طقس اختيار الحمل
طقس اختيار الحمل في الكنيسة القبطية يحمل كثير من المفاهيم اللاهوتية والخبرة الروحية واللمسات السماوية ما تعجز اللغة أن تحمله إلينا. فهو يحدثنا عن أحداث الخلاص ممتزجة مع بعضها البعض وكأنها حدث واحد، خضع للزمن وهو فوق كل حد زمني. ففي هذا الطقس تدخل النفس مع السيد المسيح لتراه في مزوده، تتأمل تجسده وتتفهم رسالته. تعود فتحمله مع سمعان الشيخ في الهيكل لترى فيه قد تحققت نبوات الأنبياء. ثم تعود فتنطلق تجاه الأردن تنظر عماده وتذكر علمه الذبيحي لحسابها، وتنسحب إلى الجلجثة لتنعم بالصليب، ثم تدخل قبره لتختبر قوة قيامته!
ظ، – المسيح حمل الله
يحضر الشماس القرابين، أي الخبز والخمر، ثم يضع الكاهن الخادم يديه على القرابين كي يختار الحمل، أي الخبز الذي يتحول إلى جسد الرب، وقد سُمي حملًا كما لقبه الكتاب المقدس، إذ يقول[246]:
"هوذا حمل الله الذي يرفع خطايا العالم"،
"بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح".
"قائلين بصوت عظيم: مستحق هو الخروف "الحمل" المذبوح".
يختار الكاهن حملًا واحدًا من بين ظ£ أو ظ¥ أو ظ§ أو ظ© خبزات، وذلك كما قيل في سفر نشيد الأناشيد "مختار بين ربوة" وهو بكر كل خليقة ذبيحة عن كل أخوته.
أ. أما اختياره من بين ظ£ خبزات فيشير إلى تجسد الابن أحد الثالوث الأقدس متممًا التدبير الخلاصي.
ب. رقم ظ¥ يشير إلى أنواع ذبائح العهد القديم الخمس والتي هي رموز لذبيحة السيد المسيح الفريدة[247].
ج. رقم ظ§ يشير إلى الذبائح السابقة مضافًا إليها عصفوري تطهير الأرض
وأيضًا يشير إلى أسرار الكنيسة السبع[248].
وتذكرنا بكلمات المسيح السبع على الصليب.
ورقم ظ§ يشير إلى الكمال.
نعود إلى طقس اختيار الحمل حيث يضع الكاهن يديه على القرابين على شكل صليب. وهكذا ينقلنا إلى كاهن العهد القديم حيث كان يضع يديه على الذبيحة والخاطئ، وكأن الخطية قد انتقلت إلى الذبيحة عوض الخاطئ فتأخذ حكم الموت. لقد أحنى الرب رأسه للصليب حتى يضع الكل أيديهم عليه ليحمل في جسده أجرة خطايانا عنا.
في هذه اللحظات لم يعرف الشعب أن يقدم شيئًا سوى طلبه رحمة الله مكررًا كلمة "كيرياليسون" أي "يا رب ارحم" واحد وأربعين مرّة.
إذ ترى الكنيسة عريسها "جعل نفسه ذبيحة إثم" عنها تطلب أن يعلن رحمته في حياة كل عضو فيها.
يرشم الكاهن الخبز والخمر ثلاث دفعات بالصليب باسم الثالوث القدوس قبلما يحملهما إلى المذبح، معلنًا أن الرب قبل الصليب بإرادته مقدمًا... أي حمل الصليب في داخله قبلما يذهب إلى الجلجثة "المذبح".
وبعد اختيار "الحمل" يرشمه بالخمر بأصبعه مع بقية القرابين. رشم الحمل بالخمر إعلان أن هذا الخمر يتحول إلى دم السيد المسيح الذي له ذات الجسد، أما رشم بقية القرابين فيكشف عن تقديس الكنيسة أخوته- بدمه.
ظ¢ – بين الميلاد والعماد
في طقس اختيار الحمل يبدأ الكاهن بما يشير إلى عماد الرب، إذ يضع الحمل على يده ويرشمه بالماء قائلًا: "أعط يا رب أن تكون هذه الذبيحة مقبولة عن خطاياي وجهالات شعبك".
فقبلما يبدأ بالطقس الذي يشير إلى الميلاد يبدأ بالعماد.
يرفع الكاهن قلبه تجاه نهر الأردن ليرى "المسيا" قد حمل كنسيته معه سريًا لتنال فيه البنوة لله... فيصل الكاهن سرًّا من أجل كل المسيحيين ومن أجل عائلته: من أجل آبائه وأخوته وأولاده الروحيين والجسديين، ومن أجل ضعفه طالبًا أن يحفظ الله ثوب المعمودية بلا عيب.
والجميل في طقس الكنيسة أن الكاهن يتدرب على روح التواضع، فيذوب قلبه حبًا للكنيسة مصليًا من أجل الجميع وأخيرًا من أجل نفسه قائلًا: "اذكر يا رب ضعفي أنا المسكين واغفر لي خطاياه الكثيرة".
بعد هذا يلف الكاهن "الحمل" في "لفافة" كتانية بيضاء وهو يصلي سرًا أواشي سلام الكنيسة وآبائها واجتماعاتها.
واللفافة الكتانية تذكرنا بالأقمطة التي تقمط بها الرب في المزود، وفي نفس الوقت تذكرنا بالأكفان التي استخدمت في تكفين جسده.
ماذا يطلب الكاهن وهو في المزود أو داخل القبر المقدس إلاَّ أن يذكر سلام الكنيسة وآبائها واجتماعاتها، إذ هي "جسد الرب المقدس" الذي يليق به أن يسلك كما سلك الرأس عينه؟!
أما استخدام الكتان الأبيض فهو يشير إلى القداسة والنقاوة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لهذا كانت ملابس كهنة العهد القديم والأنبياء من الكتان[249]، ودانيال النبي شاهد الرب في رؤياه ملتحفًا بثوبٍ من الكتان[250]، والسيد المسيح كُفن بكتان نقي[251].
مع سمعان الشيخ
يرفع الكاهن "الحمل" أمام جبهته وقد غطاه باللفافة الكتانية ومعه الصليب، ثم يدور حول المذبح مرة واحدة، وكأنه حمل الطفل يسوع المسيح مع سمعان الشيخ[252] لا على ذراعيه بل في قلبه وفكره... يضعه نصب عينيه ويجعله تاجه وإكليله! أما الشماس فيسير خلفه حاملًا قارورة الخمر ومعه شمعة مضيئة، إذ بدم المسيح استنارت المسكونة وعرفت خلاصها، وصار لها الدالة أن تدخل أقداس الله.
في نهاية الدورة يقف الكاهن عند الباب الملكي، والحمل والصليب عند جبهته، ووجهه تجاه الشعب الذين يحنون رؤوسهم بينما يعلن الكاهن بطريقة سرية أن ذهن الكنيسة مشغول بالتجسد الإلهي (الحمل) والصلب (الصليب) معطيًا المجد للثالوث القدوس قائلًا:
"مجدًا وإكرامًا، إكرامًا ومجدًا للثالوث الأقدس...
سلامًا وبنيانًا لكنيسة الله...
اذكر يا رب الذين قدموا لك هذه القرابين، والذين قدمت عنهم، والذين قدمت بواسطتهم، أعطهم كلهم الأجر السمائي".
أمام هذه الصورة المفرحة التي يختلط فيها التجسد والصليب كعمل خلاصي واحد يترنم الشعب قائلًا[253]:
"هليلوا، هذا هو اليوم الذي صنعه الرب،
لنفرح ولنبتهج فيه، يا رب خلصنا، يا رب سهل حياتنا، مبارك الآتي باسم الرب، هليلويا".
هو يوم مفرح يوم ميلاد الرب أو يوم صلبه... يوم أعلن الرب حبه الخلاصي لنا، مسهلًا لنا سبيله الذي كنا نظنه صعبًا ومستحيلًا، فاتحًا لنا طريق الأبدية! مبارك هذا الذي جاءنا طريقًا يدخل بنا إلى مجده!
هذا ما يترنم به الشعب طوال العام، أما في أيام الصوم فيسبحون قائلين[254]
"هليلويا، إن فكر الإنسان يعترف لك يا رب، وبقية الفكر تعيد لك الذبائح والتقدمات اقبلها إليك، هليلويا".
فف التسبحة الأولى نذكر يوم ميلاده وصلبه، أما في التسبحة السابقة فيعترف الإنسان بعمل الله ومحبته طالبًا أن يقبل الله الذبيحة المقدسة وتقدمة الصوم المقدس من شعبه.
أما في أيام الصوم الكبير (دون الآحاد) وثلاثة أيام نينوى فيترنمون قائلين[255]:
"هليلويا، ادخل إلى مذبح الله، تجاه وجه الله، الذي يفرح شبابي، اعترف لك يا الله بقيثارة، هليلويا.
اذكر يا رب داود وكل دعته، هليلويا".
ففي هذه الأيام المقدسة إذ يصلي القداس الإلهية قبيل نهايته، يعلنون فرحهم بالرب -بالرغم من صومهم وتذللهم- لأنه يدخل بهم إلى مذبحه وينعمون بوجهه، يفرح شبابهم بنعمته العاملة في كنيسته.
رشم القرابين
يحني الكاهن رأسه لإخوته الكهنة قائلًا لهم "باركوا"، فيحنون رؤوسهم له قائلين "أنت مبارك". ثم يرشم الحمل والخمر والماء بالصليب ثلاث دفعات باسم الثالوث القدوس قائلًا:
"باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، مبارك الله الآب ضابط الكل. آمين".
"مبارك ابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا. آمين".
"مبارك الروح القدس البارقليط (المعزي) آمين".
بهذا تكون الملابس الكهنوتية وأواني الخدمة والقرابين الكل قد رشم باسم الثالوث القدوس.
يضع الكاهن "الحمل" في الصينية وتحتها لفافة كتانية وهو يقول سرًا: "مجدًا وكرامة، كرامة ومجدًا للثالوث القدوس: الآب والابن والروح القدس. الآن..." تم يصب الخمر في الكأس ويمزجه بحوالي الثلث ماء.
أما الشماس ففي كل رشم يقول "آمين" بعدها يترنم قائلًا:
"واحد هو الآب القدوس،
واحد هو الابن القدوس،
واحد هو الروح القدس،
آمين.
مبارك الرب الإله إلى الأبد آمين،
يا جميع الأمم باركوا الرب،
ولتباركه جميع الشعوب،
لأن رحمته ثبتت علينا،
وحق الرب يدوم إلى الأبد،
آمين هليلويا".
عندئذ يسبح الشعب بتسبحة المجدلة "الذوكصولوجية".
"المجد للآب والابن الروح والقدس،
الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين".
وكأن الكاهن والشماس والشعب، الكل قدموا مجدًا للثالوث القدوس الذي فهمناه خلال المخلص المعلن لنا في هذه الذبيحة الحقيقية.[/b]