عرض مشاركة واحدة
قديم 05 - 12 - 2021, 01:44 AM   رقم المشاركة : ( 4 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,621

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كيف يأمر الله بتحريم أريحا أي: بقتل كل إنسان وحيوان، وتدمير الممتلكات، ولماذا يأمر الله بقتل عاخ



الشفقة المدمرة:
لقد أمر الله شعبه بعدم الشفقة على الشر؛ لأن هناك أمورًا لا تجوز فيها الشفقة، إن من يصر على صنع الشر لا يستحق الشفقة كقول الكتاب: "مَنْ يَرْحَمُ رَاقِيًا قَدْ لَدَغَتْهُ الْحَيَّةُ؟ أَوْ يُشْفِقُ عَلَى الَّذِينَ يَدْنُونَ مِنَ الْوُحُوشِ؟ هكَذَا الَّذِي يُسَايِرُ الرَّجُلَ الْخَاطِئَ، يَمْتَزِجُ بِخَطَايَاهُ." (بن سيراخ12: 13)... ذلك، لأن من يشفق على الأشرار يتسبب في أذى نفسه كقول الكتاب: ”إِنْ لَمْ تَظْلِمُوا الْغَرِيبَ وَالْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ، وَلَمْ تَسْفِكُوا دَمًا زَكِيًّا فِي هذَا الْمَوْضِعِ، وَلَمْ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لأَذَائِكُمْ" (إر7: 6).

لقد اعتبر الكتاب الحياة وسط الشر شركٌ مهلكٌ قائلًا: "وَتَأْكُلُ كُلَّ الشُّعُوبِ الَّذِينَ الرَّبُّ إِلهُكَ يَدْفَعُ إِلَيْكَ. لاَ تُشْفِقْ عَيْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَعْبُدْ آلِهَتَهُمْ، لأَنَّ ذلِكَ شَرَكٌ لَكَ" (تث7: 16).

S

ثالثًا: خطورة الحرام:
إن رسالة الله للبشر، ولشعبه بالأخص من وراء تحريم أفعال أو أشياء بعينها هي الحذر الشديد من الخطية والشر المهلك. لقد تعامل الله بصرامة مع من لا يحرم ما حرمه الله، لعل الناس تدرك مدى الجرم الشديد من وراء خطايا معينة، مثل عبادة الأوثان المقيتة بكل ما تضمنته هذه العبادات من نجاسات، وعنف، وظلم.

لقد أظهر الله قداسته، وغضبه الشديد تجاه شرور مدينة أريحا، فأمر بإبادة (تحريم) المدينة بكل ما فيها، لكن عاخان بن كرمي خالف أوامر الله، وأخذ من الحرام لنفسه، واختلس بعضًا من الممتلكات... ولم تنتهِ الحادثة عند ذلك الحد، لكن الله تخلى عن شعبه، وسقط منهم في الحرب ستة وثلاثون رجلًا، وعندما صرخ يشوع النبي لله أعلمه بخيانة عاخان بن كرمي، ثم أمر الله بتحريمه هو أيضًا، وكل ما له. أظهر الله من خلال هذه الحادثة خطورة اشتهاء، واختلاس ما حرمه الله. إن حادثة موت عاخان بن كرمي هي من أوضح الصور لغضب الله القدوس على الشر، وعدم تهاونه معه.

وفيما يلي نشرح بشاعة خطية عاخان واستحقاقه للدينونة كمثال حي لخطورة الحرام:



رفض عاخان لحياة القداسة:
ليست خطية عاخان أخذ بعض المقتنيات، التي سَتُحْرَق، ولكن خطيته هي رفض القداسة. لقد أحب ما حرَّمه الله؛ أي تعدى على وصايا الله كما أوضح الله لنبيه يشوع قائلًا: "قَدْ أَخْطَأَ إِسْرَائِيلُ، بَلْ تَعَدَّوْا عَهْدِي الَّذِي أَمَرْتُهُمْ بِهِ، بَلْ أَخَذُوا مِنَ الْحَرَامِ، بَلْ سَرَقُوا، بَلْ أَنْكَرُوا، بَلْ وَضَعُوا فِي أَمْتِعَتِهِمْ" (يش7: 11). إن كل مَن يُسَر باختلاس ما حرمه الله يرفض القداسة؛ لأنه اشتاق، واشتهى الحرام كقول صموئيل النبي لشاول الملك، الذي أخذ هو أيضًا من الحرام: "وَأَرْسَلَكَ الرَّبُّ فِي طَرِيق وَقَالَ: اذْهَبْ وَحَرِّمِ الْخُطَاةَ عَمَالِيقَ وَحَارِبْهُمْ حَتَّى يَفْنَوْا؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ، بَلْ ثُرْتَ عَلَى الْغَنِيمَةِ وَعَمِلْتَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ؟" (1صم 15: 18- 19). لقد رفض يوسف الصديق أن يخطئ مع امرأة فوطيفار؛ لأن الله قد حرم ذلك فحسب له تصرفه هذا قداسة.



عدم طاعة الله:
عاخان بن كرمي هو أحد أفراد شعب إسرائيل، الذين صاروا شعبًا مقدسًا لله، ودخلوا في عهد قداسة معه، وصاروا جنودًا مخلصين طائعين له. لقد خلصهم الله، وأخرجهم بقوته العظيمة من عبودية فرعون، وحفظهم ورعاهم في القفر، وأدخلهم أرض كنعان، وأسلم أعداءهم لأيديهم، وأوصاهم بتحريم الأشرار. فهل يليق به -والرب ذاهب به ليملكه نصيبًا عظيمًا- أن يخالفه؟!!

إن الطاعة والخضوع هما مطلب الله من الإنسان، وهما أهم ما يمكن أن يقدمه الإنسان حبًّا وتقديرًا لله كقول صموئيل النبي لشاول الملك: "... هَلْ مَسَرَّةُ الرَّبِّ بِالْمُحْرَقَاتِ وَالذَّبَائِحِ كَمَا بِاسْتِمَاعِ صَوْتِ الرَّبِّ؟ هُوَذَا الاسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ، وَالإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ" (1صم15 22).



عدم توبة عاخان:
لم يشعر، ولم يعترف عاخان بخطيته، عندما انكسر جيش إسرائيل بسببه، وسقط منهم ستة وثلاثون رجلًا في الحرب، لقد أنكر عاخان، وأصر على عدم الاعتراف بخطيته، بعدما أمر يشوع الشعب بنزع الحرام من وسطهم كقول الرب: "قُمْ قَدِّسِ الشَّعْبَ وَقُلْ: تَقَدَّسُوا لِلْغَدِ. لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: فِي وَسَطِكَ حَرَامٌ يَا إِسْرَائِيلُ، فَلاَ تَتَمَكَّنُ لِلثُّبُوتِ أَمَامَ أَعْدَائِكَ حَتَّى تَنْزِعُوا الْحَرَامَ مِنْ وَسَطِكُمْ" (يش7: 13).

لقد تأنى الله على عاخان، ولم يعلن اسمه كخائن مباشرة، ولكنه أعلن اسم السبط، الذي ينتمي له الخائن، ثم العشيرة، ثم البيت الذي ينتمي له، وفي كل هذا لم يقدم عاخان توبة.


رابعًا: الحرام والتحريم من منظور العهد الجديد:


الحرام في العهد الجديد:
إن الله هو هو لا يتغير بمرور الزمن، وكلمته ثابتة، وما حرمه الله في العهد القديم مازال محرمًا في العهد الجديد. لقد جاء الرب يسوع لا لينقض الناموس، بل ليكمله كقوله الصادق: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُ" (مت5: 17- 18).

البعض من غير العارفين يظنون خطأ، أنه لا يوجد حرام في المسيحية، مستندين لقول معلمنا بولس الرسول: "كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي"، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي"، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي" (1كو10: 23). ولكن بمراجعة النص بدقة يتضح أن معلمنا بولس الرسول لا يقصد بكلامه أي أمر محرم على المؤمنين؛ بل موضوع الحديث منصب على ما يحل له أكله من لحوم قد تكون ذبحت للوثن، ولكنه لا يليق به، ولا يوافقه أن يأكل منها لئلا يعثر غيره (نرجو من القارئ العزيز مراجعة الشاهد السابق في سياقه).



مفهوم التحريم في المسيحية:
ترك الرب يسوع حكم شعوب الأرض لملوكها ورؤسائها، بعدما تحضرت الشعوب، وعرفت الشرائع، التي تمنع الظلم والفساد، وأصبح كل مجتمع يُضبط بالقوانين. لقد أثنى معلمنا بولس الرسول على عمل الحكام (الحكومات)، واعتبره خادم الله للصلاح قائلًا: "فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ" (رو13: 3- 4). أما الدينونة الإلهية فهي مؤجلة للدهر الآتي، حين يأتي الرب كقول الكتاب: "أَنَا أُنَاشِدُكَ إِذًا أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ" (2 تي4: 1).



سلطان الكنيسة في حرم الأشرار:
لا يوجد سلطان للكنيسة في إنزال عقوبات حسية، أو مادية على الأشرار؛ لأن ذلك من اختصاص السلطات المدنية، لكن الكنيسة لها سلطان روحي بفرز، أو قطع الأشرار من عضويتها، إلى أن يتوبوا، وذلك كقول الرب يسوع: "وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ" (مت18: 17).

لقد استخدم معلمنا بولس سلطانه في حرم خاطئ كورنثوس، ثم عاد وأمر بقبوله في عضوية الكنيسة عندما قدم توبة، وكف عن خطيته.

إن القضاء بأحكام التحريم شيء مؤسف، ولكنه كان ضروريًا في زمن سادت فيه الهمجية، والعنف دون ضابط... أما ما يؤسف له أكثر فهو التساهل مع الشر ونزعه، لأن ذلك يكدر مجتمعات بأكملها، وقد يتسع نطاقه وينتشر، ويشمل شعوبًا، وأممًا بأكملها... إن أحكام التحريم في ذلك الزمان كانت بمثابة صمام أمان لضبط المجتمع، وحمايته من الفساد، والهلاك.
  رد مع اقتباس