â—ڈسبب استخدام أسماء أعضاء الجسد في السفر:
إن أسماء أعضاء الجسد في السفر لا يمكن بأيّ حال أن تنطبق على الجسم المنظور، بل تشير إلى أجزاء النفس غير المنظورة وقواها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. والسبب أن كليهما يحمل دلالات مماثلة، إن هذه الأسماء تعبر عن دلالات روحية، وفي هذا الشأن يعلق العلامة أوريجانوس قائلًا: "في مستهل كلمات موسى النبي حيث يصف خلق العالم نجد إشارة إلى خلقة رَجُلين: الأول خلق على صورة الله، وشبهه بقوله: "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تك1: 27).، وقوله:"وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً." (تك2: 7)... ثم يعود ويقول: "كتب معلمنا بولس الرسول في رسائله أن كل إنسان هو إنسانان مختلفان... قائلًا: "إن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيوم" (2كو4: 16).. وأيضًا: "فإني أُسرُّ بناموس الله بحسب الإنسان الباطن" (رو7: 22)..
رابعًا: شرح بعض المدلولات الروحية لأسماء أعضاء الجسد:
الكثير من أسماء الأعضاء، التي وردت في الكتاب المقدس لم تكتب لتفهم بطريقة حرفية، ويستحيل فهمها في سياق نصوصها بالأسلوب الحرفي، ولكن المعنى يستقيم، ويفهم بوضوح عندما نأخذ المدلول الروحي لها. إن الكتاب المقدس كتاب روحي، وقد كتبت فيه مثل هذه الأسماء لأعضاء الجسد لتفهم بمدلولاتها ومعانيها الروحية، وما يؤكد ذلك قول الكتاب: "الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضًا، لاَ بِأَقْوَال تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ" (1كو2: 13). فيما يلي نذكر بعضًا من هذه المدلولات، والمعاني على سبيل المثال لتفادي الإطالة في الحديث:
â—ڈالعينين... تشير العينان روحيًا للإيمان، والبصيرة الروحية السليمة كقول الكتاب:"
سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا" (مت6: 22).
â—ڈالرأس... يشير الرأس إلى القيادة الروحية الواعية، وهو المسؤؤل عن كيان الإنسان أو الكنيسة، التي هي الجسد كقول الكتاب: "مِثْلُ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ عَلَى الرَّأْسِ، النَّازِلِ عَلَى اللِّحْيَةِ، لِحْيَةِ هَارُونَ، النَّازِلِ إِلَى طَرَفِ ثِيَابِهِ" (مز133: 2).
â—ڈالأقدام... تشير الأقدام لعمل الخير عمومًا كقول الكتاب "... مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ" (رو10: 15). وتشير الأقدام أيضًا للسعي كقوله: "كُلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ، كَمَا كَلَّمْتُ مُوسَى" (يش1: 3). وللخضوع كقوله: "يُخْضِعُ الشُّعُوبَ تَحْتَنَا، وَالأُمَمَ تَحْتَ أَقْدَامِنَا" (مز47: 3).
â—ڈالعظام.. تشير العظام للثبات خصوصًا في التجارب كقوله: "يَحْفَظُ جَمِيعَ عِظَامِهِ. وَاحِدٌ مِنْهَا لاَ يَنْكَسِرُ" (مز34: 20).
â—ڈالثديين.. تشير الثديين للرعاية، والاهتمام الروحي، كما أن الأم تهتم بأطفالها، هكذا الكنيسة كقوله: "لِكَيْ تَرْضَعُوا وَتَشْبَعُوا مِنْ ثَدْيِ تَعْزِيَاتِهَا، لِكَيْ تَعْصِرُوا وَتَتَلَذَّذُوا مِنْ دِرَّةِ مَجْدِهَا" (إش66: 11). وتشير أيضًا للنضج الروحي كقوله: "لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ. فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟" (نش8: 8).
خامسًا: شخصيات السفر:
هذا السفر ليس سفر خيالي، لأن شخصيات السفر حقيقية ومعروفة من خلال أسفار الكتاب المقدس، الذي يمثل وحدة واحدة (من سفر التكوين حتى سفر الرؤيا). لقد كشف الوحي الإلهي في أسفاره عن هذه شخصيات السفر، وهذا ما نوضحه فيما يلي:
â—ڈالعريس: فسر الرب ماذا المقصود بقوله العريس حين قال عن نفسه: "وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ" (لو5: 35). وأكد القديس يوحنا المعمدان أن السيد المسيح هو العريس قائلًا: "مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا..." (يو3: 29).
â—ڈ العروس: وهي الكنيسة الجامعة، أو المؤمن كعضو حيّ فيها، وتسمى "شولميث"، والكلمة هي مؤنث اسم سليمان، الذي يرمز للمسيح له المجد، وبهذا تكون العروس أخذت طبيعة عريسها ملك السلام. لقد أكد الوحي الإلهي أن العروس هي الكنيسة قائلًا: "ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتِ الْمَمْلُوَّةِ مِنَ السَّبْعِ الضَّرَبَاتِ الأَخِيرَةِ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلًا: "هَلُمَّ فَأُرِيَكَ الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْخَرُوفِ" (رؤ21: 9).
â—ڈ العذارى: نفوس البشر، التي خلقت بالله، ولأجله ويجب عليها أن تستعد لملاقاته كقول الرب يسوع في مثل العذارى الحكيمات، والجاهلات: "حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ" (مت25: 1).
â—ڈ بنات أورشليم: ويمثلن الأمة اليهودية، التي كان يليق بها أن تكرز بالمسيا المخلص، لكنها أصبحت في حاجة ماسة للتوبة، والرجوع عن عصيانها، لتنجو من الويلات كقول الكتاب: "فَالْتَفَتَ إِلَيْهِنَّ يَسُوعُ وَقَالَ:"يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ" (لو23: 28).
â—ڈأصدقاء العريس: هم خدام الله من الملائكة، والبشر كقول الكتاب: "مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ" (يو3: 29).
â—ڈالأخت الصغيرة: وهي تمثل البشرية المحتاجة من يخدمها، ويرعاها في المسيح يسوع. كقول الكتاب: "اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (مت18: 10).
â—ڈالحرس الطائف: خدام يوجهون النفس، أو هم أدوات للتأديب يستخدمهم الرب كقول الكتاب: "وَيَكُونُونَ خُدَّامًا فِي مَقْدِسِي، حُرَّاسَ أَبْوَابِ الْبَيْتِ وَخُدَّامَ الْبَيْتِ. هُمْ يَذْبَحُونَ الْمُحْرَقَةَ وَالذَّبِيحَةَ لِلشَّعْبِ، وَهُمْ يَقِفُونَ أَمَامَهُمْ لِيَخْدِمُوهُمْ" (حز44: 11).
الاستنتاج:
إن قراءة هذا السفر تستلزم ممن يقرأه معرفة روحية عميقة، وإلمام بالكثير من أسفار الكتاب الأخرى. أنه سفر الناضجين روحيًا الذين لهم الحواس الروحية المدربة، ولهذا يمكنهم إدراك عظمة، وروعة، وعمق، وروحانية هذا السفر