الاستعداد في تقدمة الحمل
دعوة إلهية
خدمة الافخارستيا هي رحلة فريدة في نوعها يبدأها المؤمن منذ لحظة خروجه من بيته نحو الكنيسة، مسلما نفسه تحت قيادة روح الله القدوس كي يمسك به ويسنده ويحتضنه ويرتفع به على سلم السماء، أي خلال صليب ربنا يسوع المسيح، خطوة بعد خطوة، حتى يدخل به إلى أعماق الله، فيلتقي بالثالوث القدوس فتفرح به النفس ولا تريد مفارقته، إذ يقول القديس بطرس الرسول[227]: "جيد يا رب أن نكون هذا هنا".
حقًا أيها العزيز إن خدمة الافخارستيا هي رحيل القلب لا عن البيت أو العالم بل عن مشاغله. هي خروج عن الاهتمامات الزمنية هاربًا نحو كنزه الحق "يسوع المسيح" ليستقر فيه!
الخدمة الإفخارستيا هي دعوة إلهية موجهه للكنيسة لكي تدخل فرح سيدها. وفي نفس الوقت هي استجابة الكنيسة للدعوة فتتبع عريسها في صعوده إلى أبيه، وتجعل من هذا الصعود مصيرها الأبدي!
أقول، يا لها من ساعات مرهبة، فيها تتحول الكنيسة نحو السماء لكي تقف في حضرة الله مع الشاروبيم والسيرافيم وكل الطغمات السمائية، تقدم للآب مشتهى قلبه، ذبيحة ابنه الحبيب، فداء عن العالم كله!
من أجل هذا فإنني لا أجد ما أتحدث به عن ضرورة استعدادنا -ككهنة أو شعب- للمثول في حضرة هذه الذبيحة في لحظات التقديس، إنما يكفي أن نتذكر أننا في حضرة جسد الرب، الذي لا يفارق لاهوته ناسوته لحظة واحدة أو طرفة عين... غير أنني أجد نفسي ملتزمًا أن أتحدث قليلًا عن بعض الاستعدادات الروحية والجسدية اللائقة:
1. يليق بنا أن نخرج من بيوتنا مع أبينا إبراهيم لنذهب إلى الأرض التي يرينا إياها، أي إلى مذبحه الأقدس. هنا لا نتقبل عهدًا رمزيًا ولا نرث الأرض التي تطأها أقدامنا بل نقبل دم ابن الله عهدًا جديدًا، ونرث ملكوتًا أبديًا، وننعم بما تشتهي الملائكة أن تطلع إليه.
هكذا يليق بنا أن نترك وراءنا "أرضنا وعشيرتنا وبيت أبينا"، طاردين من القلب والذاكرة كل اهتمام زمني لكي تتفتح أحاسيسنا الداخلية لقبول كل فكر روحي ومعاينة الرؤى السماوية، ويتسع القلب لمحبة العالم كله في المسيح يسوع.
ما أجمل أن نصلي قبل خروجنا من بيوتنا وأثناء سيرنا في الطريق إلى الكنيسة طالبين من الله أن يطرد عنا كل تشتيت الفكر لكي يتجه كياننا الروحي -بفكر مضبوط- نحو الله.
2. هذا اللقاء الحق، حول مذبح الرب، يحتاج منا لا إلى استعدادات خاصة قبل خروجنا من منازلنا، بل نقدم حياتنا كلها طوال الأسبوع كخطوة تدفعنا تجاه الجلجثة المقدسة حتى نأكل فصحنا الحقيقي الذي ذُبح عنا.
فإن كان الاحتفال السنوي للفصح القديم كان يستوجب منهم البقاء أسبوعًا كاملًا يعيّدونه دون أن يدخل خمير إلى بيوتهم بل يأكلون فطيرًا، فإنه يلزمنا اليوم أن نعيّد بالمسيح فصحنا في بدء كل أسبوع وتبقى كل أيام غربتنا لا نسمح لخمير الشر أن يقترب إلى حياتنا الداخلية بل نتقوت بفطير الخلاص والحق. وكما يقول الرسول بولس: "نقوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجينًا جديدًا كما أنتم فطير، لأن فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا، إذًا لنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث بل بفطير الإخلاص والحق".
هذا ما يلتزم به كل مؤمن فماذا نقول عن الكاهن؟!
3. يليق بنا أن نبكر إلى الرب كما بكر إبراهيم صباحًا ليقدم ابنه الحبيب إسحق محرقة للرب، ولنسرع إلى بيت الرب بغير تأخير فإنه في انتظارنا وقد أعطانا موعدًا. حقًا هو طويل الأناة ينتظرنا حتى إذا تأخرنا لكن بهذا نُحسب مستهترين.
4. إذ ندخل بيت الرب نصعد مع موسى النبي لا إلى الجبل لنتسلم شريعة مكتوبة على ألواحٍ حجرية، بل ندخل بيته لنتناول جسد الرب ودمه المحيين، ونبقى هناك -مهما طال بنا الوقت- حتى يأمرنا بالانصراف (صلاة البركة والتسريح)، حتى لا نهين الجالس معنا.
1. لقد دخلت الكنيسة يا إنسان وتأهلت أن تكون في صحبة المسيح، فلا تخرج منها قبل أن يُسمح لك، وإلاَّ فإنك تُسأل عن السبب وتُحسب هاربًا[228].
القديس يوحنا الذهبي الفم
2. لا يخرج أحد من الكنيسة بلا ضرورة بعد قراءة الإنجيل المقدس إلاَّ بعد رفع القربان وبركة الكاهن والتسريح.
بس ٩٧
5. جاء في قوانين الكنيسة أنه يليق بنا أن نصلي برهبة وخوف لا بعجب ولذة[229] وأن نقف في الكنيسة بهدوءٍ وعفاف لسماع كلمة الله[230]، وألاَّ يتكلم أحد في الكنيسة[231]...