وكما أنكر بطرس المسيح أثناء محاكمته ثلاث مرات، هكذا مريم المجدلية أنكرت قيامة الرب ثلاث مرات، وورد هذا الإنكار الثلاثي في إصحاح واحد (يو 20: 12، 13، 15):
1ـ المرة الأولى: حينما ذهبـت إلى القديسيْن بطرس ويوحنا وقالت لهما "أخَذُوا سَيدي من القبر. ولست أعلم أين وضعوه" (يو 20: 13) وهذا الكلام معناه أن الـرب لم يَقُـم مـن الأموات، ما داموا قد أخذوا جسده ووضعوه في مكان ما.
2ـ والمرة الثانية: حينما كانت خارج القبر تبكي، وسألها الملاكان: "لماذا تَبكِين؟" فأجابت بنفس الكلام: "أنهم أخَذُوا سَيّدي، ولستُ أعلَم أين وضَعُوه" (يو 20: 13).
3ـ والمرة الثالثة: حينما ظهر لها السيد المسيح، وفي بكائها لم تبصره جيدًا وظنته البستاني، أو هو أخفى ذاته عنها، فقالت له: "يا سَيّدُ، إن كُنت أنت قد حَمَلْته. فقل لي أين وضَعْتَهُ وأنا آخُذُه" (يو 20: 15).
فلمَّا أظهر لها الرب ذاته، وتعرَّفت عليه، قالت له: "ربوني أي يا مُعلّم"، منعها الرب أن تلمسه، توبيخًا لها على إنكارها الثلاثي لقيامته. وأيضًا لا يجوز أن تلمسه بهذا الإيمـان: أنـه شخص عـادي مـات، وحملـوا جسده في مكان ما!..
فقال لها الرب: "لا تلمسيني" أي لا تقتربي إليَّ بهذا الاعتقاد وبهذا الشّك. بعد أن رأيتني قبلًا، وأمسكتِ قدمي، وسمعتِ صوتي، وكلَّفتكِ برسالة لتلاميذي، وبعد أن رأيتِ القبر، وسمعتِ شهادة الملائكة. لا تلمسيني في نكرانك، لأني لم أصعد بعد إلى أبي. أمَّا عبارة: "لأني لم أصعد بعد إلى أبي".. فإن القديس ساويرس الأنطاكي وكذلك القديس أُغسطينوس، لم يأخذاها بالمعنى الحرفي وإنما بالمعنى الرمزي، لأنها كانت قد لَمَسته من قبل ذلك، وقال القديسان في ذلك أن الرب يقصد من عبارته:
لا تلمسيني بهذا الإيمان، لأني لم أصعد بعد في ذهنك إلى مستوى أبـي في لاهوته، بل تظنين أن جسدي ما زال ميتًا يحمله الناس حيث شاءوا"(277).
ط ـ قال "ديدات": إن المقصود من عبارة "لم أصعد بعد إلى أبي" أي أنني لم أمت حتى الآن.. فما هي علاقة الموت بالصعود ومريم تبحث عن السيد المسيح ليس كروح بل في صورته المنظورة؟!.. الموت هو النزول إلى جوف القبر تحت مستوى الأرض، أمّا الصعود فهو الارتفاع فوق مستوى الأرض، ولو كان قصد السيد المسيح أنني لم أمت بعد، لقال أنني لم أنزل إلى جوف القبر. لم أهبط تحت مستوى الأرض.
15ـ ادّعى "ديدات" بأن السيد المسيح كان متنكرًا فلم يعرفه تلميذي عمواس، وعاد إلى أورشليم متأخرًا عنهما لأنه كان يداوي جراحاته فيقول: "وفي نفس ذلك اليوم في الطريق إلى بلدة عمواس، يرافق يسوع اثنين من تلاميذه ويتسامر معهما لمسافة خمسة أميال دون أن يتعرَّفوا عليه! يا له من فن متقن!.. ومن طريقته في تناول وكسر الخبز (أي الطريقة التي بارك بها الخبز) "تفتحت عيونهم" فهل كانوا قد مشوا من أورشليم إلى عمواس مغمضي العيـون؟ كلاَّ! إننـا نعلم من حيث يخبروننا أنهما تعرَّفا عليه فحسب من هذه البادرة (طريقته في مباركة الخبز) ويستمر لوقا في قصته وأنه عندما تعرَّفوا عليه "اختفى عن أنظارهم" فهل لعب يسوع لعبة الحاوي الهندي بالحبل؟ ومن فضلك لا تأخذ الأمر مأخذ الهزل والدعابة! ماذا يعني أنه انصرف. يعني أنه توارى عن أنظارهم"(278).
كما قال أيضًا: "كانت المسألة مسألة الاختفاء من عمواس ومعاودة الظهور في أورشليم. مثل الرجل الخفي. مثل ساحر الحبل الهندي. أو كلعبة التنقُّل بين النجوم..
الأرنب والسلحفاة: ولكن لماذا استغرق عيسى عليه السلام وقتًا طويلًا جدًا لكي يصل إلى الحجرة العلوية. كان قد تلاشى قبل أن بدأ رفيقا الرحلة إلى عمواس رحلتهما إلى أورشليم. ومع ذلك لم يسبقهما يسوع. تأخر في المجيء وهذا يذكّرنا بحكاية الأرنب والسلحفاة. هل كان من الممكن أن يكون يداوي جراحه في الطريق؟"(279).
تعليق: أ ـ لم يكن السيد المسيح متنكرًا قط، ولم يكن حاويًا هنديًا يلعب بالحبل، ولا بالبيضة والحجر، فهذا الأسلوب المتردي لا يليق أبدًا أن يوجّهه "ديدات" لمن يعتبره نبيًا مُرسَلًا من اللَّه.
ب ـ الذي حدث أن هذين التلميذين وهما من السبعين رسولًا قد فقدا الأمل كل الأمل بعد موت يسوع المسيح، فقرَّرا العودة إلى بلدتيهما عمواس، وفيما هما سائران يجتران آلام الذكريات، ظهر لهما مُخلّصنا الصالح ولم يكشف لهما عن شخصيته، وهذا ما عبَّر عنه لوقا الإنجيلي بقوله: "وفيما هما يتكلَّمان ويتحَاوران، اقترب إليهما يسوع نفسُهُ وكان يمشي معهما. ولكن أُمسِكَت أعيُنهما عن معرفَتِهِ" (لو 24: 15، 16) وظل سائرًا معهما يشرح لهما الأمور المختصة بالمسيح من موسى وجميع الأنبياء (لو 24: 27) فوصل بهما إلى درجة الإيمان بالمسيح المُخلّص المتألم الذي يموت عن خطايا العالم ويقوم ويهزم الموت ويقيم الإنسان معه، وكل هذا من خلال العهد القديم، وعندما جلس معهما على المائدة سمح لهما أن يعرفاه، وهذا ما عبَّر عنه القديس لوقا قائلًا: "فانفتحت أعيُنهما وعَرَفاه ثم اختَفَى عنهما" (لو 24: 31).
ج ـ يقول الإنجيل عن السيد المسيح: "إنه اختفى عنهما" فبينما هو جالس معهما اختفى في لحظة، وهذا هو الإعجاز، وليس كما قال "ديدات" أنه انصرف عنهما أو توارى عنهما، وكأنه تركهما وسار حتى أخذ يتوارى عن الأنظار، وهذا الأسلوب لا يصح في مكان مغلق إنما يحتاج إلى مكان مفتوح لمسافات طويلة جدًا حتى يختفي من أمامهما.. فلماذا يحاول "ديدات" أن يلغي جانب الإعجاز في حياة السيد المسيح مع أن القرآن الذي يؤمن به يعترف ويقر بمعجزات المسيح وعجائبه؟!
د ـ وكالعادة نجد "ديدات" يناقض نفسه، فبينما قال من قبل أن مريم تعرّفت عليه بمجرّد أن ناداها باسمها (ص 102) فأنه يقول هنا أن هذين التلميذين عجزا عن معرفته رغم أن سار معهما مسافة خمسة أميال، ويقول الشماس الإكليريكي "ناجي ونيس": "وأنا أقول لك يا له من تناقض فاضح! كلمة واحدة تكشف عن تنكّر السيد المسيح لمريم المجدلية، بينما اثنان من تلاميذه يتسامران معه لمسافة خمسة أميال ولا يكتشفان تنكُّره. من هو العاقل الذي تريده أن يصدقك يا سيد "ديدات"؟ أهو القارئ الكريم؟ حاشا له من هذا الجنون والوهم يا رجل، قُل كلام عاقل. ثم مَن هو الأقرب والألصق بالسيد المسيح هل هي مريم المجدلية أم التلاميذ الذين كانوا معه ليل نهار؟ فالأجدر أن يكتشف تلميذاه الاثنان تنكُّره أسرع من مريم المجدليـة خاصة وهما اثنان وهي واحدة، فاحتمال اكتشافهما للتنكُّر أكثر منها مضاعفًا، وبالأكثر فقد قابلته هي والظلام باق، أمَّا هؤلاء ففي وضح النهار، كما أنه سار مع التلميذين مسافة خمسة أميال وتكلَّم معهما كثيرًا لا كلمة واحدة، فواضح إذًا عدم معقولية خدعتك. وتعلّل أنت عدم معرفتهما للسيد المسيح بأنه كان متنكّرًا ولم تقل لنا متنكرًا في أي زي هذه المرة، فهل يا ترى في زي البستاني أيضًا؟ أم في زي آخَر؟ وهل كان وجهه مكشوفًا؟ وإذا كان في زي آخَر فمتى خلع زي البستاني ولبس الزي الآخَر؟ ومن أين يأتي بالزي الآخَر وهو رجل وصفته بأنه خائف من اليهود"(280).