مار أفرام السرياني:
يقول "بدلًا أن تحمل سلاحًا أو شيئًا يحميك أحمل الصليب وأطبع صورته على أعضائك وقلبك. وأرسم به ذاتك لا بتحريك اليد فقط بل ليكن برسم الذهن والفكر أيضًا. ارسمه في كل مناسبة. في دخولك وخروجك، في جلوسك وقيامتك، في نومك وعملك، ارسمه بِاسم الآب والابن والروح القدس"(99).
وقال أيضًا عن رسم علامة الصليب "إننا نرسمه على أبوابنا وجباهنا وصدورنا ونتسلّح به لأنه كالسيف القاطع به اُفتتح الفردوس"(100).
يوحنا الذهبي الفم (347 – 407م):
يقول للذين يخجلون من علامة الصليب: "لا تخجل يا أخي من علامة الصليب فهو ينبوع الشجاعة والبركات، وفيه نحيا مخلوقين خِلقة جديدة في المسيح.. البسه وافتخر به كتاج"(101).. "لا تخجل بهذه البركة العظيمة أي الصليب، حتى لا يخجل منك السيد المسيح حينما يأتي في مجده أو تظهر علامة الصليب أمامه، وضياؤه أقوى من أشعة الشمس ذاتها.. لقد خلَّص الصليب العالم وهداه للإيمان.. بدَّد الخطأ وأعاد الحق. حوَّل الأرض إلى سماء، وحوَّل البشر إلى ملائكة. بسببه لا نخشى الشياطين بل نحتقرهم، ولم يصبح الموت موتًا بل رقادًا"(102)..
"لا يخجل أي إنسان من علامة الصليب الجديرة بالاحترام، فبواسطته صار خلاصنا الذي يعتبر أعظم جميع الأعمال، والذي بواسطته نلنا حياتنا وما زلنا موجودين حتى الآن. فنحن نريد أن نحمل صليب المسيح بالأرجح مثل تاج، لأن بواسطة الصليب تحقّق سلامنا الكامل مع اللَّه. ففي كل مرة تتم ولادة جديدة للإنسان (بسر المعمودية) لا بد من وجـود الصليب، وكلمـا ننال غذاؤنا السري (فـي سـر الأفخارستيا) يكون ذلك بالصليب، وأيضًا عنـد تكريس شخص ما (بسر الكهنوت) يتـم بالصليب، وهكـذا بواسطـة الصليب تتـم كـل الأعمال (الأسرار الأخرى)"(103).
ويقول عن قوة الصليب: "إن كان الصليب هو الحكمة الحقيقية والقوة الحقيقية فلنبكِ على الذين صار الصليب عندهم جهالة لأنهم من الهالكين. فهم لم يتعرّفوا على قوة الصليب بعد ولا على عقاقيره التي تشفيهم، لأن هذه الأمور تحتاج أولًا إلى الإيمان. إن قوة الصليب لا يعبّر عنها.. المسيح بموته حل رباطات الموت.. لم يستطع العدو أن يمسكه في الموت. كيف يمكن لمسامير الصليب أن تقيّده؟ لقد شفى الرب البشرية بالصليب وأعادها إلى نفسه! فلو بدا أن الصليب أمرًا معثرًا فهو في الواقع قد صار للمؤمنين قوة جاذبة إلى الرب الذي أظهر منتهى حبه بصليبه لأجل خلاص الجميع"(104).
أما عن انتشار علامة الصليب، فيقول القديس يوحنا الذهبي الفم "وصارت علامة الصليب تُرسَم على ملابسهم وعلى تيجان الملوك، وتُرسَم في الصلوات، وعلى المائدة المقدَّسة يرتفع الصليب، وفي كل مكان في أرجاء العالم يضيء الصليب بأكثر مما تضيء الشمس" (105).. "إن علامة الصليب التي كان الناس يفزعون منها قبلًا صار كل واحد يتنافس عليها حتى صارت في كل مكان بين الحكام والعامة. بين الرجال والنساء. بين المتزوجين وغيـر المتزوجين. بين الأسرى والأحرار. الجميع يضعونها في كل موضع كريم ومكرَّم ويحملونها يوميًا وكأنها منقوشة على جباههم كما على عمود. نراها على المائدة المقدَّسة وفي رسامة الكهنة. ونراها متألقة فوق جسد المسيح في العشاء السري، وفي كل مكان يمكن للإنسان أن يلاحظه. يُحتفى به في البيوت وفي الأسواق، في الصحاري وفي الطرق العالية فوق الجبال، في شقوق الأرض، فوق التلال وفوق البحر، في السفن وفي الجزر، في العربات، في الثياب، فوق الآنية الذهب والفضة.. في الحرب والسلم، نهارًا وليلًا، في تجمعات النساك، وهكذا يتنافس الجميع في البحث عن هذه الهبة العجيبة والنعمة التي لا يُعبَر عنها"(106).