* شر شاول الأعظم
زاد شاول على خطية العناد وقساوة القلب خطية أبشع، وهي إنكار الإيمان، وذلك بالتجائه للشيطان. لقد ذهب إلى عرافة تستخدم الشيطان طالبًا وقائلًا لها: "... اعْرِفِي لِي بِالْجَانِّ وَأَصْعِدِي لِي مَنْ أَقُولُ لَكِ" (1صم28: 8).
* شاول يتحدى مشيئة الله
تحدى شاول إرادة الله، وذهب إلى عرَّافة صاحبة شيطان، لتخبره بما لم يخبره به الله، فهل يفلح في تحديه لله، وينال ما أراده. إنه من المستحيل أن يغلب إنسان الله، وينال ما يريده بالرغم من عدم إرادة الله كقول الكتاب: "هُوَذَا يَهْدِمُ فَلاَ يُبْنَى. يُغْلِقُ عَلَى إِنْسَانٍ فَلاَ يُفْتَحُ" (أي12: 14). وقوله أيضًا: "تَشَاوَرُوا مَشُورَةً فَتَبْطُلَ. تَكَلَّمُوا كَلِمَةً فَلاَ تَقُومُ، لأَنَّ اللهَ مَعَنَا" (إش8: 10).
* ليس لأحد سلطان على أرواح البشر
ليس للبشر ولا للملائكة سلطان على أرواح البشر كقول الكتاب: "لَيْسَ لإِنْسَانٍ سُلْطَانٌ عَلَى الرُّوحِ لِيُمْسِكَ الرُّوحَ، وَلاَ سُلْطَانٌ عَلَى يَوْمِ الْمَوْتِ، وَلاَ تَخْلِيَةٌ فِي الْحَرْبِ، وَلاَ يُنَجِّي الشَّرُّ أَصْحَابَهُ" (جا8: 8). فهل يستطيع شاول الشرير أن يتمم ما أراده ويحضر روح صموئيل النبي؟! بالطبع لا.
رابعًا: الشيطان المضل والقتّال للناس
خدع الشيطان شاول، وأوهمه بإتمامه ما أراده؛ أي إحضار روح صموئيل النبي، ليخبره بما أراده، ولكن هذا لم يحدث للأسباب التالية:
* لا يعرف المستقبل:
مما سبق يتضح أن شاول قد تعامل مع الشيطان (الجان) عن طريق العرّافة، التي كانت تستخدم الشيطان في عرافتها.
الشيطان يمكنه أن يستنتج، أو يخمن بعض ما سيحدث في المستقبل، لكنه لا يعرف حقيقة ما سيحدث بالضبط. إن الشيطان أيضًا ليس له سلطان أن يكشف ما يعرَّفه لبني البشر (إن كان يعرف)، وأبسط دليل على لذلك هو عدم تمكن الشيطان من كشف موضع دفن جسد موسى النبي بعد موته، والذي أراد الله أن يكون مخفيًا عن أعين شعب إسرائيل حتى لا يعبدوه، ولكن الشيطان حاول كشفه، ولم يتمكن، لأن رئيس الملائكة ميخائيل منعه مما أراده كقول الكتاب: "وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ: لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ!" (يه9:1).
خامسًا: دراسة النص الكتابي للواقعة
"فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ صَمُوئِيلَ صَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَكَلَّمَتِ الْمَرْأةُ شَاوُلُ قَائِلةً: «لِمَاذَا خَدَعْتَنِي وَأَنْتَ شَاوُلُ؟» فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: «لاَ تَخَافِي. فَمَاذَا رَأَيْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِشَاوُلَ: «رَأَيْتُ آلِهَةً يَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ لَهَا: «مَا هِيَ صُورَتُهُ؟» فَقَالَتْ: «رَجُلٌ شَيْخٌ صَاعِدٌ وَهُوَ مُغَطًّى بِجُبَّةٍ». فَعَلِمَ شَاوُلُ أَنَّهُ صَمُوئِيلُ، فَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «لِمَاذَا أَقْلَقْتَنِي بِإِصْعَادِكَ إِيَّايَ؟» فَقَالَ شَاوُلُ: قَدْ ضَاقَ بِي الأَمْرُ جِدًّا. اَلْفِلِسْطِينِيُّونَ يُحَارِبُونَنِي، وَالرَّبُّ فَارَقَنِي وَلَمْ يَعُدْ يُجِيبُنِي لاَ بِالأَنْبِيَاءِ وَلاَ بِالأَحْلاَمِ. فَدَعَوْتُكَ لِكَيْ تُعْلِمَنِي مَاذَا أَصْنَعُ". (1صم28: 12- 15).
* عبارة "رأيت آلهة يصعدون من الأرض"
يتبادر إلى الذهن هذا السؤال المنطقي، وهو: كيف تصعد الآلهة من الأرض؟ من تقصد المرأة بقولها آلهة؟ هل تقصد أشباح ضخمة؟ ولهذا أسمتهم آلهة، وهل تقصد روح النبي العظيم صموئيل، الذي وضعه الله في منزلة موسى النبي بقوله عنه: "... وَإِنْ وَقَفَ مُوسَى وَصَمُوئِيلُ أَمَامِي لاَ تَكُونُ نَفْسِي نَحْوَ هذَا الشَّعْبِ. اِطْرَحْهُمْ مِنْ أَمَامِي فَيَخْرُجُوا" (إر15: 1).
هل صموئيل النبي في قرار سفلي، حتى تصعد روحه من الأرض من أسفل؟ لقد صعد إيليا النبي إلى أعلى إلى السماء في مركبة نارية تكريمًا له. لماذا يعامل الله هذا النبي هكذا؟ إن الله بريء من هذا الافتراء، لأن كلام هذه المرأة افتراء وكذب.
* عبارة "فَعَلِمَ شَاوُلُ أَنَّهُ صَمُوئِيلُ"
لقد علم شاول أنه صموئيل النبي (بحسب رواية العرَّافة) لأن المرأة أخبرته أنها رأت رجلًا شيخ صاعد، وهو مغطى بجبة، ثم سجد شاول في رعب على وجهه. وهنا نتساءل هل هذا الكلام كاف لمعرفة شخص النبي؟! لقد كان شاول مهيئًا نفسيًا لتصديق أي أمر تُخَبره به العرافة، ولم يتحقق من صدق أقوال المرأة عن شخصية المتكلم معه.
* عبارة "لماذا أقلقتني"
هي عبارة كاذبة من روح نجس أو من العرَّافة، وفيها إيحاء بقدرة العرَّافة على إحضار روح صموئيل، وإيحاء بتذمر النبي -بحسب زعم العرَّافة-وبالطبع لو كان الذي أرسله الله هو صموئيل النبي بالحق لما كان يتذمر هذا النبي العظيم بقوله: "لماذا أقلقتني؟". والعبارة فيها أيضًا مدح ضمني لقدرة العرَّافة على إحضار روح النبي استجابة لرغبة شاول.
* تسمية الكتاب المتكلم مع شاول "صموئيل"
تكرار اسم صموئيل ليس دليلًا على أن المتكلم كان صموئيل، ولكن ذلك يعني من كان يظنه شاول صموئيل. وقد سبق واستخدم الكتاب أسلوب تسمية الأشخاص حسب معتقدات الناس..
ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
* قول الكتاب عن الأنبياء الكذبة في العهد القديم: "وَذلِكَ النَّبِيُّ أَوِ الْحَالِمُ ذلِكَ الْحُلْمَ يُقْتَلُ، لأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالزَّيْغِ مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، لِكَيْ يُطَوِّحَكُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَمَرَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ أَنْ تَسْلُكُوا فِيهَا. فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ" (تث13: 5).
* تسمية الكتاب الأصنام التي يعبدها الأمم آلهة: "لأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الأُمَمِ أَصْنَامٌ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ السَّمَاوَاتِ" (1أخ16: 26). وقول إيليا النبي عن البعل: "وَعِنْدَ الظُّهْرِ سَخِرَ بِهِمْ إِيلِيَّا وَقَالَ: ادْعُوا بِصَوْتٍ عَال لأَنَّهُ إِلهٌ! لَعَلَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ فِي خَلْوَةٍ أَوْ فِي سَفَرٍ! أَوْ لَعَلَّهُ نَائِمٌ فَيَتَنَبَّهَ!" (1مل18: 27).
الاستنتاج
* الاحتمال الأول والثاني مرفوضان تمامًا لما يلي:
الاحتمال الأول مرفوض، لأنه ليس من المنطقي أن يُؤخر الله استجابته لطلب شاول حتى يذهب إلى عرَّافة، ثم يُؤخر مجيء روح صموئيل حتى يتفق شاول مع العرَّافة، وفجأة عندما تبدأ العرَّافة العمل في تحضير الروح يرسل الله صموئيل النبي.
إنَّ التساؤل المنطقي الذي يتبادر للذهن لو كان ذلك قد حدث، لماذا يسمح الله الذي لا يعطي مجده لآخر بهذا؟ إن الله لو كان قد سمح بهذا لكان قد أقر بمشروعية خطية العرَّافة؟ وعندئذ يرجع الرجال المرافقين لشاول مبشرين ومهللين بقدرة العرَّافة التي أحضرت روح النبي الجليل والعظيم!!
إنَّ هذا الافتراض يمجد العرَّافة، ويلغي ما قد رفضه، ونهى عنه الله سابقًا. لقد أكد الرسول العظيم بولس الرسول ثبات تعاليمه قائلًا: "فَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أَبْنِي أَيْضًا هذَا الَّذِي قَدْ هَدَمْتُهُ، فَإِنِّي أُظْهِرُ نَفْسِي مُتَعَدِّيًا" (غل2: 18). إن هذا الافتراض يسيء لله الذي كان قد سبق، ونهى عن العرافة، فهل يعود الله ويمجد العرافة؟!
* الاحتمال الثالث، وهو إجبار روح صموئيل النبي على الحضور من قبل العرَّافة
هذا الاحتمال مرفوض أيضًا، لأن الله هو المالك لأرواح البشر، وهو المتحكم والضابط الكل. إن الخليقة كلها بما فيها من ملائكة وشياطين وبشر تخضع تحت قضيب ملكه، وهو الذي أخضع الشيطان تحت أرجل قدميه كقوله: "فَرَجَعَ السَّبْعُونَ بِفَرَحٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ!" (لو10: 17).
* الاحتمال الرابع وهو:
* مما سبق نعلم يقينًا أن هذا الاختيار هو الحقيقي وهو الصواب.
لقد خدع الشيطان والعرَّافة التابعة له شاول بخدعة شيطانية، وأقنعاه كذبًا، أن المتكلم هو صموئيل النبي. مع إن هذا لم يحدث.
لقد شهد الكتاب المقدس بشهادة حاسمة أن من سأله شاول لم يكن صموئيل على الإطلاق، بل كان جانًا أي شيطانًا، ولهذا أمات الله شاول كقول الكتاب: "فَمَاتَ شَاوُلُ بِخِيَانَتِهِ الَّتِي بِهَا خَانَ الرَّبَّ مِنْ أَجْلِ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي لَمْ يَحْفَظْهُ. وَأَيْضًا لأَجْلِ طَلَبِهِ إِلَى الْجَانِّ لِلسُّؤَالِ، وَلَمْ يَسْأَلْ مِنَ الرَّبِّ، فَأَمَاتَهُ
وَحَوَّلَ الْمَمْلَكَةَ إِلَى دَاوُدَ بْنِ يَسَّى" (1أخ10: 13- 14).