4ـ قال غلام وتبعه أحمد ديدات بأن السيد المسيح شبّه نفسه بيونان النبي، وبما أن يونان رغم أنه تعرّض للموت في بطن الحوت لكنه لم يمت، فهكذا المسيح تعرّض للموت لكنه لم يمت، فقال غلام: "وكما أن يونس بقى حيًّا في بطن الحوت، فهذا دليل على أن المسيح لم يمت على الصليب، لقد أشار المسيح بهذا المثل إلى أنه سيخرج من بطن الأرض إلى قومه فيجتمع بهم، ويُكرَم فيهم كما تكرَّم يونس في قومه، فإن ذلك البناء قد تحقق، لأن المسيح بعد أن خرج من بطن الأرض رحل إلى شعوبه الضالة الحالة بأودية كشمير" (المسيح الناصري في الهند ص 17، 18 ـ د / فريز صموئيل ـ قبر المسيح في كشمير ص 180).
أما ديدات فأخذ يعيد ويزيد في هذا الموضوع ونقتطف بعض أقواله" ميت أم حي؟ ويثار سؤال هو: عندما ألقوا يونان من ظهر المركب أكان ميتًا أم حيًّا؟.. عندما أُلقيَ به إلى البحر العاصف؟ الإجابة نحصل عليها هي أنه ـ كـان حيًّا! وتهدأ العاصفة ربما بالصدفة، ويأتي حوت ويبتلع يونان. هل كان ميتًا أم حيًّا؟ ومرة ثانية نقول جميعًا: حي! وفي جوف الحوت يُسبّح ويصلّي للَّه طالبًا لنجدته. فهل يُسبّح ويصلّي الناس الموتى؟ كلاَّ! فهو إذًا كان حيًّا. وفي اليوم الثالث يلفظه الحوت على الشاطئ ـ ميتًا أم حيًّا؟ الإجابة هي "حي" مرة أخرى!
إنها معجزة المعجزات! يقول اليهود أنه كان حيًّا! ويقول المسيحيون أنه كان حيًّا! ويقول المسلمون، أنه كان حيًّا، ولنعجب بعض العجب أن عيسى عليه السلام أختار معجزة يونان (سيدنا يونس) كمعجزة وحيدة له، وهي معجزة يتفق عليها اليهود والمسيحيون والمسلمون..
يسوع مثل يونان:
ويسوع أيضًا يُفترض ويُعتقد أنه بعد محنة (صلبه) أن يكون قد مات، أو كان يجب أن يكون قد مات. ولو كان قد مات لما كان ثمة معجزة. ولكن لو أنه عاش كما كان بنفسه قد تنبأ بذلك وبرهن عليه وفقًا لما جاء بالكتب المقدَّسة فكانت هذه هي "الآية" أو المعجزة.. فكيف كان يسوع في المقبرة ـ هل كان ميتًا أم حيًّا؟ إن أكثر من ألف مليون مسيحي تابعي كل الكنائس الأكليروسات يجيبون بحماس بقولهم "ميت"! أقول لهم فهل يكون بذلك "مَثَل" أم أنه "ليس مَثَل" يونان في لغتكم؟ كان يسوع قد قال أنه سيكون مثل يونان، وأتباعه المتحمّسون يقولون أنه "لا يماثل" يونان. من يكذب يسوع أم أتباع يسوع؟"(245).
تعليق: أ ـ القاعدة البيانية في التشبيه هو توافر وجه شبه واحد أو أكثر بين المشبّه والمُشبّه به، ومن المستحيل أن يكون هناك تطابق في جميع الأوجه وإلاَّ كان المُشبّه والمشبّه به نفس الشيء، ولو قلت لإنسان أنك أسد أو ثعلب أو حيَّة فليس معنى هذا أن هذا الإنسان تحوَّل إلى واحد من ذوات الأربع، ولكن المعنى أنه شابه الأسد في شجاعته أو الثعلب في دهائه، أو الحيَّة في حكمتها، أو الكلب في وفائه.. إلخ.
ب ـ غلام وديدات يعلمان هذا جيدًا، ويعلمان أيضًا أن السيد المسيح لم يكن متطابقًا مع يونان في جميع الأوجه، فالسيد المسيح وُلِدَ ولادة معجزية ويونان وُلِدَ ولادة عادية، وأُلقيَ يونان للموت وهو في كامل قواه أما السيد المسيح فوضع في القبر بعد صلبه، ودخل يونان إلى جوف حوت حي أما السيد المسيح فوضع في جوف القبر.. إلخ، فلا يوجد تماثل في كل شيء وعندما قال السيد المسيح: "كما رَفَع موسى الحيَّة في البريَّة هكذا ينبغي أن يُرفَع ابن الإنسان، لكي لا يَهلِك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة "(يو 3: 14، 15) وكانت الحيَّة مصنوعة من نحاس، فهل معنى هذا أن جسد المسيح من نحاس؟!.. كلاَّ، فوجه الشبه الوحيد هنا هو النجاة من الموت.
ج ـ أوضح السيد المسيح وجه الشبه الأول بينه وبين يونان عندما قال: "جيلٌ شِرِّير فاسِقٌ يلتَمس آيَةً، ولا تُعْطَى له آية إلاَّ آيَة يونان النبي" (مت 16: 4) فكما كان يونان آية لأهل جيله عندما ظل في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ وخرج حيًّا والجميع كانوا يشيرون إليه قائلين: هوذا الرجل الذي أبتلعه الحوت ولم يمت، هكذا السيد المسيح قد سلَّم نفسه للموت الذي أراد أن يبتلعه، ولكن كيف يقدر الموت أن يبتلع رب الحياة؟! دخل السيد المسيح إلى الموت، وأمات الموت، وقام منتصرًا ظافرًا. لقد أشترك يونان النبي والسيد المسيح في اختفاء كل منهما عن العالم ثلاثة أيام، ولكن أحدهما كان حيًّا والآخَر كان ميتًا ثم قام حيًّا بالقيامة، وغني عن البيان أن يونان لو مات في بطـن الحـوت ما كان يستطيع أن يقوم ثانية. ويقول "وليم باركلي": "فيونان نفسه كان الآية، ويسوع نفسه هو الآية الوحيدة التي يقدمها اللَّه إلى ذلك الجيل، وكأنما يريد يسوع أن يقول لهم أنتم تطلبون آية. أنا آية اللَّه، لكنكم فشلتم في معرفتي والاعتراف بـي" (تفسيـر إنجيـل متى جـ 1 ص 45)(246)
د ـ أفصح السيد المسيح عن المشابهة الثانية بينه وبين يونان، فبعد أن قال إن كل منهما آية لجيله، صرَّح أن المشابهة الثانية هي في الوقت فقال: "لأنه كما كان يُونان في بَطن الحُوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابن الإنسان في قَلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ" (مت 12: 40) والعبارة الأخيرة "في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ" حذفها كل من غلام وأحمد ديدات لحاجة في نفس يعقوب، وليوهم كل منهما القارئ بأن قصد السيد المسيح هو المشابهة في أن كل منهما كان حيًّا ولم يتعرّض للموت، وهذا تحايل مرفوض لأن السيد المسيح قد حدَّد بالضبط ماذا يريد أن يقول، وحصر هنا وجه المشابهة بينهما في المدة التي قضاها يونان في جوف الحوت، أو السيد المسيح في جوف القبر فقط، ولو كان السيد المسيح يقصد الوقت والحالة لقال مثلًا: لأنه كما كان يونان في بطن الحوت حيًّا ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ هكذا يكون ابن الإنسان حيًّا في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ.