عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 12 - 2021, 09:37 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,621

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مهاجمةسفر نشيد الأنشاد



ثانيًا: من الكتاب المقدس:
1- منذ القديم كان سفر نشيد الأنشاد ضمن الأسفار القانونية في التوراة. وبعد قرون من قبوله كسفر قانوني، وفي القرن الأول الميلادي، شكَّكت مدرسة الرباي شمّاي في قانونيته، فقال الرباي عقيبة بن يوسف "أكيبا" (50-132م): "لم يجادل أحدٌ في قانونية سفر النشيد.. إن كل العصور لا تستحق اليوم الذي فيه أُعطي سفر النشيد لبني إسرائيل، فكل الوحي مقدس، ونشيد الأنشاد هو قدس الأقداس". ويعتمد المسيحيون أسفار التوراة التي قبلها بنو إسرائيل كأسفار قانونية.

2- اعتاد الله أن يتحدث معنا خلال الوحي بذات الأسلوب الذي نتعامل به في حياتنا البشرية، فهو لا يحدثنا فقط باللغات البشرية بل ويستخدم أيضا تعبيراتنا، حتى لا يكون الوحي غريبًا عنا.

نذكر على سبيل المثال أن الوحي يتحدث عن الله بأنه حزن، وغضب، أو ندم.... مع أن الله كلى الحب لن يحزن لأنه لا يتألم، ولا يغضب إذ هو محب، ولا يندم لأن المستقبل حاضر أمامه وليس شيء مخفي عنه. لكنه متى تحدث الكتاب عن غضب الله إنما يود أن يعلن لنا أننا في سقطاتنا نلقى بأنفسنا تحت عدل الله، وما يعلنه الوحي كغضب إلهي إنما هو ثمر طبيعي لخطايانا، نتيجة هروبنا من دائرة محبته.

وعندما يتحدث الكتاب المقدس عن كرسي الله أو عرشه، فهل أقام الله له كرسيًا أو عرشًا محدودًا يجلس عليه؟! ألم تكتب هذه كلها لكي نتفهم ملكوت الله ومجده وبهاءه حسب لغتنا وتعبيراتنا البشرية؟!

على نفس النمط يحدثنا الوحي عن أعمق ما في حياتنا الروحية، ألا وهو اتحادنا بالله خلال الحب الروحي السري، فيستعير ألفاظنا البشرية في دلائل الحب بين العروسين، لا لتفهم علاقتنا به على مستوى الحب الجسداني، وإنما كرموز تحمل في أعماقها أسرار حب لا ينطق به.

3- هذا المفهوم للحب الإلهي كحب زوجي روحي يربط النفس بالله ليس غريبا عن الكتاب المقدس، فقد استخدمه أنبياء العهد القديم كما استخدمه رجال العهد الجديد أيضا.

4- عبارات هذا السفر لا يمكن أن تنطبق على الحب الجسداني، ولا تتفق مع القائلين أنه نشيد تغنَّى به سليمان حين تزَّوج بابنة فرعون أو ما يشبه ذلك، نذكر على سبيل المثال: "لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ" (1: 1)... (لاحظ كلمات: ليقبلني، فمه، ثم حبك).. هكذا تناجى العروس عريسها، لكنها تطلب قبلات آخر "فمه".. مع أنها تعلن له "حبك" أطيب من الخمر، كيف يمكن لعروس أن تطلب من عريسها أن يقبلها آخر بينما تستعذب حب العريس نفسه؟ يستحيل أن ينطبق هذا على الحب الجسداني، لكنه هو مناجاة الكنيسة للسيد المسيح عريسها، فتطلب قبلات فم الآب، أي تدابيره الخلاصية. والتي تحققت خلال حب الابن العملي، كقول الكتاب: "اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (إنجيل يوحنا 1: 18).

* مما يقوله السفر أيضًا: "لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى" (سفر نشيد الأنشاد 1: 3). فهل يمكن لعروس أن تفرح لأن عريسها موضع حب العذارى غيرها؟! لكن العروس هي الكنيسة التي تريد أن كل المؤمنين كالعذارى يحبون عريسها؟!

* "اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ" (سفر نشيد الأنشاد 1: 4). لاحظ كلمات "فنجري"، "نبتهج"، "نفرح بك"، "نذكر حبك"، "يحبونك".. هل المتكلم مفرد أم جمع؟ إن كانوا جمعًا فكيف تلتقي الجماعة في حب الواحد جسديًا؟! وأي عروس تطلب هذا فتجرى، ومعها كثيرات نحو الحبيب؟

من هذه الأمثلة نرى أن السفر لم يعبر عن حب جسدانا، لكن عن حب إلهي يربط الله بكنيسته ومؤمنيه لكن يقوم السفر بما يناسب القامات الروحية والسنية.

5- قال كثيرون من رجال الدين اليهود الأقدمين إن هذا السفر يشرح العلاقة الحبية بين الله وشعبه. وفي ضوء هذا التفسير قاموا بوضعه ضمن أسفار الوحي القانونية المعترف بها. وقد قبلت الكنيسة المسيحية السفر ضمن ما قبلته من الوحي المقدس. وقد رأى اليهود في هذا السفر تاريخ بني إسرائيل من الخروج إلى زمان المسيح، وقالوا إن بني إسرائيل هم العروس (اسمها شولميث השול×‍×™×ھ) وإن الرب هو العريس، وإن اتحاد الشعب مع الرب سيكمل في المسيح. أما المسيحيون الأولون فقالوا إن العروس هي الكنيسة وإن العريس هو المسيح.

وقد بلغ من اعتزاز الكنيسة بهذا السفر أن قام العلامة أوريجانوس في القرن الثالث الميلادي بتفسيره في عشرة مجلدات، ووجد في كل جملة من السفر معنى روحيًا. وفي القرن الثاني عشر كتب "برنارد أوف كليرفو" Bernard of Clairvaux عدد 86 موعظة على آيات الأصحاحين الأول والثاني من هذا السفر. ولدينا حاليًا عشرات التفاسير والتأملات في سفر النشيد.. لقداسة البابا شنوده الثالث، وقداسة المتنيح الأنبا يوأنس أسقف الغربية، وقداسة الأنبا يؤانس سكرتير قداسة البابا الذي أصدر كتبًا ضخمة تتأمل في آيات معدودة..

6- الدارس للكتاب المقدس لا يخفي عليه أن الكتاب المقدس كثيرًا ما يستخدم لغة البشر لتفهيمنا حقائق روحية سامية، وإلا لاستحال علينا أن نفهم أى شئ عن الله. فالكتاب المقدس مثلًا يقول «عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم» (مز 34:15) دون أن يقصد -كما لا يخفي علينا جميعا- أن لله عينين أو أذنين؛ لأن «الله روح» (يو4: 24) (اقرأ المزيد حول هذا الأمر هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الكتب). كما أنه يحدثنا عن معاملات الله معنا بلغة بشرية نفهمها، فيقول إنه يقف بجانبنا كالأخ (أم 17: 17)، ويشفق علينا كالأب (مز 103: 13، ملا3: 17)، ويعزينا كالأم (إش66: 13،49: 15)؛ لهذا فليس عجيبًا أن يرسم محبته لنا وغيرته علينا كمحبة العريس وغيرته من نحو عروسه.

وهذه الصورة لم ينفرد بها سفر نشيد الأنشاد Songs of Solomon بل تحدث عنها إشعياء أيضًا عندما قال «كفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك» (62: 5). وتحدث عنها إرميا «ذكرت لك غيرة صباك، محبة خطبتك، ذهابك ورائي في البرية في أرض غير مزروعة» (2: 2). وتحدث عنه هوشع «أخطبك لنفسي إلى الأبد...» (2: 19، 20). وكثيرًا ما صوَّر الكتاب المقدس التحول عن الله وعبادة الأوثان بأنه زنا. وأخيرًا نجد المعمدان يتحدث عن الذين تركوه وتبعوا الرب يسوع (المسيا) بأنهم هم العروس «أنتم أنفسكم تشهدون لي أنى قلت لست أنا المسيح بل إني مرسل أمامه. من له العروس فهو العريس» (يو3: 28، 29).

أما عن أسلوب السفر وتسمية صاحب السؤال له أنه أدب مكشوف، فهو ظلم للكاتِب، الذي عاش في عصر غير عصرنا، اعتاد أهل عصره على مثل هذه التعبيرات. وللسائل أن يراجع الشواهد التالية (إشعياء 49:14-21 و62:1-5 وإرميا 2:2 وحزقيال 16 وهوشع 2:14-23 و11:8) وفي العهد الجديد نجد علاقة المسيح بالمؤمنين هي علاقة الزيجة المقدسة (يوحنا 3:39 و2 كورنثوس 11:2 وأفسس 5:22-32 ورؤيا 21:2).

وتوُصَف الكنيسة في العهد الجديد أيضًا بأنها عروس المسيح؛ العروس السماوية، نظرًا للمحبة العميقة والعلاقة الوثيقة والرابطة الأبدية التي لها مع المسيح (2 كو 11: 2، أف5: 26، رؤ19: 7-9، 21: 9).

* مرة أخيرة أعتذر للأخوة المسلمون لما جاء في هذا المقال من مقارنات.. وذكر لنصوص من القرآن وأحاديث وغيره.. ولكن الأمر كان يحتاج لتوضيح.. فلم نذكر تلك النصوص للهجوم عليها، فنحن على دراية بديننا ولسنا في وضع لتفسير نصوص كتاب القرآن الكريم، ولكننا أردنا أن نوضح أن تلك النصوص أيضًا قد تحمل بعض الالتباس أو سوء الفهم للبسطاء أو غير الدارسين.. فبنفس المنطق، قد لا تفهم أنت عزيزي الزائر المسلم نصوص الكتاب المقدس. فبالتأكيد الآيات التي ذكرناها من القرآن لها تفسيرها لديك، أو توضيح أنها ليست آيات جنسية أو ذُكِرَت في ظروف معينة أو غيره.. وبنفس المنطق ينبغي أن تأخذ آيات الكتاب المقدس بتفسيراتها الحقيقية من خلال خلفية لغة الكتاب المقدس، ووحدته، وعلاقة الإنسان بالله.. واختلاف كل ذلك عن الإسلام.
ثالثًا: قراءات أخرى لطالب العلم:
لن نضع هذه الروابط كعادتنا بالموقع أسفل المقال تحت صورة "للمزيد نرجو مراجعة" هذه المراجع - إذا أردت المزيد عن هذا الموضوع، نرجو قراءة الآتي:، وذلك لأهميتها كجزء من المقال. وهي لمن يبغي اكتمال الفائدة:-

النص الكامل لسفر نشيد الأناشيد.

مقدمة عن سفر نشيد الأناشيد: الأب أنطونيوس فهمي.

تفاسير سفر نشيد الأنشاد.

تفسير سفر نشيد الأنشاد: الأب أنطونيوس فكري.

تفسير سفر نشيد الأناشيد: الأب تادرس ملطي.

تأملات في سفر نشيد الأناشيد: قداسة البابا شنودة الثالث.

تأملات في سفر نشيد الأنشاد: المتنيح الأنبا يوأنس أسقف الغربية.

كتاب إسحق أو النفس للقديس أمبروسيوس - إعداد القمص تادرس يعقوب ملطي.

البحث في الكتاب المقدس.

الفصل العاشر: مدارس النقد وسفر نشيد الأناشيد - من كتاب مدارس النقد والتشكيك والرد عليها: الجزء الأول - مقدمة للنقد الكتابي.
  رد مع اقتباس