12ـ حرب عماليق:
أتى عماليق وحارب بني إسرائيل فخرج يشوع للقائهم، وصعد موسى على رأس التلة ليصلّي "وكان إذا رَفَع موسى يَدَه أنَّ إسرائيل يَغْلِبُ، وإذا خَفَضَ يَدَه أن عمَاليق يَغْلِبُ. فلمَّا صارت يَدا موسى ثقيلتين، أخذا حجرًا ووضَعَاه تحتَه فجَلَس عليه. ودَعَم هارون وحور يَدَيْهِ، الواحد من هنا والآخَر مِن هناك. فكانت يداهُ ثابتتين إلى غروب الشمس. فَهَزَم يشوع عماليق وقومَهُ بحد السيف" (خر 17: 11 ـ 13).
أ ـ كان موسى على رأس التل رمزًا ومثالًا لربنا يسوع وهو مصلوب على جبل الجلجثة.
ب ـ كان الحجر الذي جلس عليه موسى مثالًا للصليب الذي سُمر عليه ربنا يسوع.
ج ـ عندما كـان يبسط موسى يديه على مثال الصليب كان يشوع يغلب عماليق. أي إن الغلبة بالصليب، ويقول العلامة ترتليان "إني مندهش أنه في الوقت الذي كان فيه يشوع يحارب مع عماليق، كان موسى يصلّي جالسًا بيدين منبسطتين مع أنه كان في ظروف حرجة وكان بالحري يلزمه أن يصلّي بركب منحنية، ويدين تقرعان على الصدر، ووجه منبطح على الأرض. لكنـه كان ضروريًا أن يحمل رمز الصليب حتى يغلب يسوع المعركة بالصليب"(40).
د ـ بصلاة موسى انهزم عماليق وانتصر بني إسرائيل، وبصلب ربنا يسوع انهزم الشيطان وانتصرت البشرية في شخص ربنا يسوع.
هـ ـ ظلت يدا موسى ثابتتين إلى غروب الشمس، وربنا يسوع بسط ذراعيه على عود الصليب إلى الغروب، وما زال يبسط يديه لقبول الخطاة التائبين حتى غروب شمس هذا العالم، ويقول الشهيد يوستين "ليس بدون قصد أن موسى النبي عندما عاونه حور وهارون ظل على هذا الوضع حتى المساء، فلقد ظل الرب على الخشبة تقريبًا حتى الغروب ودفن بعدها.. وإشعياء أشار إلى الطريقة التي مات بها الرب قائلًا: "بسَطْت يدَيّ طول النهار إلى شعبٍ مُتَمَرِّد سائِر في طريق غير صالح" (إش 65: 2، رو 10: 21)(41).
ويقول القمص سيداروس عبد المسيح: "إن أول مصلوب بغير صلب، وبدون صالبين، وبلا حادثة صلب كان مصري الاسم والمولد، وكانت الحادثة في أرض مصر.. موسى أول من مدَّ يديه في منظر المصلوب بلا صالب، كان مصريًا.. له في عالم الناس أُمّان (والدتان) واحدة منهما كانت مصريَّة.. قذفه نهر النيل، وأبى أن يجعل منه طعامًا لأسماكه، ولم يحمله إلى ابنة فرعون حوت بل سفط من البردي (خر 2: 3) دعت ابنة فرعون طفلها هذا الذي لم تلده ولم ترضعه بِاسـم مصـري وهـو "موشـى" وقالت إني انتشلته من الماء" (خر 2: 10)"(42).
و ـ كان عماليق يرمز للشيطان، وقال الرب: "سوف أمْحو ذِكْرَ عماليق من تحت السماء" (خر 17: 14) وفعلًا ستكون نهاية الشيطان ومحو اسمه بصليب ماسياس "وإبليس الذي كان يُضِلُّهم طُرِح في بحيرَة النار والكبريت، حيث الوَحش والنبي الكذاب وسيعذَّبون نهارًا وليلًا إلى أبد الآبدين" (رؤ 20: 10).
13ـ تطهير الأبرص:
كان البرص (الجذام Leprocy) يشير لمرض الخطية، فالذي يُصاب به تتآكل أطرافه ويسقط شعره وهو مرض معدي جدًا، ولذلك كان يُعزَل الأبرص عن أسرته وأحبائه، حيث يضعونه في أطراف المدينة وتكون ثيابه مشقوقة ورأسه مكشوفًا ويغطّي شاربيه ويقدِّمون له الطعام والشراب من بُعد كبير، وإذا مرَّ إنسان غريب بهذه المنطقة ولا يعرف أنها مسكن لمرضى البُرص يصرخ الأبرص قائلًا: "نجس ـ نجس" (لا 13: 45) حتى لا يقترب منه الغريب ويقول القديس أُغسطينوس "أن البرص بالمعنى الرمزي هو الخطية ذات العدوى، تفعل في النفس ما يفعله البرص بالجسد. أنها تبعد الخاطئ عن صحبة القديسين والملائكة وتنفيه من المدينة المقدَّسة"(43). وأحيانًا كان يعافى الأبرص، وفي شريعة تطهيره أن الكاهن يخرج إلى خارج المحلة مع الرجل الذي أُصيب بالبرص ثم تعافى، ويتأكد أن ضربة البرص قد برئت تمامًا. ثم يأخذ عصفورين مع خشب أرز وقرمز وزوفا، ويذبح أحد العصفورين في إناء خزف على ماء حي، ويغمس العصفور الحـي مع الأرز والقرمز والزوفا في دم العصفور المذبوح، وينضح على المتطهر من البرص سبع مرات، ويطلق العصفور الآخر حيًّا على وجه الصحراء (لا 14: 1 ـ 8).
أ ـ العصفوران يرمزان للفداء بالصليب، فذبح أحدهما إشارة لذبح ربنا يسوع، وإطلاق الثاني حيًّا إشارة لقيامة ربنا يسوع من بين الأموات، ودم العصفور المذبوح الذي يطهّر الأبرص إشارة إلى دم المسيح الذي يطهرنا من برص الخطية "دَم يسوع المسيح ابنه يُطهّرنا من كل خطيّة" (1يو 1: 7). ويقول الشهيد يوستين: "شبه بطير إذ يُفهَم أنه من فوق من السماء.. يغمس الطير الحي من دم الميت ويُطلَق لأن كلمة اللَّه الحي قد صُلِب ومات في هيكل الجسد كمن يتألم وإن كان اللَّه لا يتألم"(44).
ب ـ خشبة الأرز التي كانت تُغمَس في الدم كانت عبارة عن قطعة من الخشب متوسطة السُّمك طولها حوالي قدم ونصف، وهذه الخشبة تشير لخشبة الصليب التي تلطّخت بدم مُخلّصنا الصالح، ويقول العلاّمة أوريجانوس: "بدون خشبة الصليب مستحيل أن تَطهُر من برص الخطية، فإننا نلجأ إلى خشبة المُخلّص التي يقول عنها الرسول {إذ جرَّد الرِّياسات والسَّلاطين أشهَرَهُم جهارًا، ظافرًا بهم فيه} (كو 2: 15)"(45).
ج ـ القرمز عبارة عن قطعة من الصوف مصبوغة باللون القرمزي إشارة للون الدم، وأيضًا يشير إلى الملوك والعظماء، بينما الزوفا تشير إلى البسطاء، فالكل سواء كانوا ملوكًا وعظماءً أو بسطاء هم في حاجة إلى الخلاص والتطهير من الخطية.
د ـ الإناء الخزفي الذي ذُبِح فيه العصفور إشارة لناسوت ربنا يسوع الذي اتخذه ليتمم به الفداء.