تحقيق القضاء والعدالة الإلهية:
أعلن الله قداسته من خلال الناموس، وأحكامه المُعطاة لشعبه. لقد كان شعب إسرائيل هم المنفذ والمطيع لأحكامه، أما الله فكان هو الملك الحقيقي والحاكم والقاضي الفعلي، الذي يحكم، ويغضب على شر شعبه كقوله: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقْضِي عَلَيْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، كُلِّ وَاحِدٍ كَطُرُقِهِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. تُوبُوا وَارْجِعُوا عَنْ كُلِّ مَعَاصِيكُمْ، وَلاَ يَكُونُ لَكُمُ الإِثْمُ مَهْلَكَةً" (حز18: 30). وقوله أيضًا عن إدانته، وقضائه على أمم وشعوب الأرض " بَلَغَ الضَّجِيجُ إِلَى أَطْرَافِ الأَرْضِ، لأَنَّ لِلرَّبِّ خُصُومَةً مَعَ الشُّعُوبِ. هُوَ يُحَاكِمُ كُلَّ ذِي جَسَدٍ. يَدْفَعُ الأَشْرَارَ لِلسَّيْفِ، يَقُولُ الرَّبُّ" (إر25: 31).
الإله القوي لابد أن يعلن عن ذاته:
لم تكن الحروب في تلك الأزمنة حروبًا بين شعوب وشعوب فقط، لكنها كانت بالأحرى حروبًا بين آلهة تلك الشعوب وبعضها؛ بغرض إظهار وإعلان قوتها وعظمتها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إن حرب الفلسطينيين مع بني إسرائيل في زمن عالي الكاهن، واستيلائهم على تابوت عهد الرب ووضعه في بيت إلههم داجون بغرض تمجيده يؤكد هذا الاعتقاد، ولكن الرب أظهر مجده، وقوته كما سجله الوحي الإلهي القائل: "وَأَخَذَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ تَابُوتَ اللهِ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى بَيْتِ دَاجُونَ، وَأَقَامُوهُ بِقُرْبِ دَاجُونَ. وَبَكَّرَ الأَشْدُودِيُّونَ فِي الْغَدِ وَإِذَا بِدَاجُونَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ، فَأَخَذُوا دَاجُونَ وَأَقَامُوهُ فِي مَكَانِهِ. وَبَكَّرُوا صَبَاحًا فِي الْغَدِ وَإِذَا بِدَاجُونَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الأَرْضِ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ، وَرَأْسُ دَاجُونَ وَيَدَاهُ مَقْطُوعَةٌ عَلَى الْعَتَبَةِ. بَقِيَ بَدَنُ السَّمَكَةِ فَقَطْ." (1صم5: 2- 4).
الإعلان العظيم (قداسة الله):
لابد أن يعلن الإله العظيم القدير عن ذاته، وكيف يختفي نوره العظيم كقول الرب: "لَيْسَ أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجًا وَيَضَعُهُ فِي خِفْيَةٍ، وَلاَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ، لِكَيْ يَنْظُرَ الدَّاخِلُونَ النُّورَ" (لو11: 33).
لقد أعلن الله عن ذاته بعدما شق البحر الأحمر، وخلص إسرائيل شعبه وأخرجهم من أرض مصر، وأعطاهم الناموس... وسار بهم أربعين سنة في البرية يضيء لهم ليلًا بعمود نار، ونهارًا يظللهم بعمود سحاب.
أدبهم الله في البرية وأعلن لهم قداسته، وهكذا عُرف الرب من خلال قيادته لشعبه، وعرفت الشعوب قوته وقضاءه بطرد الأشرار بعد أن انتشرت أخبارهم، وأذيعت في الممالك المجاورة. وقد وصف حبقوق النبي مصاحبة الله لبني إسرائيل في خروجهم العظيم من أرض كنعان قائلا: "اَللهُ جَاءَ مِنْ تِيمَانَ، وَالْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. سِلاَهْ. جَلاَلُهُ غَطَّى السَّمَاوَاتِ، وَالأَرْضُ امْتَلأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ... قُدَّامَهُ ذَهَبَ الْوَبَأُ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْحُمَّى. وَقَفَ وَقَاسَ الأَرْضَ. نَظَرَ فَرَجَفَ الأُمَمُ وَدُكَّتِ الْجِبَالُ الدَّهْرِيَّةُ..." (حب3: 3- 6).
إن تلك الأحداث، التي يعتبر البعض أنها تعبر عن صرامة الله، هي في الحقيقة إعلان لازم عن رهبة الله، وقدسيته، وعدم رضاه بالشر إطلاقًا. وقد أظهرت حاجة البشرية لنعمة المخلص الرب يسوع، والتي فاز بها طالبوه.
رابعًا: أسباب تتعلق بالشعوب الشريرة:
فقدان الرجاء في التوبة والإصلاح:
خضعت وكرست هذه الشعوب (جميع أفرادها) كل طاقتها لخدمة الشر تحت قيادة آلهة شريرة كقول الكتاب: "وَفَسَدَتِ الأَرْضُ أَمَامَ اللهِ، وَامْتَلأَتِ الأَرْضُ ظُلْمًا. وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ" (تك6: 11- 12).
لقد توغلت تلك الشعوب في صنع الشر، حتى صار الشر منهجًا طبيعيًّا لحياتها، ولم تعرف معنى الصلاح. وقد صار وجود تلك الشعوب الشريرة في أرض الأحياء ضررًا، ولا معنى له بسبب فسادهم التام. ومع هذا قبل الله كل من قبله، وآمن به مثل راحاب الزانية وأسرتها. وتُرى ماذا كان سيحدث لو فعل كل سكان أريحا كما فعلت راحاب الزانية، ورفضوا الخضوع لتلك العبادات البغيضة، وآمنوا بإله إسرائيل؟!! بالطبع لنجوا جميعهم كما نجت راحاب هي ومن لها، أما وأنهم قد أصروا على ضلالهم؛ فقد أمر الله بإبادتهم لعل مخافة الله تسود باقي البلاد المحيطة بهم.
منع عابدي الشر من فرض شريعتهم الفاسدة:
لقد كان سكنى شعب الله مع هذه الشعوب الشريرة دون انتقال عدوى الشر لهم أمرًا مستحيلًا، ولهذا أمر الله شعبه بمحاربتهم لمنعهم من فرض شريعتهم الفاسدة على سكان الأرض. إن محو العبادات الفاسدة من الأرض أمرًا مهمًّا؛ لضمان حياة الناس وخلاصهم.
لقد اهتم الله بقداسة مدينة السامرة حتى بعد سبي أهلها، وقد علم الله الشعوب الغريبة، التي أسكنها ملك أشور السامرة بعدما سبى سكانها وجوب اتقائه، لأنه هو إله الأرض، وله السلطان عليها وعلى سكانها.
وعندما خرجت السباع لتقتلهم بسبب شرورهم؛ أرسلوا رسلًا لملك أشور يقولون له: "...إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ سَبَيْتَهُمْ وَأَسْكَنْتَهُمْ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ، لاَ يَعْرِفُونَ قَضَاءَ إِلهِ الأَرْضِ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمِ السِّبَاعَ فَهِيَ تَقْتُلُهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ قَضَاءَ إِلهِ الأَرْضِ». فَأَمَرَ مَلِكُ أشور قائلًا: «ابْعَثُوا إِلَى هُنَاكَ وَاحِدًا مِنَ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ سَبَيْتُمُوهُمْ مِنْ هُنَاكَ فَيَذْهَبَ وَيَسْكُنَ هُنَاكَ، وَيُعَلِّمَهُمْ قَضَاءَ إِلهِ الأَرْضِ». فَأَتَى وَاحِدٌ مِنَ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ سَبَوْهُمْ مِنَ السَّامِرَةِ، وَسَكَنَ فِي بَيْتِ إِيلَ وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يَتَّقُونَ الرَّبَّ" (مل17: 26- 28).