واللعنة على جبل عيبال" (تث 27: 12و13). كما أمرهم أن يبنوا مذبحاً كبيراً للرب في جبل جرزيم (كما جاء في التوراة السامرية)، بينما التوراة العبرية تجعله في جبل عيبال (تث 27: 4)، وهو في الحالتين في موقع قريب من شكيم، المركز الديني القديم بين جبل عيبال للشمال وجبل جرزيم إلى الجنوب. كما كانت لشكيم مكانة خاصة، إذ كانت أول مكان في أرض كنعان يأتي إليه إبراهيم ويقيم فيه مذبحاً للرب. كما اشترى يعقوب قطعة من الأرض في شكيم وبنى هناك مذبحاً للرب (تك 3: 18-20). وبعد دخولهم إلى أرض كنعان، أصبحت شكيم مدينة الملجأ الرئيسية في غربي الأردن (يش 20: 7). وفى شكيم دفن بنو إسرائيل عظام يوسف (يش 24: 32)، وفيها جدد يشوع العهد مع الشعب.
ويقول السامريون عن أنفسهم إنهم نسل يوسف (إفرايم ومنسى) الأمناء الذين رفضوا إتباع عالي الكاهن عندما نقل التابوت من شكيم إلى شيلوه.
وعندما غزا الإسكندر الأكبر فلسطين (332 ق.م.) وجد عدداً كبيراً من السامريين في مدينة السامرة، فنقلهم إلى شكيم، وهكذا أصبحت شكيم مدينة سامرية أكثر مما كانت قبلاً. وفى 1952 وجدت مجموعة من الجزازات من ورق البردي في كهف يبعد نحو تسعة أميال إلى الشمال من أريحا، وهى وثائق إدارية سامرية ترجع إلى نحو 375- 335 ق.م. وقد كتبت في مدينة السامرة ذاتها أو في إحدى مدن السامرة. وقد أودعت ذلك الكهف عندما هرب نحو مائتي سامري من وجه الإسكندر الأكبر، ولكنهم قتلوا هناك.
ويعبِّر يشوع بن سيراخ (حوالي 180 ق.م.) عن العداء المتزايد بين اليهود والسامريين قائلا: "أمتان مقتتهما نفسي والثالثة ليست بأمة: الساكنون في جبل السامرة، والفلسطينيون، والشعب الأحمق الساكن في شكيم" (سراخ 50: 25 و26) ولعله يشير بذلك إلى قول الرب: " أغيرهم بما ليس شعباً. بأمة غبية أغيظهم " (تث 32: 21).
ورغم العداء بين اليهود والسامريين، فقد كانوا يتمسكون بالتوراة، ويعارضون حركة أنطيوكس إبيفانوس في تحويل الشعب إلى الثقافة اليونانية، وعليه قام هذا الملك السلوقي بتدنيس الهيكلين (167 ق.م.)، فجعل الهيكل فى أورشليم على اسم زوس الأولمبي (زفس)، والهيكل في جرزيم على اسم "زَوْسٍ مُؤْوِي الْغُرَبَاءِ" (2مك 6: 2). وقد أتاح النزاع داخل المملكة السلوقية، الفرصة ليوحنا هيركانس الحاكم اليهودي، أن يدمر هيكل جرزيم في 128 ق. م.
لقد ‘بنى الهيكل السامري بإذن من الإسكندر الأكبر كما يقول يوسيفوس، وتوجد أطلاله في "تل الراس" على القمة الشمالية لجبل جرزيم. وقد عملت بها حفريات في 1966، 1968، وظهر أنها تقع تحت أساسات معبد روماني بناه الإمبراطور هادريان، وتتكون من قاعدة مذبح ضخم، مربعة الشكل طول ضلعها نحو 65 قدماً، وارتفاعها نحو 26 قدماً، وترجع – كما تدل الأواني الفخارية – إلى العصر الهيليني. ولم ‘يبن هذا الهيكل السامري بعد ذلك أبدا، ولكن لم يكن في ذلك نهاية السامريين، فقد انتقلت العبادة الجمهورية إلى المجمع، وظل المذهب السامري شوكة في جنب اليهود، فكان الأتقياء منهم يتجنبون احتمال حدوث النجاسة الطقسية من السامريين الهراطقة، بعدم المرور من اليهودية إلى الجليل عن طريق السامرة، بل يسلكون طريق شرقي الأردن، أو يسيرون بمحاذاة الضفة الغربية للأردن. ولكن يوحنا المعمدان والرب يسوع لم يظهروا مثل هذه الروح العدائية للسامريين، فعندما " جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهودية.. كان يوحنا أيضا يعمد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة" (يو 3: 23). ويذكر التقليد أن عين نون كانت في أعالي الأردن في اتجاه بحر الجليل، ولكن لو كانت منطقة الأردن هي المقصودة، فلماذا يردف ذلك بالقول: "لأنه كانت هناك مياه كثيرة؟" فالأرجح أن "ساليم " كانت تقع على بعد بضعة أميال إلى الشرق من شكيم، وتوجد حالياً بالقرب من ذلك الموقع قرية "عينون"، والأرجح أن هذا الاسم مشتق من الأرامية بمعنى "عين صغيرة"، ومن الواضح أن المنطقة الواقعة على رأس "وادي فارعة" بها الكثير من الينابيع، مما يرجح معه أن جزءاً من خدمة يوحنا المعمدان وتلاميذه كانت في منطقة السامرة قريباً من شكيم.
ولا يذكر الكتاب المقدس أين قطعت رأس يوحنا المعمدان ولا أين دفنت جثته. وبينما يذكر يوسيفوس أنه قتل في " قلعة مكاروس" شرقي البحر الميت، فهناك تقليد قوي بأن جسد يوحنا المعمدان دفن في مدينة "سبسته" (سبسطية Sebastia في السامرة) على بعد أميال قليلة إلى الشمال الغربي من شكيم.
كما كان للرب يسوع علاقة بالسامريين، ففي بكور خدمته جاء إلى مدينة في السامرة بالقرب من بئر يعقوب، تذكر في المخطوطات اليونانية بأنها "سوخار"، ولكنها تذكر فى المخطوطات السينائية السريانية بأنها " شكيم" وهى الأرجح، لأن التنقيب الأثري في قرية "بلاطة" الحالية إلى الشمال الغربي من بئر يعقوب، أثبت أنها هي موقع شكيم في العصر الروماني، فكانت ملاصقة لتل شكيم الذي دمره يوحنا هيركانس في 107 ق. م.
وقد جاءت المرأة السامرية إلى البئر العتيق طلباً للماء، فطلب منها يسوع أن تعطيه ليشرب، ولأنها كانت تعلم أن " اليهود لا يعاملون السامريين" (يو 4: 9) اندهشت، ولكنها واصلت الحوار معه. وعندما واجهها الرب يسوع بأحد أسرارها، حولت الحديث إلى النواحي الدينية قائلة: "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغى أن يُسجد فيه" (يو4: 20)، فأكد لها الرب يسوع أن العبادة الحقيقية ليست في هذا الجبل ولا في أورشليم، لأنه هو المسيا قد جاء. وبعد أن عاد التلاميذ وتعجبوا من أنه يتكلم مع امرأة، تركت المرأة جرتها ومضت إلى المدينة، ونتيجة لشهادتها ليسوع، سأله السامريون أن يمكث عندهم، " فمكث هناك يومين" (يو 4: 40) يكرز بينهم، فآمن به كثيرون.
كما يظهر اهتمام الرب يسوع بالسامريين في عدة مناسبات، وبخاصة في مثل السامري الصالح (لو 10: 30-37)، والأبرص السامري الذي رجع وحده إليه يمجد الله لشفائه (لو 17: 52-56). كما قال للتلاميذ إنهم سيكونون له شهوداً في أورشليم وفى كل اليهود والسامرة وإلى أقصى الأرض (أع 1: 8).