لغة الآباء ونصوص كتاباتهم
عند انتشار المسيحيّة كانت اللغة اليونانيّة هي اللغة السائدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، خلال القرون الأولى للإمبراطوريّة الرومانيّة. فقد غزت الثقافة الهيلينيّة العالم الروماني، حتى يصعب علينا أن نجد بلدًا في الغرب لم يستخدم اليونانيّة في التعامل اليومي. لهذا ننظر إلى اليونانيّة كلغة أساسيّة في كتابات الآباء.
لم يستخدم الآباء اليونانيّة الفصحى (Classical) التي كان الإغريق يستخدمونها في الكتابة والشعر وتدوين الحوادث التاريخيّة، وإنّما يستخدمون لغة دارجة (كويني Koine) والتي أصبحت من سنة ٣٠٠ ق.م. حتى سنة ٥٠٠م اللغة الرسميّة للإمبراطوريّة الرومانيّة، ولغة الكتاب المقدّس، ولغة آباء الكنيسة الأولى[24]. وهي خليط بين الأدب الأثيني الفصيح والعاميّة.
لكن اليونانيّة أبطلت في الشرق وحلّت القبطيّة والسريانيّة والأرمنيّة، كما أبطلت في الغرب وحلّ محلّها اللاتينيّة.
لغة آباء مصر
كان بعض المصريون يفضلون الكتابة باليونانيّة بجانب المصريّة (الديموطيقيّة) لأسباب كثيرة نذكر منها[25]:
1. سهولة اليونانيّة عن الديموطيقيّة.
2. كانت اليونانيّة لغة الدولة الرسميّة، هذا استلزم تدوين الوثائق بها، سواء كان كاتبها يعرف اليونانيّة، فيكتبها بنفسه، أو يجهلها فيستخدم كاتبًا لهذا الغرض.
3. من الطبيعي كان الأهالي يقتبسون الكثير من لغة الحكام، حتى في تعاملهم اليومي.
4. كانت اليونانيّة هي لغة المتعلّمين في البلاد الكبرى.
5. كانت اليونانيّة هي لغة الكنيسة والمجامع المسكونيّة.
نبتت فكرة تدوين اللغة المصريّة بحروف يونانيّة مع الاستعانة ببعض الحروف الديموطيقيّة، فخرجت اللغة القبطيّة كآخر تطورات اللغة المصريّة (الفرعونيّة)، وفي القرن الثاني قام العلاّمة بتنينوس بترجمة الكتاب المقدّس إلى القبطيّة بمساعدة تلاميذه وعلى رأسهم القدّيس إكليمنضس الإسكندري. وتُرجمت جميع المؤلفّات المصريّة إلى القبطيّة قبل القرن الخامس الميلادي.
ويلاحظ أن الأقباط لحرصهم على حفظ المعنى اللاهوتي لبعض المصطلحات استبقوها باليونانيّة حتى عند كتابتهم بالقبطيّة. ويقول Warrell أن القبطي يستنكف ترجمة المصطلحات اللاهوتيّة[26].
وإذ جاءت اللغة العربيّة بدأت تحل محل اللغة القبطيّة فقضت عليها، ثم عادت القبطيّة في الازدهار في القرن الثامن. وأخذت الكتابة القبطيّة منذ القرن الثاني عشر تظهر في نهرين بالقبطيّة والعربيّة[27]. وفي القرن السادس عشر انطفأ نور استعمالها كلغة للتكلم في الوجّه البحري، وبقيت حتى القرن السابع عشر لغة التكلم في الوجّه القبلي.
في القرن الثالث عشر صارت اللغة العربيّة هي اللغة السائدة في المؤلفّات اللاهوتيّة والكنسيّة للقبط.
يجدر بنا أن نذكر في هذا المجال أن الآباء الرهبان القبط عُرفوا بالتقوى وإنكار الذات، فمالوا إلى الحياة أكثر من تدوينها، وجاء الكثير من أقوالهم الرهبانيّة عن طريق الوافدين إليهم من الشرق والغرب بلغات متعدّدة كاليونانيّة واللاتينيّة والسريانيّة.
تصنيف كتابات الآباء
يمكن تصنيف كتابات، خاصة في القرون الخمسة الأولى، على أساس زمني، فيرى البعض أن أول مجمع مسكوني (٣٢٥م) مع تحوّل الإمبراطوريّة الرومانيّة إلى المسيحيّة يُعتبر خطًا فاصلاً بين نوعين من الآباء من جهة كتاباته وتراثهم:
1. آباء ما قبل نيقيّة، يتسم تراثهم بالبساطة الشديدة.
2. آباء ما بعد نيقيّة.
كما يمكن تقسيم كتابات الآباء على أساس اللغة التي كتبوا بها:
1. آباء يونان (شرقيّون) حيث كتب غالبيّة الآباء الشرقيّون باللغة اليونانيّة بجانب كتابات البعض بلغاتهم القوميّة كالقبطيّة والسريانيّة والأرمنيّة.
2. آباء لاتين (غربيّون).
ويقسم البعض الكتابات حسب المناطق:
1. كتابات آباء مصر، خاصة مدرسة الإسكندريّة وآباء البريّة.
2. الآباء الأنطاكيون (السريان).
3. الآباء الكبادوك.
4. الآباء اللاتين.
كل مجموعة تحمل فكرًا خاصًا واهتمامات خاصة تناسب الظروف المحيطة بها، لذا جاءت كتابات كل منها إلى حد ما لها طابعها الخاص.
أحيانًا يقوم التقسيم حسب مادة الكتابة:
1. كتابات دفاعيّة.
2. تفسير للكتاب المقدّس.
3. عظات ومقالات.
4. رسائل.
5. ليتورچيات كنسيّة.
6. كتابات شعريّة وتسابيح.
7. حوار أو ديالوج.
8. نسكيّات.
9. قوانين كنسيّة.
10. كتابات تاريخيّة.
يميل بعض الدارسين إلى وضع تقسيم يمثّل مزجًا بين التصنيفات السابقة.