الآلهة الوثنية تشجع على العنف والظلم:
لعبت هذه الآلهة دورًا رئيسيًا في إثارة الحروب، فقد حاربت الممالك القديمة جيرانها ثقة منها في قوة آلهتها التي لا تغلب، وأيضًا اعتقادًا منها بضعف آلهة خصومها، فأقدمت على مقاتلة جيرانها بجرأة. وما يؤكد ذلك قول الكتاب عن اعتقاد شعب آرام بعدم قدرة إله إسرائيل على قتالهم في الأماكن المنخفضة: "وَأَمَّا عَبِيدُ مَلِكِ أَرَامَ فَقَالُوا لَهُ: «إِنَّ آلِهَتَهُمْ آلِهَةُ جِبَال، لِذلِكَ قَوُوا عَلَيْنَا. وَلكِنْ إِذَا حَارَبْنَاهُمْ فِي السَّهْلِ فَإِنَّنَا نَقْوَى عَلَيْهِمْ" (1مل20: 23).
إظهار ضعف تلك الآلهة:
لقد كانت النصرة في هذه الحروب دليلًا على عظمة الإله القوي على الإله الضعيف، وقد تعامل الله مع الشعوب المتمسكة بشرور آلهتها من هذا المنطلق، مظهرًا عظمته وقوته وأيضًا قداسته، وعدم رضاه عن شرور هذه الأمم. وقد سجل الكتاب عظمة الرب على داجون إله الفلسطينيين بقوله: "فَثَقُلَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَى الأَشْدُودِيِّينَ، وَأَخْرَبَهُمْ وَضَرَبَهُمْ بِالْبَوَاسِيرِ فِي أَشْدُودَ وَتُخُومِهَا. وَلَمَّا رَأَى أَهْلُ أَشْدُودَ الأَمْرَ كَذلِكَ قَالُوا: «لاَ يَمْكُثُ تَابُوتُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ عِنْدَنَا لأَنَّ يَدَهُ قَدْ قَسَتْ عَلَيْنَا وَعَلَى دَاجُونَ إِلهِنَا" (1صم5: 6- 7).
لقد أظهر قدرته على كل الأشياء بهزيمة الآراميين، الذين اعتقدوا بعدم قدرة إله إسرائيل على هزيمتهم في الأودية كقول الكتاب: "فَتَقَدَّمَ رَجُلُ اللهِ وَكَلَّمَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ الأَرَامِيِّينَ قَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ إِلهُ جِبَال وَلَيْسَ إِلهَ أَوْدِيَةٍ، أَدْفَعُ كُلَّ هذَا الْجُمْهُورِ الْعَظِيمِ لِيَدِكَ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ" (1مل20: 28).
ثالثًا: مبررات للحرب تتعلق بالله القدوس صاحب السلطان:
إعلان الله سلطانه وملكه:
ساد نظام الحكم الثيؤقراطي (الحكم باسم الله أو الدين) الممالك القديمة، وقد حكم الله أيضًا شعب بني إسرائيل في عصور العهد القديم به. فقد كان الله هو الملك أو الحاكم الفعلي لشعبه، الذي يقضي لهم وفق شريعته، وما يؤكد ذلك قوله لصموئيل النبي عندما طالبه شعب إسرائيل بتنصيب ملك عليهم: "... اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك، لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم" (1صم8: 6- 7).
لعب الأنبياء والقضاة والملوك، الذين أمر الله بتنصيبهم من سبط يهوذا دور المنفذ لأوامر الله وأحكامه، لكن يخطئ من يظن أن سلطان الله في تلك العصور كان محدودًا وسط شعب إسرائيل فقط؛ لأن سلطانه الإلهي ينبغي أن يشمل جميع ممالك الأرض كلها كقول الكتاب: "لأَنَّ الرَّبَّ عَلِيٌّ مَخُوفٌ، مَلِكٌ كَبِيرٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ." (مز47: 2). إن أحكام الله بمعاقبة شعبه، أو بطرد ومحاربة الشعوب الشريرة، التي أفسدت مجتمعاتها هي من صميم اختصاص الله كملك للأرض كلها.
تحقيق سلطان الله على الأرض كلها:
اعتقدت الشعوب الوثنية كل منها بأحقية ملكية إلهها للأرض؛ اعتقادًا منها بقوة وسلطان آلهتها، وهكذا أيضًا آمن شعب الله بقوة الله وسلطانه على الأرض كلها ومن عليها، ذلك لأنه خالق السماوات والأرض. لقد أعلن يفتاح الجلعادي ذلك لملك بني عمون قائلاُ له: "وَالآنَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ قَدْ طَرَدَ الأموريين مِنْ أَمَامِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. أَفَأَنْتَ تَمْتَلِكُهُ؟ أَلَيْسَ مَا يُمَلِّكُكَ إِيَّاهُ كَمُوشُ إِلهُكَ تَمْتَلِكُ؟ وَجَمِيعُ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ إِلهُنَا مِنْ أَمَامِنَا فَإِيَّاهُمْ نَمْتَلِكُ" (قض11: 23- 24).
· لقد أكد الله سلطانه على الأرض كلها؛ بطرده الأشرار من الأرض، وتمليكه الأرض لمن يشاء حسب إرادته، لذلك فقد أجاب الله اليهود المتذمرين على عقابه لهم بسبب طرده لهم من أرضهم، وسبي نبوخذنصر ملك بابل لهم، وتشردهم إلى أرض غريبة قائلًا: "لِذلِكَ قُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: تَأْكُلُونَ بِالدَّمِ وَتَرْفَعُونَ أَعْيُنَكُمْ إِلَى أَصْنَامِكُمْ وَتَسْفِكُونَ الدَّمَ، أَفَتَرِثُونَ الأَرْضَ؟" (حز33: 25).