَقِنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ ٱلنَّاسِ إِلَى بِكْرِ ٱلْبَهَائِمِ. لِذٰلِكَ أَنَا أَذْبَحُ لِلرَّبِّ ٱلذُّكُورَ مِنْ كُلِّ فَاتِحِ رَحِمٍ، وَأَفْدِي كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أَوْلاَدِي» (خروج 13: 15).
وما يماثل ذبيحة الفصح عند اليهود ذبيحة العقيقة عند المسلمين التي يذبحونها في اليوم السابع للمولود فدية له.
جاء في صحيح البخاري جزء 3 ص 66 «قال رسول الله (ص) مع الغلام عقيقة (أي شاة) فاهرقوا عنه دماً واميطوا عنه الأذى».
وجاء في تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب 2 247 «وأما العقيقة للمولود فهي سنة مؤكدة تذبح وقت طلوع الشمس في اليوم السابع».
وجاء في مختار الصحاح: «العقيقة أي الشعر الذي يولد عليه كل مولود من الناس والبهائم ومنه سميت الشاة التي تُذبح عن المولود يوم اسبوعه عقيقة».
ويقولون عند ذبح العقيقة: «اللهم هذه عقيقة ابني.. دمها بدمه ولحمها بلحمه وعظمها بعظمه وجلدها بجلده وشعرها بشعره. اللهم اجعلها فداء لابني من النار. إني وليت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. الله منك ولك. باسم الله والله أكبر».
وبديهي أن هذه العقيقة إن هي إلا إشارة قوية للمسيح الذي فدانا من الهلاك.
ولهذا يقول الإنجيل: «لأنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأجْلِنَا» (1 كو 5: 7).

7 - الفدية بالطعام




قال القرآن: «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» (سورة البقرة 2: 183 و184).
ويقول البيضاوي: «إن الفدية هي نصف صاع من القمح وصاع من غير القمح في بلاد العراق أو في بلاد الحجاز».
ونحن نقول إن الفدية هي البدل أو العوض: فهل يفدي الله إنساناً من ذنب بالحنطة؟
أليس بالأولى أن ننظر إلى الفادي يقي الذي قال: «أَنَا هُوَ خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَداً» (يو 6: 35).

8 - الكفارة




قال القرآن: «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» (سورة المائدة 5: 45).
والكفارة هي التغطية أو الستر. ومعنى هذا أن الذنب لا بد له من تغطية أمام قداسة الله وعدله. فهل تعادل جريمتنا في حق الله عيناً تفقأ أو أذناً تُقطع أو سناً تهشم؟ وهل السن أو الأذن أو العين التي نتنازل عنها تجعل الله يتنازل عن ذنبي أنا ضده تعالى؟
إن الذنب في حق الله العظيم لا بد له من كفارة إلهية لا يقدر البشر أن يصنعوها.
قال الإنجيل: «وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ ٱلآبِ، يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ» (1 يو 2: 1 و2).
فالله وحده لا الإنسان هو الذي يصنع الكفارة. قال القرآن: «فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا» (سورة آل عمران 3: 193).
وقال أيضاً: «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا» (سورة البقرة 2: 286).


5 - بيعة النصارى




قال القرآن: «وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ ٱللَّهُ» (سورة الحج 22: 40).
ويقول البيضاوي في تفسيره: «صوامع الرهبانية، وبيع النصارى وصلوات اليهود من صلوتا العبرية وعربت صلوات، ومساجد المسلمين».
ومعلوم إن كل اسم من هذه الأماكن له مدلوله الخاص. فالمساجد للسجود فيها، والصلوات للصلاة فيها. والصوامع لبيان شكل مساكن الرهبان لأنها مصمعة أي دقيقة ومحددة ورؤوسها وأعاليها. والبيع لأنها مبتاعة ومشتراة.
فإطلاق اسم البيعة على كنيسة النصارى اعتراف صريح بصلب المسيح لأن المسيح ابتاع الكنيسة واشتراها بدمه. ولهذا سميت بيعة كما جاء ذلك في الإنجيل الذي يعرفه المسيحيون كما يعرفون أولادهم.
قال بولس الرسول: «اِحْتَرِزُوا اِذاً لأنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ ٱلَّتِي أَقَامَكُمُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28).
وقال أيضاً: «لأنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللّٰهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلّٰهِ» (1 كو 6: 20).
وقال يوحنا الرسول: «لأنَّكَ ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلّٰهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ» (رؤ 5: 9).
وقال بطرس الرسول: «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ» (1 بط 1: 18 و19).

6 - صبغة المعمودية




قال القرآن: «صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ» (سورة البقرة 2: 138).
قال البيضاوي: «صبغة الله أي صبغنا الله صبغته وهي فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة هي حلية المصبوغ».
أو هدانا الله هدايته وأرشدنا حجته وطهر قلوبنا بالإيمان تطهيره وسماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على الثوب وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ بالثوب.
أو للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم.
ومعلوم أن المعمودية وهي دفن الإنسان المعتمد في الماء وخروجه منه على اسم المسيح عبارة عن اعتراف الإنسان علانية بموته ودفنه مع المسيح وقيامته معه مبرأ من خطاياه ليحيا حياة جديدة.
قال الإنجيل: «مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي ٱلْمَعْمُودِيَّةِ، ٱلَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ. وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً فِي ٱلْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحاً لَكُمْ بِجَمِيعِ ٱلْخَطَايَا» (كولوسي 2: 12 و13).
فإشارة القرآن إلى معمودية النصارى هو اعتراف ضمني بل اعتراف صريح بحقيقة موت المسيح وقيامته لخلاص العالم.

7 - الحواريون




قال القرآن: «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ» (سورة الصف 61: 14).
قال البيضاوي في تفسيره: «والحواريون أصفياء عيسى وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلاً من الحور وهو البياض».
قال القرآن أيضاً: «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (سورة آل عمران 3: 52).
:وقال البيضاوي في تفسيره «الحواريون حواري الرجل خالصة من الحور وهو البياض الخالص ومنه الحوريات للحضريات لخلوص ألوانهن سمي به أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام لخلوص نيتهم ونقاء سريرتهم».
:وقال القرآن «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي» (سورة المائدة 5: 111).
فلماذا يسمى أتباع المسيح حواريين؟
ولماذا وصفوا بالبياض الناصع؟
ولماذا يدعون دائماً بالقديسين والأطهار؟
أليس ذلك البياض والتطهير هو الذي تم لهم بإيمانهم بدم المسيح المسفوك على الصليب كما هو مشهور عنهم في الإنجيل؟
:قال الإنجيل «وَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ: هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتُوا؟ فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَعْلَمُ. فَقَالَ لِي: هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ أَتُوا مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ» (رؤيا 7: 13 و14).
أفليس في هذه التسمية المأخوذة نقلاً عن الإنجيل - حواريين - دليل ضمني بل دليل صريح على صلب المسيح وثمرته وتأثيره في سيرة وسريرة المؤمنين؟


الباب الرابع: شهادة التاريخ




إن التاريخ هو مرآة الحوادث. وحادثة صلب المسيح هي واقعة قد سجلها المؤرخون المعاصرون على اختلاف أجناسهم وأديانهم ولغاتهم.
وإليك في إيجاز بعضاً مما دونه التاريخ:
1 - التاريخ اليهودي




قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير الذي عاش سنة 70 م في كتابه تاريخ الأمة اليهودية المكون من عشرين مجلداً: «إن بيلاطس حكم على المسيح بالصلب بناء على إلحاح رؤساء شعبنا».
وجاء في التلمود وهو أهم الكتب الدينية بعد التوراة عند اليهود في فصل السنهدريم صفحة 43 أن يسوع قد صُلب قبل الفصح بيوم واحد.
وقال الحاخام يوحنا بن زكا تلميذ هلل الشهير في كتابه سيرة يسوع الناصري: «إن الملك وحاخامات اليهود حكموا على يسوع بالموت لأنه جدف بقوله إنه ابن الله ولما كان المسيح في طريقه إلى الموت كان اليهود يصرخون أمامه فلتهلك كل أعدائك يا رب».

2 - التاريخ الروماني




واستمع إلى تاسيتوس المؤرخ الشهير الذي وُلد سنة 25 م. وارتقى إلى منصب قاضي القضاة وكتب تاريخ الأمبراطورية الرومانية في ستة عشر مجلداً أنه يقول: «إن الناس الذين كان يعذبهم نيرون كانوا يلقبون مسيحيين نسبة إلى شخص اسمه المسيح كان بيلاطس البنطي قد حكم عليه بالقتل في عهد طيباريوس قيصر».
وبين محفوظات الفاتيكان برومة خطاب كان بيلاطس البنطي قد كتبه إلى طيباريوس قيصر نقتطف منه ما يأتي نصه:
«ألقى الأوباش الهائجون القبض على يسوع ولما آنسوا عدم الخوف من الحكومة إذ ظنوا مع زعمائهم إني جزع وفزع من ثورتهم تمادوا على الصياح اصلبه اصلبه.. ثم طلبت وغسلت يدي أمام الجمهور مشيراً بذلك إلى استهجان عملهم ولكن لم يأت ذلك بثمرة فإن نفوس هؤلاء الأشقياء ظمآنة لقتله.. فقلت له (أي ليوسف الرامي) قد أجبت طلبك وفي الحال أمرت ماتليوس أن يأخذ بعض عساكر معه ليلاحظ ويباشر دفنه لئلا يتعرض أحد له.. وبعد ذلك بأيام قليلة وجد القبر فارغاً وأذاع تلاميذ يسوع في أطراف البلاد وأكنافها أن يسوع قام من الموت كما كان قد تنبأ».
ومما يجدر بنا ذكره أن هذا الخطاب الذي كتبه بيلاطس قد أشار إليه الفيلسوف جوستينوس سنة 139 م. والعلامة ترتوليانوس سنة 196 م. في رسائلهما وأقوالهما.

3 - التاريخ اليوناني




الثابت وقت صلب المسيح أن الظلمة اكتنفت الأرض كلها وبين الذين عاينوا هذه الظاهرة ديونيسيوس الأريوباغي من علماء أثينا فلفوره قال «إما أن يكون خالق الطبيعة متألماً أو أن العالم آخذٌ في التمزق».
وإذا نظرنا إلى مؤلفي اليونان فلا بأس من أن نخص بالذكر لوسيان الذي وُلد سنة 100 م. سيما وأنه قد كان أكثرهم اطلاعأً وحرية في الرأي حتى لم يتردد في إثبات رأيه حين كتب كتابه دي مورتى بركريني إذ يقول: «إن المسيحيين لا يزالون يعبدون ذلك الرجل العظيم الذي صُلب في فلسطين».

4 - التاريخ المسيحي




للقديس أغناطيوس المعاصر ليوحنا الرسول أقوال كثيرة سجلها التاريخ وما أحسن من أن ننظر مع الإعجاب إلى قوله: «إن الذين ربوا على النظامات القديمة وحل فيهم الأمل الجديد لا يحفظون اليوم السابع بل يوم الرب لأن فيه عادت إلينا الحياة وقمنا من الموت».
ويمتد بنا التاريخ إلى القرن الثاني للميلاد وهناك اكليمندس الاسكندري فما أجمل من أن تتفهم الحكمة والسداد في قوله: «إن الإنسان يحفظ وصية الإنجيل حفظاً تاماً ويقدس يوم الرب تقديساً كاملاً إذا امتنع عن كل شر ومجد قيامة الرب فيه».
وفضلاً عما ذكر فهذا قانون الإيمان الذي وضعه المجمع المسكوني الأول المنعقد في مدينة أفسس سنة 325 م. أي قبل ظهور الإسلام بثلاثة قرون وحسبنا أن نجتزئ مما اشتمل عليه بالعبارة التالية:
«هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصُلب عنا على عهد بيلاطس البنطي وتألم وقُبر وقام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب وصعد إلى السموات وجلس عن يمين أبيه».

5 - الآثار




القبر




إن القبر الذي دُفن فيه المسيح بأورشليم معروف لدى جميع الناس ومنذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا يزوره الكثيرون من مختلف الشعوب والأجناس كل عام (مت 27: 6 - 66، مر 15: 46، لو 23: 53، يو 19: 41، إش 53: 9).

الكفن




إن يوسف الرامي اشترى كتاناً نقياً. ولف به جسد المسيح. ووضع مع هذا الكفن الحنوط التي أحضرها نيقوديموس.
ولما قام المسيح من الأموات رأى بطرس ويوحنا الأكفان موضوعة في القبر والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده (يو 20: 6 و7).
وقد احتفظ بهذا الكفن في بلدة تورين بفرنسا. طوله أربعة أمتار وعشرة سنتيمترات وعرضه متر واحد وأربعين سنتيمتراً. لونه ضارب إلى الصفرة لقدم عهده.
ويرى على الكفن شبحان كشبح إنسان ميت يمثلان وجهه وظهره من رأسه إلى قدميه. وصورة الوجه تقابل صورة الظهر.
وهذه الصورة كانت تظهر بجلاء أكثر في القرن السادس عشر كما ورد وصفها في روايات المؤرخين.
وفي سنة 1898 عرض هذا الكفن في معرض أقيم في مدينة تورين بفرنسا وقد أخذت صورة شمسية لهذا الكفن دلت على أن صورة السيد المسيح كانت قد تصورت في نسيج الكفن على مثال التصوير الشمسي بمعنى أن الأقسام الناتئة في جسد المسيح كانت سوداء في الكفن والأقسام الغائرة كانت بيضاء. وصورة الكفن تبين المسامير وقد ثقبت الزندين وموضع بة على جنبه الأيمن.
وقد فهم العلماء أن سبب طبع الصورة على الكفن هو أن المر والطيب والحنوط التي وُضعت على جسد المسيح تأثر بها الكتان فصار بمثابة الصفيحة الفوتوغرافية المهيأة للتصوير حساساً قابلاً للآثار. فلما وُضع جسد المسيح الطاهر في هذا الكفن أخذ يرسم صورة الجثة لا بقوة النور كما تتأثر الزجاجة الحساسة ولكن بقوة الأبخرة المنبعثة من جسد المسيح.
وإننا نشكر الله الذي قدم للعالم في العصور الحديثة أثراً يؤيد المعلن في الإنجيل المبارك.

الأطياب




إن الحنوط التي أحضرها نيقوديموس ووضعها هو ويوسف الرامي مع الأكفان كانت مزيجاً من مر وعودة نحو مائة مناً (يو 19: 38 - 40).
وقد احتفظ الرسل بهذه الأطياب وكانوا يتسخدمونها في مسحة من يعتمد بوضع اليد عليه (أع 8: 17 أع 19: 6، 1يو 2: 20 و27).
واعتبرت الكنيسة هذه الأطياب ذخيرة مقدسة. وكلما قاربت أن تنفد يضع عليها البطريرك كمية كبيرة من زيت الزيتون بطقس ديني خاص. ويصرف منها حسب حاجة الكنائس.
وعلى مر السنين لكي لا تنقطع هذه الذخيرة يضع عليها أي من كان من البطاركة زيتاً جديداً.
وعلى هذا المنوال بقيت هذه المسحة التي تُسمى الميرون يمسح بها كل من يعتمد إلى اليوم.

المعموديات




نشأت المسيحية على أساس المعمودية التي تشبه القبر المملوء بالماء الذي يُدفن فيه المسيحي ويقوم على مثال موت المسيح وقيامته.
وإنّا نرى المعموديات المصنوعة من الأحجار في القرون الأولى في العهد الروماني لا زالت محفوظة إلى اليوم في متاحف الآثار، ويمكن مشاهدتها في المتحف اليوناني الروماني بشارع فؤاد الأول بالإسكندرية.


6 - العادات المتواترة




التناول




إننا منذ الليلة التي أُسلم فيها المسيح للموت ورسم العشاء الرباني ونحن في كل مكان على وجه الأرض وفي كل عصر إلى هذا اليوم نتناول من الخبز ونشرب من نتاج الكرمة لنذكر موت الرب إلى أن يجيء.
وقد نوه القرآن بمزايا سر التناول في سورة المائدة حيث قال: «قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱلَّلهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَاِئدَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ» (سورة المائدة 5: 114).
وبعض المستفاد من تفسير البيضاوي لهذه الآية «أن هذه المائدة كان يجتمع عليها الفقراء والأغنياء والصغار والكبار ويعتبرونها غذاء روحياً لهم على أنها رحمة لمستحقيها ونقمة لغير المستحقين وأنها تكون عيداً للمتقدمين والمتأخرين».
فنحن النصارى نعيد بهذا الغذاء الروحي ونرى أن قبولنا المسيح فادياً لنا هو قوتنا ونبع حياتنا وسر نمونا أمساً واليوم وإلى الأبد.

حفظ الأحد




وإننا منذ اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات وهو يوم الأحد ونحن نقدس هذا اليوم للراحة والعبادة إلى اليوم.

صوم الأربعاء والجمعة




وإننا منذ العصر الرسولي ونحن نصوم يوم الأربعاء الذي فيه اتفق يهوذا مع اليهود لتسليم المسيح. ونصوم يوم الجمعة الذي فيه تمت عملية الصلب. ولا زلنا نصوم هذين اليومين أسبوعياً في كل أنحاء المسكونة إلى الآن.

عيد القيامة المجيد




وإنه منذ قيامة المسيح ونحن نحفظ بفرح عيد قيامته المجيدة ونظهر مباهج العيد في الفطر بعد الصوم، وإقامة قداس العيد، وإلقاء العظات المناسبة وتبادل التهاني في المنازل والمجتمعات وعلى صفحات جرائد العالم إلى يومنا هذا.

علامة المسيحية




وإنه منذ عُلق المسيح على الصليب وصار الصليب وساماً وعلامة شرف، وبه نرشم أنفسنا، ونضعه علامة على منازلنا وكنائسنا ومقابرنا ونحن نعتبر الفداء بالصليب ضرورة للحياة الروحية كضرورة الهواء للتنفس.


7 - الاختبار




ما الذي حدا بالتلاميذ الأولين في أورشليم وفي أهم عواصم العالم أن يحتملوا الاضطهادات المريرة ويموتوا شهداء؟
ما الذي جعل المسيحيين في القرن الأول أن يستعذبوا الاستشهاد الذي ذهب ضحيته الألوف على يد نيرون قيصر رومة وهم يذهبون بفرح إلى أماكن الإعدام إلا إيمانهم بالمسيح المصلوب!
وما الذي خلق من أقباط مصر ألوف الشهداء الشجعان الذين قتلوا بأمر دقلادينوس بالإسكندرية مما جعلنا نؤرخ التاريخ القبطي باسم تاريخ الشهداء؟
إن الشهداء المسيحيين في كل عصر ومصر هم شهود الصليب.
تجديد القلب




إن مشكلة قاسية تواجه كل فرد في العالم وهي كيف ينال غفران خطاياه؟ وكيف ينتصر على الخطية ويعيش عيشة القداسة؟
وهذه المشكلة وجد ألوف ألوف وملايين ملايين من البشر حلها وشعروا بسلام الله الذي يفوق كل عقل وتمتعوا بقوة غير طبيعية للانتصار على الخطية والسلوك في البر بواسطة الإيمان بالمصلوب. وهنا أعلن على رؤوس الأشهاد بأنني أحد هؤلاء الذين نالهم فضل الصليب. وهذه شهادة ينطق بها الواقع تبين مجد الصليب.

التفاني في الخدمة العامة




إذا تأملنا في جغرافية الأرض وراجعنا تاريخها في كل العصور نجد أن أَبطال الخدمات العامة والذين أدخلوا نظم السعادة بين الأمم هم المسيحيون.
فهم الذين هذبوا الوثنيين. وعمروا مجاهل القارات والجزر. وبثوا الإرساليات. وأنشأوا المدارس والجامعات. وأسّسوا المستشفيات والملاجئ وجمعيات البر والصليب الأحمر ونشروا الكتب والمطابع والجرائد. وقاموا بالمكتشفات العلمية والمخترعات الجبارة. وخدموا الناس مخلصين غير مميزين بين لون ولون أو جنس وجنس. محتملين كل تعب وأذى على مثال المسيح الذي بذل نفسه فدية من أجل الجميع.
أفليست هذه الأعمال المجيدة هي شهادة ناطقة بل ثمرة ناضجة لصليب المسيح؟
أجل أن الصليب هو النبع الفياض للخير والسلام!
أما ما نراه من حروب يندى لها جبين الإنسانية فليس من المسيح ولا من المسيحية في شيء.
وقد شهد بذلك شوقي بك أمير الشعراء حين أبرز قوة الصليب في قوله مخاطباً اللورد اللنبي:
Table 4.
يا فاتح القدس خل السيف ناحيةًليس الصليب حديداً كان بل خشبا


وفي قوله مندداً بالذين أشعلوا ب في البلقان:
Table 5.
عيسى سبيلك رحمة ومحبةفي العالمين عصمة وسلامما كنت سفاك الدما ولا أمرءاًهان الضعاف عليه والأيتاميا حامل الآلام عن هذا الورىكثرت عليه باسمك الآلامأنت الذي جعل العباد جميعهمرحما وباسمك تقطع الأرحامخلطوا صليبك والخناجر والمدىطل أداة للأذى وحمام


وفي قوله مشيداً بعظمة الصليب الأحمر:
Table 6.
سر يا صليب الرفق في ساح الوغيوانشر عليها رحمة وحناناوادخل على الموت الصفوف مواسياًوأعن على آلامه الإنسانوالمس جراحات البرية شافياًما كنت إلا للمسيح بناناً


هذا - ولا يسعني في الختام إلا أن أتوجه إلى الفادي الحبيب مناجياً بهذه الآبيات:
Table 7.
حاشا لغيرك يا مخلص أنظرأو أنني بسوى صليبك أفخرروحي وما ملكت يدي لك كيفماأحببت لي يا سيدي لا أخسريا ليت قومي يعرفونك بينهموإليك إن ناديت لن يتأخرواطوبى الذين تعلقت أرواحهمبك يا يسوع تمعنوا وتخيرواأنا ما حييت وكيف شئت فإننيفي كل حال سوف باسمك أجهرأشرق على مصر بنورك عل لايشكو الظلام أو الجهالة منيرأبناء وادي النيل كم ذا ابتغيمن ربقة الشيطان أن يتحرروا
+


رد مع اقتباس