عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17 - 05 - 2012, 10:53 PM
الصورة الرمزية نبع الحنان
نبع الحنان نبع الحنان غير متواجد حالياً
نشط جداً | الفرح المسيحى
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: مصر
المشاركات: 119
افتراضي

الجزء الخامس
- رسائل فيلسوف المسيحية




«وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ ٱلْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غل 6: 14).
كان بولس الرسول معاصراً للمسيح وكان يهودياً متعصباً، فبعد صعود المسيح بثلاث سنوات ونصف اشترك في قتل استفانوس الشهيد.
ولكن لما ظهر له المسيح من السماء في طريق دمشق صار مسيحياً غيوراً وأسس كنائس كثيرة في الشرق والغرب.
ويعتبر تعليمه عن موت المسيح المحور الأساسي لكل أقواله كما نرى ذلك جلياً في رسائله الأربعة عشر.
فقد ورد في هذه الرسائل وقائع الصلب بالتفصيل. فأشار إلى الذين صلبوه قائلاً: «ٱلَّذِينَ قَتَلُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ وَأَنْبِيَاءَهُمْ، وَٱضْطَهَدُونَا نَحْنُ. وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ لِلّٰهِ وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ» (1 تس 2: 15).
وأشار إلى جهلهم الذي دفعهم لصلبه قائلاً: «لأنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْدِ» (1 كو 2: 8).
وأشار إلى الليلة التي أُسلم فيها قائلاً «إِنَّ ٱلرَّبَّ يَسُوعَ فِي ٱللَّيْلَةِ ٱلَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هٰذَا هُوَ جَسَدِي ٱلْمَكْسُورُ لأجْلِكُمُ. ٱصْنَعُوا هٰذَا لِذِكْرِي. كَذٰلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي. ٱصْنَعُوا هٰذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي» (1 كو 11: 23 - 25).
وأشار إلى آلامه في جثسيماني قائلاً: «ٱلَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ ٱلْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ» (عب 5: 7).
وأشار إلى محاكمته أمام بيلاطس البنطي قائلاً: «ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ ٱلَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ ٱلْبُنْطِيِّ بِٱلٱعْتِرَافِ ٱلْحَسَنِ» (1تي 6: 13).
وأشار إلى صلبه قائلاً: «إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأنْفُسِهِمُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ» (عب 6: 6).
وأشار إلى سفك دمه خارج أورشليم قائلاً: «فَإِنَّ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلَّتِي يُدْخَلُ بِدَمِهَا عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ إِلَى ٱلأَقْدَاسِ بِيَدِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ تُحْرَقُ أَجْسَامُهَا خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ. لِذٰلِكَ يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ ٱلشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ ٱلْبَابِ» (عب 13: 11 و12).
وأشار إلى موته ودفنه وقيامته قائلاً: «فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ ٱلْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ حَسَبَ ٱلْكُتُبِ» (1 كو 15: 3 و4).
وأشار إلى ظهوره مراراً بعد قيامته قائلاً: «وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلٱثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى ٱلآنَ. وَلٰكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذٰلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ ٱلْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا» (1 كو 15: 5 - 8).
وأشار إلى صعوده قائلاً: «بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ ٱلْعَظَمَةِ فِي ٱلأَعَالِي» (عب 1: 3).
وقد حلل موضوع الصلب تحليلاً لاهوتياً عميقاً، فبين أن الصليبهو المشهد العظيم الذي نرى فيه:
أ - محبة الله الآب
ب - طاعة الابن الوحيد
ج - قوة الروح القدس
د - صورة الكمال الأسمى
هـ - نهاية العهد القديم
و - أساس العهد الجديد
ز - لغز العالم الحاضر
أ - محبة الله الآب




أنظروا ما أعظم محبة الله! ففي محبته الفائقة سر بأن يسحق ابنه الوحيد ويبذله على عود الصليب عوضاً عنا نحن حفنة التراب الأثمة!
قال بولس الرسول: «وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأجْلِنَا» (رو 5: 8).
يا للعجب! إن سيف عدالة الله قد عبر عنا نحن الخطاة وقد شبع من دم ابنه القدوس وبهذا تم الصلح بيننا وبينه تعالى وارتضى أن يعانقنا كأبناء مفديين مبررين.
قال بولس الرسول: «وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ ٱلْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً ٱلصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى ٱلأَرْضِ أَمْ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. وَأَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي ٱلْفِكْرِ، فِي ٱلأَعْمَالِ ٱلشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ ٱلآنَ فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِٱلْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ» (كو 1: 20 - 22).

ب - طاعة الابن الوحيد




أنظروا ما أعظم طاعة المسيح! إنه جاء ليعمل مشيئة الله في فداء البشر. فاستهان بالخزي ليقوم في ملء السرور بعملية الفداء. فتطوع وأطاع حتى النهاية.
قال بولس الرسول «وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ» (في 2: 8).
ففي طاعته المرحة لقبول الآلام ظهرت طبيعته الكاملة كابن مطيع مكمل إلى الأبد (عب 2: 10).
وفي طاعته المخلصة التي لا يشوبها عيب برهن أنه الابن القدوس الجدير بالقيامة من الاموات «وَتَعَيَّنَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ، بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (رو 1: 4).
وفي طاعته المملوءة بالاتضاع والخضوع برهن أنه الجدير بالرفعة والسيادة «لأنَّهُ لِهٰذَا مَاتَ ٱلْمَسِيحُ وَقَامَ وَعَاشَ، لِكَيْ يَسُودَ عَلَى ٱلأَحْيَاءِ وَٱلأَمْوَاتِ» (رو 14: 9).
وفي طاعته المضحية لاحتمال الآلام بالنيابة عن البشر برهن أنه هو الجدير بأن يتبوأ مركز الشفاعة في البشر «اَلْمَسِيحُ هُوَ ٱلَّذِي مَاتَ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً، ٱلَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي أَيْضاً يَشْفَعُ فِينَا
(رو 8: 34).
وفي طاعته الجريئة للنزول في معمعة الخطية والموت برهن أنه البطل الجدير بإنقاذ البشر من براثن إبليس «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلأَوْلاَدُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَوْفاً مِنَ ٱلْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ» (عب 2: 14 و15).
في طاعته العميقة تحت ثقل الخطية والموت برهن أنه الجدير باقتلاع جذور الخطية والموت إلى الأبد «وَلٰكِنَّهُ ٱلآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ ٱنْقِضَاءِ ٱلدُّهُورِ لِيُبْطِلَ ٱلْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ» (عب 9: 26).
وهكذا تجلت في الصليب نعمة المسيح بكل معانيها «وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ ٱلآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ ٱلإِنْجِيلِ
(2 تي 1: 10).

ج - قوة الروح القدس




ما أقوى الروح القدس وهو يستخدم كلمة الصليب
في تجديد الخاطئ!
فقصة الفداء لا تؤثر في القلب النجيس الخداع إلا بقوة الروح القدس القادر أن يصير الإنسان خليقة جديدة.
والروح القدس هو الذي يكسر كبرياء الإنسان فيعترف أنه لا بر فيه ولا خلاص له إلا بالإيمان البسيط المتواضع بكفارة الصليب.
وهو الذي يصور المسيح المصلوب أمام أذهاننا فتنسكب محبته في قلوبنا. وهذه المحبة الناشئة في قلوبنا تشيع القوة والفرح والقداسة في حياتنا.
ولا نبقى بعد تحت الناموس الذي يهددنا كعصاة بالهلاك بل نصير تحت النعمة التي تؤكد لنا الصفح والغفران.
والروح القدس يسكن في قلوبنا وهو يخبرنا دائماً بما فعله المسيح لأجلنا ويدعونا للاعتماد عليه والثبات فيه.
وهو الذي يطرد الخوف من قلوبنا ويشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. وهو الذي يقربنا إلى ابنه بجسارة ويعيننا لنناجي الله بحنين وأشواق وآنات لا يُنطق بها.
فالمسيح هو الذي عمل الكفارة على الصليب
والروح القدس هو الذي يعلن الكفارة للإنسان ويجدده ويمتعه بجميع مزاياها في الحياة الحاضرة والعتيدة.
فباستحقاق الصليب نلنا التبرير والتحرير والتطهير وجميع بركات الفداء، والروح القدس هو الذي يحقق لنا هذه البركات ويجريها فينا.
والإنجيل يخبرنا عن التبرير قائلاً: «مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِٱلْفِدَاءِ ٱلَّذِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي قَدَّمَهُ ٱللّٰهُ كَفَّارَةً بِٱلإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ ٱلصَّفْحِ عَنِ ٱلْخَطَايَا ٱلسَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ ٱللّٰهِ» (رو 3: 24 و25).
ويقول أيضاً: «ٱلَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رو 4: 25).
ويقول أيضاً: «وَلٰكِنَّ ٱلْكُلَّ مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ. إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ ٱلْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ ٱللّٰهِ. لأنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (2 كو 5: 18 - 21).
والروح القدس ينير ضمائرنا بهذه الكلمة الإلهية المكتوبة فنطمئن لكفارة المسيح فلا نشعر بلوم أو بتبكيت أو دينونة بل نشعر بالبر والسلام والفرح ويشهد الروح القدس مع ضمائرنا أننا قد امتلكنا البر الأبدي.
ولهذا قال بولس الرسول لأهل كورنثوس: «وَهٰكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لٰكِنِ ٱغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلٰهِنَا» (1 كو 6: 11).
والإنجيل يخبرنا عن التحرير قائلاً: «لأنَّ نَامُوسَ رُوحِ ٱلْحَيَاةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ وَٱلْمَوْتِ» (رو 8: 2).
ويقول أيضاً: «إِذاً يَا إِخْوَتِي أَنْتُمْ أَيْضاً قَدْ مُتُّمْ لِلنَّامُوسِ بِجَسَدِ ٱلْمَسِيحِ، لِكَيْ تَصِيرُوا لآخَرَ، لِلَّذِي قَدْ أُقِيمَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ لِنُثْمِرَ لِلّٰهِ» (رو 7: 4).
فالإنسان الذي يعمل الخطية هو عبد لها، ونور الناموس لا يحرره بل يكشف له شر الخطية ويحقق له اللعنة والهلاك ويتركه في العجز والعبودية، لكن الروح القدس الذي يحيي يعلن حريتنا من الخطية ومن الناموس بكفارة المسيح ففي يسر وسهولة نسمو عن الخطية ونعمل البر.
ولهذا قال بولس الرسول «لأنَّكَ إِنِ ٱعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ ٱللّٰهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ» (رو 10: 9).
والإنجيل يخبرنا عن التطهير قائلاً: «ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً غَيُوراً فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ» (تي 2: 14).
ويقول أيضاً: «فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلّٰهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ» (عب 9: 14).
وأما عن الفداء عامة فيقول: «ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأجْلِ ٱلْجَمِيعِ» (1 تي 2: 6).
وأيضاً: «ٱلَّذِي لَنَا فِيهِ ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا» (كو 1: 14).
وأيضاً: «لأنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هٰذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأجْلِ ٱلْجَمِيعِ. فَٱلْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا» (2 كو 5: 14).
وأيضاً: «لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَوْتَ لأجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ» (عب 2: 9).
والروح القدس الحال فينا هو العربون والختم لكل أمجاد الفداء العتيدة.
لهذا يقول بولس الرسول: «وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ ٱللّٰهِ ٱلْقُدُّوسَ ٱلَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ ٱلْفِدَاءِ» (أف 4: 30).

د - صورة الكمال الأسمى




حقاً أن الصليب هو صورة الكمال الأسمى والمثل الوحيد الأعلى لكل فضيلة وصلاح.
وما أجمل ما قاله بولس الرسول: «لأعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ» (في 3: 10).
فالمسيح المصلوب هو خير مثال يُحتذى وأسوة تُقتفى. ففي آلامه بالصليب رسم لنا طريقاً سلطانياً لنحذو حذوه وننسج على منواله.
فهو رائدنا في التضحية العالية حتى نبذل أنفسنا من أجل خير الآخرين.
كقوله: «لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضاً. فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هٰذَا ٱلْفِكْرُ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضاً: ٱلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللّٰهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلّٰهِ. لٰكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ» (في 2: 4 - 8).
وهو رائدنا في المحبة بعضنا لبعض من قلب طاهر بشدة.
كقوله «وَٱسْلُكُوا فِي ٱلْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأجْلِنَا، قُرْبَاناً وَذَبِيحَةً لِلّٰهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً» (أف 5: 2).
وهو رائدنا في المحبة الدائمة المتفانية المتبادلة بين الزوج والزوجة.
كقوله: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً ٱلْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذٰلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (أف 5: 25 - 27).
وهو رائدنا في الصبر واحتمال الآلام مهما اضطرم سعيرها.
كقوله: «وَلْنُحَاضِرْ بِٱلصَّبْرِ فِي ٱلْجِهَادِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ ٱلإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِ ٱلسُّرُورِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ ٱحْتَمَلَ ٱلصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِٱلْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ ٱللّٰهِ. فَتَفَكَّرُوا فِي ٱلَّذِي ٱحْتَمَلَ مِنَ ٱلْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هٰذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ» (عب 12: 1 - 3).
وهو رائدنا في الثبات على حتى النفي والموت.
كقوله «لِذٰلِكَ يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ ٱلشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ ٱلْبَابِ. فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (عب 13: 12 و13).

هـ - نهاية العهد القديم




إن في الصليب نهاية العهد القديم لأن كل فرائض العهد القديم إنما هي رموز وأشباه وأظلال للمسيح.
فلا داعٍ للفصح اليهودي بعد أن ذُبح المسيح لأجلنا «لأنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأجْلِنَا. إِذاً لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ ٱلشَّرِّ وَٱلْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ ٱلإِخْلاَصِ وَٱلْحَقِّ» (1كو 5: 7 و8).
ولا داعٍ للكهنوت الموسوي بعد أن تبوأ المسيح نفسه مركز الوساطة بين الله والناس «فَإِنَّ ٱلنَّامُوسَ يُقِيمُ أُنَاساً بِهِمْ ضُعْفٌ رُؤَسَاءَ كَهَنَةٍ. وَأَمَّا كَلِمَةُ ٱلْقَسَمِ ٱلَّتِي بَعْدَ ٱلنَّامُوسِ فَتُقِيمُ ٱبْناً مُكَمَّلاً إِلَى ٱلأَبَدِ» (عب 7: 28).
ولا داعٍ لإقامة الأقداس التي يقدم فيها الكهنة الذبائح الدموية بعد أن دخل المسيح إلى السماء عينها ليتراءى ويشفع فينا «وَأَمَّا ٱلْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ ٱلْعَتِيدَةِ، فَبِٱلْمَسْكَنِ ٱلأَعْظَمِ وَٱلأَكْمَلِ، غَيْرِ ٱلْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ ٱلَّذِي لَيْسَ مِنْ هٰذِهِ ٱلْخَلِيقَةِ. وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى ٱلأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً» (عب 9: 11 و12).
ولا داعٍ لجميع أنواع الذبائح الدموية بعد أن تمت ذبيحة المسيح الكاملة «لأنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا... نحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً» (عب 10: 4 - 10).
فشكراً لله لأننا لم نأت «إِلَى جَبَلٍ مَلْمُوسٍ مُضْطَرِمٍ بِٱلنَّارِ، وَإِلَى ضَبَابٍ وَظَلاَمٍ وَزَوْبَعَةٍ، وَهُتَافِ بُوقٍ وَصَوْتِ كَلِمَاتٍ، ٱسْتَعْفَى ٱلَّذِينَ سَمِعُوهُ مِنْ أَنْ تُزَادَ لَهُمْ كَلِمَةٌ» بل أتينا «إِلَى وَسِيطِ ٱلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ: يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ» (عب 12: 18 - 24).
رد مع اقتباس