الاستنتاج
نخلص مما سبق أن الرب يسوع كان لا بُد أن يشهد عن نفسه، وعن بنوته لله، وكان لا بُد أيضًا أن يشهد لنا عن الحق بالأقوال وبالأفعال، لأنه لا يقدر أن ينكر نفسه كما قال الكتاب: "إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ" (2تي2: 13).
ولكن بقي التساؤل لماذا قال الرب: "إنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقًّا" وهل هذا يمثل تناقض. هذا ما سنجيب عليه من خلال النقطة الأخيرة.
â†گ اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
ثالثًا: لا تناقض في كلام الرب
* نص قول الرب في الإصحاح الخامس هو: "إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقًّا. الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَق" (يو5: 31 – 32).
* سياق وملابسات قول الرب في الإصحاح الخامس
إن قول الرب جاء بعدما اعترض اليهود على بنوته لله لأنه قال إنه ابن الله كقول الكتاب: "فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ. فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ" (يو5: 17- 18).
* المعنى المقصود
لم يقصد الرب أنه تكلم بغير الحقيقة، لأنه هو الحق ذاته كما أثبتنا سابقًا، لكن قول الرب جاء بأسلوب الشرط، وهو أسلوب أدبي كثير الاستعمال. فالمقصود هو أنه إن كان الرب يشهد فقط لنفسه، ولا يوجد من يشهد له. فشهادته ليست حقًا، ولكن هذا لم يحدث إطلاقًا؛ فقد شهد له كثيرون كما سنذكر فيما بعد.
لقد أعطى ربنا يسوع المسيح اليهود عذرًا في حالة عدم تصديق شهادته عن نفسه، وذلك إذا لم يتم تأكيدها بشهادات أخرى، لأن شريعة العهد القديم علّمت بضرورة وجود شاهدين أو ثلاثة كقول الكتاب: "عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يُقْتَلُ الَّذِي يُقْتَلُ. لاَ يُقْتَلْ عَلَى فَمِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ" (تث17: 6).
* شهود الرب يسوع المسيح ابن الله
أكد الرب في انجيل القديس يوحنا لليهود صدق شهادته عن نفسه لأولئك الفقراء في معرفتهم بالله في صورة شهادات أخرى وهي:
1. شهادة الآب الذي شهد له أثناء عماده على يد يوحنا، وشهد له أثناء تجليه على جبل طابور، وشهد له بصوت واضح قبل آلامه وصلبه مباشرةً بقوله عنه بصوت صادر من السماء: "مجدت وأمجد".
2. شهادة يوحنا المعمدان الذي قال الرب عنه أنه السراج المضيء.
3. شهادة الأعمال التي كان يصنعها، وهي تشهد له.
4. شهادة كتب موسى والأنبياء، والتي تنبأت عنه بوضوح.
* نص الإصحاح الثامن
"ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ. فَقَالَ لَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: أَنْتَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ. شَهَادَتُكَ لَيْسَتْ حَقًّا. أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَق، لأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ" (يو8: 12- 14).
* سياق وملابسات قول الرب في الإصحاح الثامن
هاجم الفريسيون الرب، لأنه أخزى الكتبة والفريسيين، الذين أتوا إليه بامرأة أُمسكت وهي ساقطة في خطية زنا، ومنعهم من الحكم عليها، ثم أعلن أنه نور العالم، وهذا يعني أنه الحق، لأن النور هو الحق والحق هو اسم من أسماء الله.
اعترض الفريسيون على قول الرب وادعوا أن شهادته ليست حق، لأنها غير مؤيدة بشهادات أخرى، لكنه عاد وأكد لهم أنه الديان قائلًا: "وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَدِينُ فَدَيْنُونَتِي حَق، لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (يو8: 16).
وأما هم فلا حق لهم أن يدينوا هذه المرأة. إن دينونة الرب للبشر أو غفرانه لهم حق، لأنه الابن وهو الحق أي الله والآب يشهد له بذلك، وأنه واحد مع الآب.
* المعنى المقصود في الإصحاح الثامن
الشهادة المقصودة في هذا النص هي صدق وصفه لنفسه بنور العالم، حسب قوله في (يو8: 12). أي إنه الحق أو هو الله. لقد أراد الرب أن يؤكد لليهود أنه النور أي الحق، وأنَّ كل ما قاله لهم هو حق، ولكن اليهود شكّكوا في كلامه بحجة أن شهادته عن نفسه لا تكفي.
لكن الرب كان قد سبق وأعطاهم أربع شهادات أخرى تؤكد أنه المسيح ابن الله الحي، -كما ذكرنا في النقطة السابقة- ولكنهم بمكر قد تجاهلوا كل ما سبق وقاله لهم تمامًا، ولهذا برهن لهم عن صدق شهادته عن نفسه بقوله علانية أنه العَالم بكل شيء أي الله، قائلًا: "لأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ" (يو8: 14).
الخلاصة
لا تناقض في أقوال الرب لأن القول الأول جاء في صيغة الجملة المشروطة أي أنه في حالة عدم وجود شهادات أخرى تشهد عن كونه المسيح ابن الله تكّون شهادته غير صادقة، وهذا ليس هو واقع الحال، لأن الرب يسوع المسيح ذكر لهم سابقًا أربع شهادات أخرى تؤكد أنه ابن الله.
والقول الثاني جاء بعد الأول وبعدما برهن الرب يسوع على أنه هو ابن الله، وأنه هو النور والحق، بل أكثر من هذا فقد أضاف أيضًا أنه الديان فأين التناقض إذًا؟!