الإنجاب وبداية الحياة
لم يكن صعباً أن يخلق الله الأولاد بالغين، ولكنه تمجد أسمه خلق الأسرة لتكون ملكوت الحب. وشاء أن يشرك الإنسان في الخليقة معه عندما ينجب طفلاً.. شاء أن يساعده الأب والأم على إعطاء الحياة للمولود الجديد – رغم عدم احتياجه لهذا – لذلك وضع في الرجل وفي المرأة قوة حية تجعلهما قادرين على إعطاء الحياة للأولاد، وسلم إليهما قبساً من نور محبته، فكما إن الخليقة كلها ثمرة حبه الإلهي، كذلك أراد بتدبيره السامي أن يكون الطفل ثمرة حب الوالدين. فالرجل يجتمع مع زوجته ويتحد الجسدان وتلتقي بذرتا الحياة الذكرية والأنثوية، ويكون هذا اللقاء بداية حياة جديدة يصنعها الله في رحم الأم، ذلك العش الدافئ حيث يأخذ الإنسان في النمو والحياة.
وفي خلال التسعة أشهر للحمل يكبر الجنين تدريجياً حتى تتكون جميع أعضائه.
والفتى المهذب يحترم المرأة الحبلى لأنها تذكره أيضاً بكم تعبت أمه في حمله. لهذا يقف لها ويعطيها مكانه في المواصلات العامة، ويسعى بقدر إمكانياته لراحة كل أم تحمل جنيناً في بطنها، ولقد دبر الله أن يتغذى الطفل من خلال دماء أمه... وهذا الدم يسري في عروقه من الموضع الذي نسميه (السرّة) navel، وسرته هذه تتصل بجهاز أمه الدموي بواسطة الحبل السري... فكل نبضة من قلب الأم تدفق دماً في جنينها.
أيها الرب ربنا ما أعجب أسمك في الأرض كلها، وما أعجب تدبيرك في خِلقة الإنسان حيث تدبر للجنين عشاً في بطن أمه دفيئاً يرتاح فيه ويتغذى فيه من الداخل بقوة حيوية وينمو رويداً رويداً حتى يكتمل بعد تسعة أشهر، وآنذاك لا يعود يسعه عشه الداخلي ولا يستطيع هو أن يعيش فيه إذ يتحتم أن يخرج إلي الوجود بالولادة.
والولادة لابد أن تكون بالأوجاع والألم. ولعلك قرأت هذا من الإصحاح الثالث في سفر التكوين كيف ورثت المرآة هذا بسبب الخطية الأصلية... حقيقة إن الرب بفدائه خلصنا من سلطان الخطية وأعطانا الولادة الجديدة والحياة الأبدية ولكنه أبقى للبشرية الآثار الجسدية وانطباعاتها التي تنتهي بالموت إذ يقول الكتاب آخر عدو يبطل هو الموت (اقرأ مقالاً آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. فالمولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح. ولقد قال الرب لحواء في الفردوس عندما حدث العصيان "تكثيراً أُكَثِّر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولاداً".
ولكن هذه الأوجاع قال عنها الرب إن المرآة تنساها عندما ترى المولود الجديد كما يقول الكتاب. لذلك تخاف المرأة وتحزن متى دنت ساعة ولادتها، لكنها متى ولدت طفلها لا تعود تذكر شدتها لعظم فرحها بولادة إنسان جديد في العالم. (يو16:21).
وكلما نتأمل في أتعاب الأم في حملها وولادتها كم نصلي ضارعين أن يكافئ الرب أمهاتنا عم أتعابهن ببركات سماوية.. ويحق أن يقدم لهن كل إكرام وتبجيل متذكرين الوصية التي أوصانا بها الكتاب " أكرم أباك وأمك" لأن هذه أول وصية بوعد