13ـ يدّعي أحمد "ديدات" بأن مريم المجدلية ذهبت للقبر فجر الأحد لا لتطيب جسد المسيح، بل لتقدِّم له الإسعافات والمعونة فيقول: "والسؤال هو: لماذا ذهبت هنالك؟ هل ذهبت هنالك كي تمسح عليه بالزيت كما يخبرنا القديس مرقس (16: 1).
والسؤال الثاني هو: هل جرى العُرف بين اليهود أن يمسحوا جسد المتوفي بالزيت في اليوم الثالث لوفاته؟
الإجابة هي: لا. إذًا لماذا أرادت المرأة اليهودية أن تدلّك جسد المسيح بعد 3 أيام من إعلان وفاته؟ ونحن نعلم أنه خلال 3 ساعات يغدو الجسم متصلبًا صلابة الأجساد الميتة. وفي غضون ثلاثة أيام يتحلل الجسم من الداخل، تنشطر وتتحلل خلايا الجسم، ولو حكَّ أي شخص مثل هذا الجسد يتفتت أجزاء صغيرة، فهل يكون لتدليك الجسم إذًا معنى؟ الإجابة هي: لا!
لكن هنالك معنى (ومعنى كبير ومفهوم) لو كانت مريم المجدلية تبحث عن شخص حي، وأنت أيها القارئ الكريم تدرك أنها كانت بالقرب من الشخصين الوحيدين اللذين قاما بالطقوس الأخيرة لجثمان يسوع وهما: يوسف الأريماتي ونيكوديموس، ولو كانت قد شاهدت أي دليل على وجود دبيب للحياة في أي عضو من أعضاء جسد يسوع لما كان معقولًا أن تصيح أنه حي! إنها تعود بعد ليلتين ويوم عندما كان سبت اليهود قد انقضى لكي تعتني بيسوع"(272).
تعليق: أـ من تناقضات "ديدات" الكثيرة أنه في ذات الصفحة قال مرة أن مريم المجدلية ذهبت إلى القبر بعد 3 أيام أي في اليوم الرابع، وقال مرة أخرى أنها ذهبت إلى القبر بعد ليلتين ويوم، فحينما يريد "ديدات" أن يطيل المدة لكيما يُظهِر أن الجسد قد تعفّن يجعل زيارة المجدلية للقبر في اليوم الرابع، وحينما يريد أن ينقص المدة لكيما تصل للمسيح معونة المجدلية يجعلها ليلتين ويوم، و"ديدات" يعرف الخلاف البيّن بين المدتين، ولا سيما أنه أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب الاختلاف الشكلي للمدة التي أمضاها يونان في جوف الحوت عن المدة التي أمضاها المسيح في جوف القبر كما سنرى بعد قليل.
ب ـ قال الإنجيل: "وبعدَمَا مَضَى السَّبت، اشتَرت مريَم المجدليَّة ومريَم أم يَعْقوب وسَالُومة، حنوطًا ليأتين ويدهَنَّه" (مر 16: 1) ومعروف أن الدهان غير المسح والتدليك، فدهان الميت بالحنوط أي وضع الحنوط على الأكفان، وليس معناها كشف الأكفان وتدليك الجسد كما تصوَّر "ديدات"، وكانت هذه عادة يهودية متبعة لم تخترعها مريم المجدلية، وما زال للآن في بلاد المشرق يزور أهل الميت القبر في اليوم الثالث.
ج ـ فـي مسح الملوك في العهد القديم كان النبي يصب الدهن على رأس الملك، والكتاب يدعو هذا مسحة: "فأخذ صموئيل قنِّينَة الدُّهن وصَبَّ على رأسه (رأس شاول) وقبَّله وقال: أليس لأن الرب مَسَحَك على ميراثِهِ رئيسًا" (1صم 10: 1) وتكرَّر نفس الموقف مـع داود: "فأخذ صموئيل قَرن الدُّهن ومَسَحَهُ وسَط إخوَتِهِ" (1صم 16: 13)، إذًا المريمات أخذن الأطياب ليسكبنها على جسد المسيح ولا عجب أن نقول ليطيبنّه.
د ـ يتصوَّر "ديدات" أن مريم المجدلية علمت عند تكفين المسيح أنه حي، وأخفَت الخبر حتى لا يعلم اليهود، وانتظرت ليلتين ويوم حتى تذهب للقبر لتعتني بيسوع، وهذا درب من الخيال الواهي، إذ كيف يتسنى لمريم أن تعرف أن المسيح حي وتكبت مشاعرها بهذه الطريقة؟! وكيف تصبر كل هذه المدة وهي تعلم أن كل دقيقة تمرّ تمثّل خطرًا على حياة سيدها؟! وكيف تصمت ولا تُخبِر التلاميذ، أم أنها تخشى أن التلاميذ يفشون السر لليهود؟! ولماذا لم تصطحب معها للقبر بطرس ويوحنا ليساعداها على زحزحة الحجر الضخم عن فم القبر؟!
و ـ لو كانت المجدلية تعلم أن يسوع حيًّا ولم يمت فلماذا حملت الحنوط والأطياب التي توضع على أجساد الموتى؟! وهل للجريح حاجة إلى هذه الحنوط والأطياب؟!
14ـ تصوَّر "ديدات" أن السيد المسيح خرج من القبر وتنكّر في زِيّ البستاني، ومنع مريم أن تلمسه بسبب جراحاته، وقال لها: "لم أصعد بعد" أي لم أمت حتى الآن، فيقـول "ديدات": "إن تزحزح الحجر وانفلات الملاءة الملفوف فيها الجسد من ضرورات (تحرير) جسم مادي. كانت المقبرة الخالية تشكّل قمة الإثارة التي لم تكن (مريم المجدلية) تتوقعها. ولذا فإن المرأة التي أصابتها الهستيريا (لدرجة أن القديس مرقس يقول أن يسوع كان عليه أن يُخرج منها سبعة شياطين 16: 9) تنهار وتبكي. وكان يرقبها من مكان مجاور ـ ليس من السماء ولكن من الأرض"..
مفارقة مضحكة: كان يسوع هناك! وكان يرقب مريم المجدلية. أنه يعرف مَن تكون، ويعرف لماذا هي موجودة بالمكان. يقترب خلفها ويجدها تبكي أو تصرخ ولذلك فإنه يسألها ".. يا امرأة لماذا تبكين.. مَن تطلُبينَ؟" (يو 20: 15).. أنه يعرف أنها تبحث عنه، لكن خاب أملها (إلى حد الصدمة) بعدم عثورها عليها، ومن ثم كان نحيبها. لكنه أيضًا يعرف أنها لن تتعرّف عليه بسبب تنكُّره التام المتقن.. يقول القديس يوحنا: "وهي إذا اعتقدت أنه البستاني قالت له.." والآن، لماذا تعتقد مريم أنه البستاني؟ هل العائدون من بين الموتى يلزم بالضرورة أن يُشبهوا عمال البساتين؟ كلاَّ! إذًا لماذا تعتقد أنه البستاني؟ الجواب هو أن يسوع كان متنكرًا كبستاني! ولماذا يتنكّر كبستاني؟ الجواب: لأنه خائف من اليهود! ولماذا يخاف من اليهود؟ لأنه لم يمت ولم يهزم الموت! ولو كان قد مات أو لو كان قد هزم الموت لما كان ثمة داع للخوف. ولم لا؟ لأن الجسم لا يموت مرتين! مَن القائل هذا؟ الكتاب المقدَّس يقول به. أين؟ في الرسالة إلـى العبرانيين (9: 27) يقـول: "وكما وُضِع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة"..
وإذ تظن مريم المجدلية يسوع في تنكره، تظنه البستاني، فإنها تقول: "يا سيِّد، إن كُنت أنت قد حَمَلْتُه فقُل لي أين وضعته.." (يو 20: 15) أنها لا تبحث عن جثة (لو كانت تبحث عن جثة لاستخدمت ضمير غير العاقل it في الإنجليزية ولكنها استخدمت ضمير العاقل Him) وهي إذًا تبحث عن إنسان حي. وهي تريد أن تعرف أين "أرقده" (ولعل يُرقِد شخصًا ليستريح لا يستخدم لغير الأحياء) وهي لم تقل له: "أين دفنته" (يو 20: 15).
تأخذه معها؟ أين؟ ماذا تفعل بميت (عندمـا تأخذه معها)؟ كانت تستطيع فقط أن "تدفن" الميت. مَن يَحفر القبر؟ إن حمل جثة قد يكون في مقدور امرأة أمريكية متحرّرة، لكنه ليس في مقدور يهودية مرفهة كي تحمل جسمًا ميتًا يزن ما لا يقل عن مائة وستين رطلًا. إن هذا الثقل بالإضافة إلى 100 رطل من المواد المصاحبة يصل ثقل 260 رطلًا، وحمل هذا الثقل شيء ودفنه شيء آخَر. إن محاولة يسوع مداورة هذه المرأة قد ذهب إلى حد بعيد.
ولم تكن المرأة قد استطاعت أن تكتشف التنكُّر بعـد، وكان يسوع في موقف يسمح له أن يضحك (لو شاء الضحك) لكنه لم يستطع أن يتمالك نفسـه أكثر من ذلك. يندفع قائلًا: "مريم" كلمة واحدة! لكنها كانت كافية.. مكَّنت مريم من أن تتعرّف على "سيدها" ولكل امرءٍ طريقته في نداء الآخرين إليه.. لكن عيسى يقول لها: "لا تلمسيني".
ولم لا؟ هل هي حزمة مكهربة؟ أو مُولّد كهربائي لو تلمسه تُصعَق؟ كلا! "لا تلمسيني" لأنها ستسبب له ألمًا. ورغم أنه كان يبدو على ما يُرام من كل الوجوه إلاَّ أنه كان قد خرج توًا من تعامل جسمي وروحي عنيف. وربما يكون نوعًا إلى حد يفوق احتماله لو سمح لها (أن تتعامل مع المناسبة بكل عنفها مما ينعكس على طريقتها معه)(273).
ويستطرد يسوع في كلامه ويقول: ".. لأني لم أصْعَد بعد إلى أبي" (يو 20: 17) ولم تكن المجدلية عمياء.. كانت تسطيع أن ترى الرجل واقفًا أمامها. فماذا يعني بقوله: "لم أصعد بعد" ـ يصعد إلى أعلى ـ عندما كان واقفًا "على الأرض" أمامها بالضبط؟ أنه في الحقيقة يقول لها أنه لم يبعث من بين الموتى وبلغة اليهود، وباستخدام تعبير اليهود: "لم أمت حتى الآن "أنه يقول" أنني حي"(274).
تعليق: أ ـ يقول "ديدات" أن تزحزح الحجر وانفلات الملاءة الملفوف بها الجسد من ضرورات تحرير جسم مادي، والحقيقة أن المسيح لم يكن ملفوفًا بملاءة إنما كان ملفوفًا بأكفان بطريقة معينة كعادة اليهود التي تشبه عملية التحنيط، فهو ليس حُرّ الحركة على الإطلاق، ولعل ما قاله السيد المسيح عن لعازر يوضّح هذه الحقيقة: "فخَرَج المَيت ويدَاهُ ورجلاهُ مَرْبوطَاتٌ بأقمِطَةٍ، ووجهُهُ مَلفُوفٌ بمنديلٍ. فقال لهم يسوع: حلُّوه ودعوه يذهب" (يو 11: 44) وخرج السيد المسيح من هذه الأكفان بطريقة معجزية، وطبع صورته على قماش الكفن كما رأينا من قبل، فكانت الأكفان والمنديل بوضعها في القبر خير شاهد على قيامة السيد المسيح لكل من له عقل يستخدمه، وبعد أن قام المسيح نزل رئيس الملائكة الجليل ميخائيل ودحرج الحجر عن فم القبر ليعلن حقيقة القيامة "أخرستوس آنستي.. أليسوس آنستي"، أما "أحمد ديدات" فقد عجز عن أن يذكر لنا مَن دحرج الحجر والحراس يقظين وكان الحجر "عظيمًا جدًا" (مر 16: 4) فلم يكن من السهل دحرجته.
ب ـ السيد المسيح سَبَق وأخرج من مريم المجدلية سبعة شياطين قبل موضوع الصليب بمدة طويلة، فهي لم تصب بهستيريا، ولم يخرج منها السيد المسيح الشياطين يوم القيامة.. فلماذا هذه الطريقة الشيطانية في خلط الأمور بقصد تضليل القارئ؟!