* النبوة في العهد الجديد
اعتبر الوحي الإلهي الوعظ في العهد الجديد نوع من النبوة، لأن هدف الوعظ هو الإعلان المسبق عن عظمة حياة الدهر الآتي، ولهذا أطلق الوحي الإلهي لقب نبي على من يعظ كقوله: "وَيَهُوذَا وَسِيلاَ، إِذْ كَانَا هُمَا أَيْضًا نَبِيَّيْنِ، وَعَظَا الإِخْوَةَ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ وَشَدَّدَاهُمْ" (أع15: 32).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
خامسًا: الأنبياء الكذبة
* لم يرسلهم الله
إن الأنبياء الذي لم يرسلهم الله يعملون ضد الله، ويقاومون إرادته، وهدف نبواتهم أذية الناس كقول الكتاب: "لأَنِّي لَمْ أُرْسِلْهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، بَلْ هُمْ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي بِالْكَذِبِ، لِكَيْ أَطْرُدَكُمْ فَتَهْلِكُوا أَنْتُمْ وَالأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ" (إر27: 15).
* خطورة الثقة في الأنبياء الكذبة
ينتحل الأنبياء الكذبة صفة من صفات ألوهية الله بادعائهم النبوة ومعرفة الغيب. إن كلمة عرافة تترجم في الإنجليزية divination وهي مشتقة من كلمة divinity أي لاهوت، وهو الطبيعة الإلهية لله. أنهم يريدون أن يلجأ الناس إليهم على الدوام في كل أمورهم حياتهم؛ فيبعدونهم عن الله، الذي يجب أن يتَّكل عليه كل حي كقول الكتاب: "بِمَخَاوِفَ فِي الْعَدْلِ تَسْتَجِيبُنَا يَا إِلهَ خَلاَصِنَا، يَا مُتَّكَلَ جَمِيعِ أَقَاصِي الأَرْضِ وَالْبَحْرِ الْبَعِيدَةِ" (مز65: 5).
إن الضلال والهلاك هو النتيجة الأكيدة للاتِّكال على الأنبياء الكذبة، لأنهم مملوؤن من روح إبليس المُضل الشرير. لقد حذر الكتاب من عاقبة الاتكال على الأنبياء الكذبة قائلًا: "اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟" (مت7: 15، 16).
* الأنبياء الكذبة تجار يبحثون عن الربح القبيح
الأنبياء الكذبة والعرافون يدَّعون معرفتهم للغيب، أملًا في الحصول على منفعة مادية، أو وضع اجتماعي أفضل، أو مجد باطل، والكثير منهم يستعملون السحر أو الإيحاء والمكر والالتواء لإقناع الناس بقدرتهم على معرفة الغيب. لقد أخبرنا الكتاب المقدس عن توبيخ معلمنا بولس الرسول لرجل اسمه بار يشوع ساحرًا نبيًا كاذبًا (عليم الساحر)، بقوله له: "أَيُّهَا الْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ابْنَ إِبْلِيسَ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرّ! أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ؟" (أع13: 10).
* لا يتكلمون بكلام الله
الأنبياء الكذبة لا يحققون خير الناس؛ فقد يخيفون الناس من ادِّعائهم متاعب قادمة على ضحاياهم، ثم يتركونهم في قلق وخوف، أو قد يربطون الناس بهم؛ فيتكلون عليهم وليس على الله، أو قد يأمرون الناس صراحة بمخالفة وصايا الله أو.. أو..
لقد حذر الوحي الإلهي من الانقياد لهم، لأنهم يفصلون الناس عن الله راعيهم، حتى وإن لم يقولوا ذلك صراحة كقول الكتاب: "إِذَا قَامَ فِي وَسَطِكَ نَبِيٌّ أَوْ حَالِمٌ حُلْمًا، وَأَعْطَاكَ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً، وَلَوْ حَدَثَتِ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ الَّتِي كَلَّمَكَ عَنْهَا قَائِلًا: "لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا وَنَعْبُدْهَا" (تث13: 1- 2).
* كذب العرافون ولو صدقوا
يحاول العرافون ومدعوّ الروحانية والشفافية التنبؤ ومعرفة الغيب بالاستنتاج، أو بالتحايل والمكر لمعرفة أسرار غيرهم، وقد يلجأ البعض منهم لأعمال السحر (الاستعانة بالشياطين) لمعرفة الغيب. وقد ينجحون في كشف بعض الأسرار، وقد يفشلون، لكن ذلك ليس دليلًا على صدق نواياهم، ولا يمكن أن ينفي عنهم شرهم وضلالهم.
لقد اعتبر الوحي الإلهي أمثال هؤلاء مجرمون في حق الجماعة مثلهم مثل القتلة والزناة، وهم يستحقون العقاب مثلهم كقوله: "وَذلِكَ النَّبِيُّ أَوِ الْحَالِمُ ذلِكَ الْحُلْمَ يُقْتَلُ، لأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالزَّيْغِ مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ إِلهِكُمُ... لِكَيْ يُطَوِّحَكُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَمَرَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ أَنْ تَسْلُكُوا فِيهَا. فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ" (تث13: 5).
الاستنتاج
* ضرورة التمهل والفحص الدقيق
يجب على من يريد الإفلات من شر الأنبياء الكذبة أن يثق في الله الصالح الذي يدبر دقائق وتفاصيل حياته، وألاَّ يكون فضوليًا شغوفًا لمعرفة ما أخفاه الله بحكمة عن البشر، لأنه من المحتمل جدًا أن يكون من يتنبأ بالمستقبل واحدًا من هؤلاء الأنبياء الكذبة، الذين سبق الرب يسوع وحذر من ضلالهم.
لقد أمر الكتاب بعدم التسرع في تصديق هؤلاء قائلًا: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ" (1يو4: 1).
* القاعدة الذهبية
إن القاعدة الذهبية لكشف ضلال الأنبياء الكذبة تعتمد على معرفة أفعال وأقوال من يدعي النبوة (ثماره) في ضوء ثمر الروح القدس. لقد أكد الوحي الإلهي تلك الحقيقة على فم القديس متى الرسول قائلًا: "هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً... فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ" (مت7: 17- 20).
أخيرًا
قد يكون نافعًا للإنسان قبلما يقرر التقابل مع مَنْ يدَّعي معرفة الغيب أن يسأل نفسه بعض الأسئلة الهامة، والتي نوجزها بالشكل التالي: هل يُساعدني الإنصات لذلك الشخص على فهم مشيئة الله؟ أو هل يساعدني التعامل معه على التقدّم الرّوحي؟ أو هل يتوافق كلام ذلك الشخص مع كلمة الله؟!
إن أمور حياتنا بكل تفاصيلها في يد الله، وهو القادر والمدبر لحياة كل حي. فلماذا اللجوء لغيره من البشر الضعفاء الضالين والمضلين؟!