10ـ ادَّعى "أحمد ديدات" أن اليهود تعجّلوا في إنزال السيد المسيح من على الصليب وهو ما زال حيًّا، فقال: "ووفقًا لما أورده كُتَّاب الإنجيل المختصون، فإن اليهود والرومان قد نجحوا في وضع يسوع على الصليب الساعة السادسة وهي تعني 12 ظهرًا، وعند الساعة التاسعة وهي تقابل الساعة 3 كان قد أسلم الروح؟ فيا لغرابة أولئك اليهود كما أنهم كانوا متسرعين في تعليق يسوع على الصليب، ها هم أولاء متسرعين في إنزاله عن الصليب. هل يمكن لك أن تتصوّر السبب؟ أنها طقوسهم الدينية المتعلقة بيوم السبت..
ولمسايرة الطقوس اليهودية (أو لأي سبب آخَر) وللتعجيل بالموت على الصليب، فإن الجلاد يستخدم آلة تُسمّى "كروري فراجيوم" وهي تشبه هراوة فظيعة تُقطع بها الرجلان فيموت المحكوم عليه بالإعدام (من جرّاء النزيف) في غضون ساعة. كانت تلك هي الطريقة السريعة من طريقتي الموت صلبًا"(260).
كما يدعي "ديدات" أيضًا أن الجنود أنزلوه من على الصليب دون أن يكسروا ساقية لأنهم "رأوه" أنه قد مات بينما هو لم يكن قد مات لأن اللَّه أراد إنقاذه فيقول: "أنهم لم يقطعوا ساقيه إنما كانت تحقيقًا لنبوة، وردت بالمزمور الرابع والثلاثين تقول "يَحْفظ جميع عِظَامِه. وأحِدٌ منها لا ينكسر" (المزامير 34: 20) ولو حُفِظت عظام الضحية من الأذى، فإنها تكون نافعة له فحسب لو ظل حيًّا! وبالنسبة لشخص مات فعلًا، فإن سلامة عظامه لا تفيده بشيء.. بالنسبة لأشخاص أحياء على الصليب فإن تقطيع الرجلين يعني كل الفرق بين الموت والحياة. ولم يكن الرومان الوثنيون معنيين بكفالة تحقيق أي نبوة. فهم كما يقول القديس يوحنـا: "وأمَّـا يسوع فلمَّا جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه، لأنهم رأوه قد مَات" (يوحنا 19: 33) "رأوه" كلمة بسيطة جدًا. ولكن لنا أن نسأل: ماذا رأوا؟ هل لنا أن نتخيل إن ما حدث كان تحقيقًا لقـول المسيح "ومُبصرون تُبصِرون ولا تنظُرون" (مت 13: 14) وعندما يقول يوحنا: الجنـود "رأوه" فإنـه يقصـد أنهم "قدَّروه" لأنه لم يكن لديهم جهاز "استيذوسكوب" حديث للتحقق من الوفاة ولا كان أحدهم قد لمس جسده أو قاس ضغط دمه أو نبضه لكي يخلُص إلى نتيجة أنه كان "قد مات فعلًا" أنني أرى في كلمة "رأوه" علامة أخرى من علامات مشيئة اللَّه في إنقاذه"(261).
ويكرر "ديدات" نفس المعنى قائلًا: "ما هو الخطأ الأول الذي وقع فيه اليهود في محاولاتهم التخلُّص من يسوع؟ كان الخطأ الأول أنهم سمحوا بإنزال يسوع عن الصليب دون كسر ساقيه تحت زعم أنه كان قد مات"(262).
تعليق: أـ لقد عُلِّق السيد المسيح على الصليب بعد أن أمضى الليل كله في محاكمات ظالمة، وجاز في السخرية والاستهزاء واللطم والضرب، وتحمّل الجلدات التي كانت كفيلة للقضاء على الإنسان، ولذلك لم يمكث وقتًا طويلًا على الصليب. إنما أسلم الروح بعد ثلاث ساعات، ولذلك لم تكن هناك أي حاجة إلى كسر عظامه.
ب ـ إعتاد الجنود الرومان عمليات الصلب، وهم بهذا خبراء في عملية موت المصلوب أيضًا، ولا سيما أن إفلات مصلوب من الموت يساوي صلبهم جميعًا عوضًا عنه.
ج ـ لماذا أخذ أحمد "ديدات" كلمة واحدة "رأوه" وفسرها كما يحلو له؟! مع العلم بأن كلمة "رأوه" في الأصل اليوناني تعني يرى ويبصر ويعلم ويعرف، ولا تحمل المعنى الذي رآه "ديدات" أنه "قدَّروه" فالموضوع عن معرفة وعلم وليس عن تقدير.
د ـ لماذا تجاهل "ديدات" نصوصًا عديدة تشهد بموت المسيح مثل: "فصَرَخَ يسوع أيضًا بصَوت عظيم، وأسلَم الروح" (مت 27: 50).. "فصرخ يسوع بصوتٍ عظيمٍ وأسلَم الروح" (مر 15: 37).. "ونادى يسوع بصوتٍ عظيم وقال: يا أبتـاه، فـي يدَيـك أستـودع روحي. ولمَّـا قـال هـذا أسْلَمَ الروح" (لو 23: 46).
هـ ـ النص الذي أورده "ديدات": "مُبصِرين تُبْصِرون ولا تنظُرون" (مت 13: 14) لا يمت للجنود الرومان بصلة، ومَن يرجع إلى النص الكامل (مت 13: 13 ـ 17) يجد إشارة السيد المسيح إلى نبوة إشعياء على هؤلاء اليهود الذين يسمعون ولا يفهمون ويبصرون ولا ينظرون لغلاظة قلوبهم وثقل آذانهم لئلا يرجعوا إلى الرب فيشفيهم. كما يتحدَّث السيد المسيح عن الأنبياء الأبرار الذين اشتهوا أن يروا ما رآه اليهود ولم يروا، وأن يسمعوا أقوال المُخلّص هذه ولم يسمعوا.. فما علاقة كل هذا بالجنود الرومان الأمميّين؟!
و ـ شهد "ديدات" بأن الجنود قطعوا سيقان اللصين ولم يقطعوا ساقي السيد المسيح، وقبل هذا قال: "لم يُسمّر يسوع إلى الصليب مثل رفيقيه" ص 68.. كيف استساغ "ديدات" هذا التناقض العجيب؟!.. هل هو استخفاف بعقل القارئ إلى هذه الدرجة؟!.. المصلوب الذي سُمّرت يداه ورجلاه بالمسامير ونُزف دمه يحتاج إلى كسر ساقيه لكيما يموت، والمصلوب الذي ربط بسيور من جلد ورجلاه منطلقتان لا يحتاج إلى كسر ساقيه لكيما يموت؟!! كيف يكون هذا يا "ديدات"؟! ألاَّ تعود للحق وتعترف بأن السيد المسيح سُمّرت يداه ورجلاه؟! ومتى اعترفت بهذه الحقيقة بالإضافة إلى الحالة المنهكة التي عُلِّق بها السيد المسيح على الصليب عندئذٍ تدرك بسهولة لماذا مات السيد المسيح قبل اللصين اللذان صُلِبا وهما في كمال صحتهما وعافيتهما.
ز ـ هل يصدق "ديدات" كلام السيد المسيح؟! إن كان يصدّقه، فإن المسيح قال على الصليب للص اليمين: "إنك اليوم تكون معي في الفردوس" فلو مات اللص ولم يمت المسيح.. فكيف وأين سيتم اللقاء بينهما؟!
ح ـ هل يتخيـل "ديدات" أن كل الذيـن ماتـوا قبـل اختـراع جهـاز "الأستيذوسكوب" مشكوك في موتهم؟! وهل ظلت البشرية تشك في موتاها حتى تم اختراع هذا الجهاز الذي يؤكد الوفاة؟! وما رأيك في الذين ماتوا وحُرّرت لهم شهادات وفاة ثم اتضح أنهم ما زالوا أحياءً لأن موتهم كان إكلينيكيًا فقط وليس موتًا كاملًا وقد تحدث عن مثل هؤلاء في ذات كتابه قائلًا: "ولكن ماذا عن مئات الناس الذين عادوا من بين الموتى؟ إننا نقرأ عنهم يوميًا على صفحات الصحف. أولئك الناس الذين حُرّرت شهادات طبية بوفاتهم بواسطة رجال لهم وظائف رسمية في مجال العمل بالصحة وعادوا بالصدفة إلى الحياة، لم يكونوا قد حضرتهم الوفاة في حقيقة الأمر بالمعنى المعروف للوفاة والبعث بعد الوفاة. إن أطباءنا قد أخطأوا وسوف يستمرون في ارتكاب الأخطاء"(263).
فإن كانت هـذه هي الحقيقـة يا "ديدات".. فما الداعي لحديثك عن جهاز "أستيذوسكوب "لإثبات الوفاة؟ أم أنك ترى أن أطباء اليوم ليس لديهم هذا الجهاز (السماعة الطبية)؟! يا سيد ديدات اسأل رجل الشارع عن علامات الموت؟ سيقول لك اتساع حدقة العين وعدم استجابتها للضوء، وتوقُّف التنفس تمامًا يدلان على أن الإنسان فقد الحياة، فهل بعد هذا تُشكّك في مقدرة الجنود الرومان الذين سبق وشهدتَ بكفائتهم قائلًا: "ولم يكن الرومان يخلطون أبدًا بين طريقتي الصلب، ولم يكن يختلط عليهم الأمر كما اختلط على الرسامين المسيحيين فيما بين الصلب السريع والبطيء" (ص 66) فهل تظن أن هؤلاء الأكفاء الذين لا يخلطون بين طرق الصلب البطيئة والسريعة يفوت عليهم التأكد من موت المصلوب؟!