10ـ ماء مارّة:
ارتحل بنو إسرائيل من بحر سوف وساروا ثلاثة أيام في البرية ولم يجدوا ماء: "فجاءوا إلى مارَّة، ولم يَقدِرُوا أن يشربوا ماءً من مارَّة لأنه مُرُّ لذلك دُعيَ اسمها مارَّة. فتذمَّر الشعب على موسى قائلين ماذا نشرب؟ فصَرَخ إلى الرب فأراه الرب شجرة فطرَحَها في الماء فصار الماء عذبًا" (خر 15: 23 ـ 25). الشجرة التي طُرِحت في المياه فغيّرت طبيعتها المرَّة إلى طبيعة عذبة تشير لصليب ربنا يسوع الذي أنقذنا من مرارة الموت وفتح لنا باب الملكوت.. كانت البشريَّة قبل الصلب مثل الحياة المُرَّة التي لا تصلح للملكوت، وبالصليب صارت مثل المياه الحلوة العذبة التي تصلح لسكنى الملكوت، فالسيد المسيح هـو شجـرة الحيـاة: "أنا الكَرْمَةُ الحقيقيّة" (يو 15: 1) ودعيَ بالغصن "ويخرُجُ قَضِيبٌ من جِذْع يسىّ، ويَنبُت غُصْنٌ من أصُولِهِ" (إش 11: 1)، وقال عن إرميا النبي: "ها أيام تأتي، يقول الرب، وأُقيم لداود غُصْن برٍ" (إر 23: 5) وقال عنه زكريا النبي: "هوذا الرَّجُل الغُصْن اسمه" (زك 6: 12) وكلمة الغصن بالعبرية "ينصر"، ولذلك قال عنه متى الإنجيلي: "لكي يتمّ ما قِيلَ بالأنبياء: أنه سَيُدْعَى ناصريًا" (مت 2: 23).
ويقول الشهيد يوستين في حواره مع تريفو اليهودي " في العهد القديم مثالات متنوعة لخشبة الصليب التي بها ملك المسيح.. لقد رمز له (الصليب) بشجرة الحياة التي ذكر أنها غرست في الفردوس. وأرسل موسى ومعه العصا الخشبية ليخلص الشعب وبهذه العصا في يديه وهو على رأس الشعب شق البحر الأحمر. وبها تدفّقت المياه من صخرة. وعندما ألقيَ بشجرة في مياه مارَّة المُرَّة صارت عذبة"(38).
ويقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: "لأن الشخص الذي خلَّف وراءه ملذات مصر.. تبدو له الحياة الخالية من هذه الملذات صعبة وغير مقبولة في أول الأمر. لكن إذا أُلقيت الخشبة في الماء ـ بمعنى إذا أقتبل الإنسان سرّ القيامة التي تبدأ بالخشبة (الصليب) حينئذٍ تصبح الحياة الفاضلة أحلى وأعذب مذاقًا من كل الحلاوة التي تداعب الحواس باللذة"(39).
11ـ صخرة حوريب:
صخرة حوريب التي ضُربت كانت رمزًا للمسيح المصلوب الذي طُعن بالحربة:
أ ـ قال اللَّه لموسى: "ها أنا أقِفُ أمامك هناك على الصَّخرة في حوريب، فتضربُ الصَّخرة فيخرُج منها ماءٌ ليشرَب الشَّعب. فَفَعل موسى هكذا أمام عيون شيوخ إسرائيل" (خر 17: 6) فهذه الصخرة الصمّاء التي أنبعت ماءً كانت رمزًا وإشارة للسيد المسيح الذي بصليبه فاضت منه الحياة للبشرية، ولذلك ربط مُعلّمنا بولس الرسول الأحداث قائلًا: "وجميعهم شَربوا شرابًا واحدًا روحيًّا. لأنهم كانوا يشرَبون من صخْرَةٍ روحيَّةٍ تابعتهم، والصَّخرة كانت المسيح" (1كو 10: 4)، وقال السيد المسيح للمرأة السامرية: "مَن يشْرَبُ من الماء الذي أُعْطِيهِ أنا فلَن يَعْطَش إلى الأبد، بـل الماء الذي أُعطِيهِ يصير فيه ينبُوع ماءٍ ينبَعُ إلى حياةٍ أبديةٍ" (يو 4: 14). وعندما ضُربت الصخرة أمام عيون شيوخ إسرائيل جرى منها الماء الذي ارتوى منه الشعب كله ونجا من موت محقَّق، وهكذا عندما عُلّق ربنا يسوع على خشبة الصليب أمام عيون شيوخ إسرائيل وطعنه قائد المائة بالحربة جرى منه ماء ودم وهما سري المعمودية والأفخارستيا حياة للعالم، وقال عنه إشعياء النبي "لكن أحزاننا حمَلَها، وأوجَاعَنا تحمَّلها. ونحن حَسِبناه مُصابًا مضروبًا من اللَّه ومذلولًا" (إش 53: 4) وهذه الصخرة التي تفجَّر منها الماء صارت أنشودة المرنمين، فيقول آساف المرنم: "شقَّ صخورًا في البريَّة، وسقاهم كأنه من لُجَج عظيمةٍ. أخرج مجاري من صخرةٍ وأجرى مياهًا كالأنهار" (مز 78: 15)، وقال المرنم: "شقَّ الصَّخرة فانفَجَرت المياه. جَرَت في اليابسَةِ نهرًا" (مز 105: 41)، "المُحوِّل الصَّخرة إلى غُدران مياه، الصَّوَّان إلى ينابيع مياه "(مز 114: 8).
ب ـ الصخرة ضُرِبت في العلن مرة واحدة، هكذا عُلّق ربنا يسوع على خشبة الصليب مرة واحدة، وعندما أخطأ موسى وضرب الصخرة في المرة الثانية عندما قال له الرب: "كلّم الصخرة "، فانفعل وضربها عاقبه اللَّه وحَرَمه من الدخول إلى أرض الموعد.