9ـ عبور البحر الأحمر:
كان عبور البحر الأحمر إشارة لفاعلية صليب السيد المسيح:
أ ـ عصا موسى التي شقّ بها البحر الأحمر هي ذات العصا التي ألقاها أمام فرعون فتحوّلت إلى حيَّة التهمت حيَّات السحرة، وهي ذات العصا التي حوَّل بها ماء النهر إلى دم (خر 7: 14 ـ 22) ولمس بها مياه النيل ففاضت ضفادع (خر 8: 5 ـ 6) ورفعها إلى السماء فملأ الهواء بعوضًا وذبابًا (خر 8: 16 ـ 22) فهذه العصا التي استخدمها موسى لتأديب وعقاب المصريين كانت تمثّل رمزًا ومثالًا لصليب ربنا يسوع المسيح الذي هزم وأدّب به الشيطان وكل جنوده.. يقول العلاّمة أوريجانوس: "موسى يأتي إلى مصر حاملًا العصا التي يُعاقِب بها ويضرب بها الضربات العشرة أي بالوصايا العشر. أما العصا التي تمّت بها هذه الأمور والتي أخضعت مصر وروّضت فرعون فهي صليب المسيح الذي قَلَب العالم، وانتصـر على رئيس هذا العالم وعلى "الرؤساء والسلاطين" (كو 2: 15). إذا ما أُلقّيت على الأرض تتحوَّل إلى حيَّة فتلتهم حيَّات سحرة مصر الذين قاموا بعمل نفس الشيء. وقد كشف لنا الإنجيل أن هذه الحيَّة هي الحكمة بالقول: "كونوا حكماء كالحيَّات" (مت 10: 16). وفي موضع آخر: "وكانت الحيَّة أحكم جميع الحيوانات التي في الجنة" (تك 3: 1) إذًا فصليب المسيح الذي كانت البشارة به تعتبر نوعًا من الجنون كان موجودًا في موسى أي في الناموس كقول الرب: "لأنه كَتَبَ عني" (يو 5: 46) هذا الصليب الذي كتب عنه موسى إذ طُرِح على الأرض آمن به البشر تحوَّل إلى حكمة تلتهم كل حكمة المصريين، أي يبتلع كل حكمة هذا العالم. انظر كيف صيَّر اللَّه حكمة هذا العالم جهالة؟! (1كو1: 21) برفع المسيح على الصليب الذي هو قوة اللَّه وحكمته"(37).
ب ـ دعى فرعـون موسى وهارون وسمح لهم بتقديم الذبائح في أرض مصر، ولكنهم رفضوا وقالوا: "نذهب سَفَر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرّب إلهنا كما يقول لنا" (خر 8: 27) فسفر ثلاثة أيام في البرية يشير للأيام الثلاثة التي أمضاها ربنا يسوع في جوف القبر.
ج ـ كان عمود السحاب الذي ظلل شعب بني إسرائيل إشارة لصليب ربنا يسوع. فانتقل ملاك اللَّه السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم "وانتَقَل عمود السحاب من أمامهم ووقَف وراءهُم. فدَخَل بين عَسْكَر المصريِّين وعَسْكَر إسرائيل، وصار السِّحابُ والظلام وأضاء الليل. فلم يقتَرب هـذا إلى ذاك كل الليل" (خر 14: 19، 20)، "وكان في هزيع الصُّبح أن الرب أشرَف على عَسْكَر المصريين في عمود النار والسحاب، وأزعَجَ عَسْكَر المصريين. وخَلَع بَكَر مركباتِهم حتى ساقوها بثقلةٍ. فقال المصريون: نهرُب من إسرائيل، لأن الرب يُقاتل المِصريِّين عنهم" (خر 14: 24، 25) فعمود السحاب الذي فصل بين المفديّين بالدّم وبين عدو الخير وأعوانه إشارة لصليب ربنا الذي يفصل بين المؤمنين والهالكين. أو قل أن للصليب وجهان أحدهما خلاصًا ونجاةً للمؤمنين وإضاءة لليل العابدين، والوجه الثاني هلاكًا لعدو الخير وكل جنوده وأعوانه وظلام لمملكته إلى الأبد.
د ـ فرعون الذي أذلّ شعب اللَّه ولم يرد أن يطلقه بل قسّى قلبه كان رمزًا لإبليس القاسي القلب. لقد أراد فرعون التمسُّك ببني إسرائيل، ورغم أنه عاين يد اللَّه العالية في الضربات العَشر، ورأى البحر ينشق أمامهم، ولكنه اندفع إلى البحر فهلك هو وكل مركباته وفرسانه وجنوده، والشيطان أيضًا أثار اليهود والرومان ليصلبوا ربنا يسوع، ورغم أنه عاين المعجزات العظيمة التي صنعها ربنا يسوع، ورأى معجزات الطبيعة وقت الصلب، لكنه اندفع وأراد القبض على روح السيد المسيح فأُعتبر هذا تعدّي على الذات الإلهية، فنال عقابه وقيَّده ربنا يسوع، وأطلق كل الأسرى الذين كانوا في سجن الجحيم.
هـ ـ سبّح بنو إسرائيل بعـد العبور تسبحة النصرة: "يمِينُكَ يارب مُعتزَّة بالقُدرة. يمينك يارب تحَطّم العدو" (خر 15: 6) يمين الرب هي يمين ربنا يسوع المسيح المُّمتدة على عود الصليب تصنع خلاصًا.. "حتى يَعْبُر شعبك يارب. حتى يَعبُر الشعب الذي اقتنيْتَه" (خر 15: 16) فهذا العبور كان إشارة ورمزًا لعبورنا من الموت للحياة بواسطة خشبة الصليب، وبعد الصلب وفي فجر الأحد أنشدت الملائكة تسبحة الانتصار على الموت: "المسيح قام" وردَّدت البشريَّة تسبحة النصرة "بالحقيقة قام".