20ـ ادّعى غلام أحمد أن السيد المسيح نزل من على الصليب وهو حي وذهب إلى بلاد الهند لافتقاد عشرة أسباط إسرائيل التي ذهبت إلى هناك وهي خراف بني إسرائيل الضالة فيقول: (ورد في القرآن عن المسيح) "وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين" أي أن المسيح سينال الشرف والوجاهة في هذه الدنيا وسيكون في الآخرة من أصحاب الحظوة لدى اللَّه عز وعلا. ومن الواضح أن المسيح لم ينل في مُلك هيرودس وبيلاطس أية كرامة أو شرف، بل أنه كان عُرضة لأشد التحقير.. إن اللَّه عز وجل وهب المسيح الناصري الشرف والعز وأتاح له لقاء الخراف الضالة من عشر قبائل إسرائيلية حينما شرَّف المسيح أرض فنجاب بمجيئه بعد أن نجّاه اللَّه من أشقياء بني إسرائيل.. إن المسيح نال في هذه البلاد شرفًا ووجاهة عظيمة، وقد أُكتشف أخيرًا قطعة نقدية من بين الآثار نُحت عليها اسم المسيح بلغة "بالي" وهذه القطعة ترجع إلى عصر المسيح نفسه، ويتبين من ذلك بالتأكيد أن المسيح كان يتمتع في هذه البلاد بعز ملكي، وهذه القطعة صدرت في الأغلب من قِبل ملك آمن بالمسيح.. وكذلك من آيات القرآن: "ومطهرك من الذين كفروا" أي أنني لأبرئنك من تهم الأعداء وأطهّرك وأكشف عنك التهم التي رماك اليهود والنصارى بها.. وقد شهد ملايين الناس بعيون جسمانية أن قبر المسيح موجود في سري نفر بكشمير.. وقد تحقّق بالأحاديث الصحيحة الروايات أن النبي قال: {إن المسيح عاش مائة وخمسة وعشرين عامًا}" (المسيح الناصري في الهند ص 81)(288).
وقال "الميرزا غلام أحمد" أيضًا: "لماذا سافر المسيح إلى هذه البلاد البعيدة بعد نجاته من الصليب، وما الذي حداه إلى تجشم هذا السفر الطويل. لا يغربن عنكم أنه كان في غاية من الأهمية للمسيح من ناحية واجبات رسالته أن يسافر إلى فنجاب والبلاد المجاورة لها، لأن عشرة شعوب من بني إسرائيل التي سُميت في الإنجيل بخراف إسرائيل الضالة، كانت قد جاءت إلى هذه البلاد، الأمر الذي لا ينكره أحد من المؤرخين، ولذلك كان لا بد للمسيح الناصري من أن يسافر إلى هذه البلاد، ويبلغ هؤلاء الخراف الضالة رسالة اللَّه بعد أن يفتش عنهم ويجتمع بهم، ولو لم يفعل لظلت غاية رسالته عقيمة قاصرة، لأنه كان مُرسلًا من اللَّه تعالى إلى هؤلاء الخراف الضالة" (المسيح الناصري في الهند ص 105)(289).
تعليق: أ ـ السيد المسيح وُلِدَ وعاش وصُلِبَ ومات وقام في أرض فلسطين، ولم يترك بلاد فلسطين ويذهب إلى أي دولة أخرى غير مصر التي جاء إليها وهو طفل مع العائلة المقدَّسة، ولو ذهب السيد المسيح إلى بلاد الهند لأخبرنا الإنجيل بهذا.
ب ـ السيد المسيـح صُلِب ومات على الصليب وقُبر ثلاثة أيام وقام من الأموات، وما أكثر شهود الصليب وشهود القيامة.
ج ـ ليس من المعقول بعد أن أمضى السيد المسيح حياة حافلة بالأمجاد، أن يختتم هذه الحياة المجيدة بالهرب إلى الهند.
د ـ لو كان السيد المسيح نجا من الموت وهرب إلى الهند.. تُرى هل يقدر تلميذ من تلاميذه أن يفتح فاه في وسط مدينة أورشليم ويبشّر بقيامة المسيح؟!! ولو تجرأ أحدهم وفعل ذلك.. تُرى هل ينجو من رؤساء الكهنة؟!
هـ ـ ليس مفهوم الوجاهة في الدنيا هو أن يحظى بتكريم الناس، لأن كبار أئمة المسلمين فسّروا هذه الوجاهة في الدنيا بالنبوّة والمعجزات، فقال الجلالين أنه وجيه في الدنيا بسبب النبوّة، وقال الرازي أن السبب هو النبوّة، وأنه يُستجاب دعاؤه ويحيي الموتى ويبرئ الأكمّة والأبرص، وأنه مبرأ من كل العيوب التي وصفه بها اليهود.
وـ كثير من الأحاديث ذَكَرت أن السيد المسيح عاش على الأرض من ثلاثة وثلاثين إلى أربعين سنة، فقال الحسن البصري: "كان عُمر عيسى يوم رُفِعَ أربعًا وثلاثين سنة" وقال حمادة بن سلمه: "رُفِع عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة"، وقال جرير والثوري عن الأعمى: "مكث عيسى في قومه أربعين عامًا"، وروى سفيان بن عينيه عن فاطمة: "قال لي رسول اللَّه أن عيسى بن مريم مكث في بني إسرائيل أربعين سنة"، وجاء في تفسير الجلالين أن المسيح رُفِع "وله ثلاث وثلاثون سنة" (راجع د. فريز صموئيل ـ قبر المسيح في كشمير ص 208 ـ 211).
زـ عندما سبى "تغلث فلاسر" أسباط بني إسرائيل سباهم إلى أشور وليس للهند "في أيام فَقْح مَلك إسرائيل، جاء تَغْلث فلاسِر مَلِك أشور وأخذ عيون وآبَلَ بيت معكةَ ويانوح وقادش وحَاصُور وجلعَاد والجَليل وكل أرض نفتالي، وسَبَاهُم إلى أشور" (2 مل 15: 29).
وأخيرًا لو تساءلنا عن عقيدة "أحمد ديدات" في موت المسيح وصلبه فإننا لن نجد له رأيًا محددًا. إنما أورد في كتاباته ثلاثة آراء متباينة وهي:
1ـ السيد المسيح صُلِب ولكنه لم يَمُت بل أُغمى عليه وعندما وُضِع في القبر عاد إلى وعيه وخرج من القبر، ودافع عن هذا الرأي في كتبه: حقيقة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء، ومَن دحرج الحجر، وآية يونان.
2ـ إن الذي صُلِب ومات هو شخص آخَر غير المسيح يشبهه، فيقول: "أما إنجيل برنابا فيؤيد النظرية التي تقول إن شخصًا آخَر قُتِل محله على الصليب، وهذا يتفق مع وجهة نظرنا نحن المسلمين. فهنا الشبهة التي حصلت بقتلهم شخصًا آخر يشبهه"(290).
3ـ إن صلب المسيح ليس حقيقة إنما اليهود توهموا هذا فيقول: "فَهم لم يقتلوه ولم يصلبوه ولكن بدا لهم كأنهم فعلوا ذلك فقد ظنوا أنهم فعلوا، ولكنهم لم يصلبوا ولم يقتلوا المسيح. لأنه من المؤكد أنهم لم يقتلوه، هذا هو مفهوم المسلمين لشبهة صلب المسيح وقتله، هي أنهم لم يقتلوه، ولكن هذا ما ظنوه في عقولهم أنهم فعلوه".
والذي يوضح رأي ديدات الغامض أنه قال: "لا أتوقع أن يسألني أي شخص عن عقيدتي كمسلم فيما يتعلّق بموضوع الصليب، عقيدتي هي عقيدة القرآن كما وردت بدقة في الآية 157 من سورة النساء"(291).
وعلّق الأستاذ "علي الجوهري" على رأي "ديدات" السابق قائلًا: "وهكذا ببراعة منقطعة النظير هرب الشيخ "أحمد ديدات" من الخوض في كيفية نهاية شأن المسيح مع قومه، أو بالأصح هرب من الخوض فيما يختلف فيه المسلمون في هذا الصدد، وأكتفى بإعلان أن عقيدته في هذه المسألة تعبّر عنها الآية 157 من سورة النساء دون أي تفاصيل. وخيرًا فعل. لقد كان يكافح ويفنّد عقائد المسيحيين ودعواهم في هذا الشأن. ولم يكن من الحكمة إطلاقًا أن يفتح جبهة ثانية بين المسلمين، وهي جبهة أشد وطيسًا" (أخطر المناظرات: هل مات المسيح على الصليب. مناظرة بين "أحمد ديدات"، "وفلويد كلارك" ترجمة علي الجوهري ص 175)(292) وهذا اعتراف ثمين يقدّمه على الجوهري في اختلاف المسلمين فيما بينهم في موضوع صلب المسيح وموته، ونحن ندعوهم بدلًا من اختلافاتهم العظيمة التي تهدد بمعركة حامية الوطيس أن يلجأوا إلى الإنجيل الصادق الأمين ويؤمنوا بحقيقة صلب المسيح وموته من أجل البشرية وقيامته ونصرته على الموت والشيطان والخطية.