إخفاء اللاهوت بالتجسد :
=============
وكما اخفي ابليس روحه عنهم في حية , واحتال عليهم حتي أخذهم بغير قهر , كذلك أخفي ابن الله لاهوته عن ابليس في جسد انسان , وفعل كل ما يفعل الانسان معدا الخطية , حتي ظن ابليس انه انسان بالحقيقة .
ولم يكن قط يفعل قوة ليحقق بها لاهوته للناس , الا و فعل لوقته ضعفا ً ليخفي لاهوته عن ابليس . وذلك موجود في الإنجيل المقدس انه في الوقت الذي يقول فيه كلمة يحقق بها انه اله , يسارع ليقول كلمة بضعف ليخفي لاهوته عن الشيطان .
حتي تيقن الشيطان انه انسان ضعيف . فإغتاظ من كثرة عجائبه , وقال في نفسه هذا اذا كان لا يسمع مني ويخطيء مثل جميع بني آدم ليوجب لي عليه التملك , فأقتله واحدره الي الجحيم . فالتملك واجب لي عليه من أجل أنه من نطفة آدم . ( لأن الشيطان كان يظن أنه من نطفة آدم , وذلك أن ربنا ستر عنه لاهوته بتجسده من مريم العذراء بغير نطفة رجل . وستره كذلك لما جعل والدته خطيبة ليوسف , وظن الشيطان عندما رآها حبلي انها من يوسف حبلت .) ولذلك قال في نفسه لما اغتاظ من كثرة عجائب الرب , ورآه لا يطيعه في الخطية , قال : هذا من نطفة آدم واذا قتلته أحدرته الي الجحيم حيث آدم أبيه , وأستريح منه مثل سائر الأنبياء والقديسين الذين قتلتهم قبله , لأنه تيقن انه انسان ساذج من نطفة آدم مثلهم .
فأقام عليه رؤساء كهنة اليهود وكتبتهم , استهزأوا به وضربوه وجلدوه وبصقوا في وجهه , وصلبوه علي خشبة مسمر اليدين والرجلين .
هذا جميعه احتمله بإرادته . وأوفي العقوبة التي كانت واجبة علي آدم وذريته علي مخالفتهم مثل ابليس الي الأبد .
احتمل عنهم الضرب والجلد والعقاب والصلب علي خشبة عريانا ً , ومات عليها , كما مات آدم من حياة الله وتعري من نعمته لما أكل من االشجرة .
فلنا نظره ابليس مصلوبا ً عريانا ً تيقن أنه انسان ضعيف , فحضر إليه وتراءي له بمنظره المفزع المظلم ليخيفه به حتي ينشف دم جسده ويموت فيحدره الي الجحيم كما كان جنوده يفعلون ببني آدم .
وللوقت مات المسيح بإرادته , واسلم روح ناسوته من غير أن ينشف دمه . فأراد ابليس ان يأخذ روحه ويحدرها إلي الجحيم , فأمسك به الرب المسيح بقوة لاهوته , وربطه من أجل أنه حضر ليقتل جسده , فقتله المسيح فدية قتله , ونهب آدم وجميــــــــــــع ذريته من حبســه بعدل بغير قهر في فدية قتله , كما كان إبليس قد أخذهم بغير قهر ..
وســـائط الخلاص :
===========
ولم يكن آدم وذريته قد صاروا بعد كعدد العساكر الذين سقطوا مع ابليس , فلم يمكن أن يقيم أجسادهم مع أرواحهم إلي الطبقة العليا قبل كمال العدد الذي سقط منها فمضي بأرواحهم الي القردوس حيث كان آدم وحواء أولا ً . تركهم فيه حتي يصيروا كعدد العساكر الذين سقطوا مع ابليس ( رؤ 6 : 10 و 11 ) , وقام هو بجسده من بين الأموات في اليوم الثالث من صلبه وهو يوم الأحد , عربون لقيانة أجسادهم اذا كمل عددهم ..
وظهر لتلاميذه الذين آمنوا به من اليهود , وعزاهم بهذا السر الذي كان قبل صلبه يكتمه حتي لا يعرف ابليس , وعرفهم انه يطلب كمال العدد من بني آدم وأمرهم ان يخرجوا الي الناس ويبشروهم بهذا الملك السمائي المعد لهم . فمن رغب إليه , وكره الأمور الفانية الدنياوية يدخلون به الي الكنيسة , ويصلون عليه صلاة المعمودية , ويسألون الآب بإسم الإبن يسوع المسيح أن يطرد منه الروح الذي وكله ابليس في يوم مولده الجسداني .
ثم يصلون علي الماء , ويسألونه تعالي أن يرسل عليه الروح القدس الذي حل علي الإبن الوحيد في ماء الاردن . فاذا حل الروح القدس علي ماء المعمودية , يغطس فسه المؤمن ثلاث دفعات باسم الثالوث المقدس , فيحل عليه الروح القدس , ويطرد منه الروح النجس , ومن ثم يطعمونه من جسد المسيح ودمه , عربــــون الخيرات التي يحيا بها في الملك السماوي , لأنه يحيا بحياة المسيح ويملك معه الي الأبد .
ويعرفونه اذا عمدوه أن جند ابليس يحسدونه علي ملكه السماوي الذي يصعد إليه , ويحسن له جند ابليس الأعمال الجسدانية حتي ينشغل بها عن أوقات التسبيح والتقديس , ليسقطوه كما سقطوا لأنهم بإمتناعهم عن التسبيح سقطوا من السماء .
فاذا كسل المؤمنون واشتغلوا بالأعمال الجسدانية والمعاش الفاني عن وقت التسبيح والتقديس , وأدرك أحدهم الموت في ذلك الوقت سقط من الملك المؤبد , وصار مع ابليس في العقاب الدائم .
واذا هو تاب وندم علي تلك الدفعة الواحدة التي فاتته في اوقات التسبيح والتقديس في اوقاته , وادركه الموت وهو ملازم لها لا يكون لجند ابليس عليه سلطان , ولايستطيعون الدنو منه بل ملاك الله المقدس الذي زكله المسيح به في يوم تعميده في ميلاده الجديد يأخذ روحه بمجد وكرامة , ويمضي به الي الفردوس ويحمل مع الأرواح التي أصعدها المسيح من الجحيم .
ولا يزال كل معتمد يموت تائبا ً يمضي به الملاك بروحه , ويحمله معه في نياح الفردوس , حتي يصيروا في عدد العساكر الذين سقطوا مع ابليس ثم يعيد الله أرواحهم الي أجسادهم ويقيمهم من الأموات , ويصعدهم الي الطبقة العالية والملك السماوي فوق جميع الملائكة التي سقط منها ابليس وجنده , ويملكون مع المسيح في الموضع الذي هو فيه بناسوته الذي أخذه منهم . مكان لايفني , ونعيم لا يزول , وحياة بغير موت .
من أجل ذلك الملك العظيم صلب المسيح , ليعيد الناس اليه وهو الذي يحسدنا عليه جند الشياطين , ويقاتلونا عليه ليلا ً ونهارا ً ,ويكسلوننا بالأعمال الجسدانية عن أوقات التسبيح والتقديس لعل الموت يدركنا في ذلك الوقت قبل التوبة , فنسقط من ذلك الملك كما سقطوا , ونكون معهم في العقاب الأبدي المؤبد .
ولذلك يحذرنا الرب ويأمرنا ألا نسمع منهم اذا كسلونا في وقت من الأوقات , ولا نتكل علي تسويف التوبة ويقول هكذا :
"اعلموا انه لو علم رب البيت متي يأتيه اللص لكان يسهر ولايدعه ينقب بيته . كذلك أنتم كونوا مستيقظين , في كل حين , ففي ساعة لا تعلمونها ولا تظنونها يأتيكم الختن " ( مت 24 : 43 , 44 )
حقق ان الموت يأتي مثل اللص , لا يعلم الانسام متي يأتيه , فإن هو تغافل عن تسبيح الله وتقديسه دفعة واحدة , وأدركه الموت فيها هلك . فيريد تعالي أن يكون المؤمن مستيقظا ً أبدا ً متحذرا ً علي نفسه كتحذر صاحب البيت من اللص الذي لا يعلم متي يأتيه .
هذا هكذا أكتبه لك بكلام ملخص . وأجملت لك فيه الشرح لتقرأه علي قليلي الفهم والعلم , بهدوء بلا قلق ولا ملل , وتكرره عليهم الي هذا الموضع عدة دفوع حتي يصل الي علمهم , وتفهمه عقولهم , فانهم كالأطفال الذين يرضعون اللبن لقلة قدرتهم علي أكل الطعام الذي ياكله الكاملون ..
القديس الأنبا ساويرس
الشهير بابن المقفع