5ـ سلم يعقوب:
"ورأى (يعقوب) حُلمًا، وإذا سُلَّم منصوبَةٌ على الأرض ورأسها يَمَس السماء، وهوذا ملائكة اللَّه صاعِدَةٌ ونازلَةٌ عليها. وهوذا الرب واقف عليها" (تك 28: 12، 13) فسُلَّم يعقوب التي تربط بين السماء والأرض والرب واقف عليها إشارة لخشبة الصليب التي عُلِّق عليها السيد المسيح فصالح السمائيين بالأرضيين، وقد أشار السيد المسيح له المجد لهذا السُلَّم عندما قال لنثنائيل: "الحقَّ الحقَّ أقول لكم: من الآن ترون السماء مفتوحَةً، وملائكة اللَّه يصعَدون وينزلُون على ابن الإنسان" (يو 1: 51).
6ـ بركة يعقوب:
عندما قـدَّم يوسف ابنيه منسى وأفرايم لأبيه يعقوب ليباركهما، جعل يوسف ابنه منسى على يمين يعقوب وابنه أفرايم عن يساره، ولكنه فوجئ بأبيه يعقوب يضع يده اليمنى على أفرايم الأصغر ويده اليسرى على منسى البكـر.. "وضَعَ يديه بفِطنـةٍ فإن منسّى كان البِكر" (تك 48: 14).. "فلمَّا رأى يوسف أن أباه وضَعَ يَدَه اليُمنى على رأس أفرايم، ساء ذلك في عينيه. فأمْسَك بيد أبيه لينقُلها عن رأس أفرايم إلى رأس منسّى. وقال يوسف لأبيه: ليس هكذا يا أبي، لأن هذا هو البِكر. ضع يَمِينك على رأسِهِ. فأبى أبوه وقال: عَلِمْت يا ابني علمت" (تك 48: 17 ـ 19).
حقيقة كانت هذه نبوة من يعقوب على عظمة سبط أفرايم عن سبط منسّى فقال: "هو أيضًا يكون شعبًا، وهو أيضًا يصير كبيرًا. ولكن أخاه الصغير يكون أكبرَ مِنه" (تك 48: 19)، وقد تحقَّقت هذه النبوة، ففي أول إحصاء أُجري أيام موسى بلغ عدد البالغ سنهم أكثر من عشرين سنة من سبط أفرايم 40500، ومن سبط منسى 32200 (عد 1: 32 ـ 35) وإن كان سبط منسى الكبير أو البِكر يشير للشعب اليهودي فإن سبط أفرايم الصغير يشير للأمم الذين قبلوا الإيمان بالمصلوب فتزايد عددهم جدًا عن عدد اليهود المتنصرين. كما أن سبط منسى انقسم فكان نصفه شرق الأردن ونصفه الآخر غرب الأردن، والنصف الذي كان شرق الأردن اتصل بالشعوب الوثنية وعبد الأوثان أكثر من مرّة.
ومع هذا فإن وضع يعقوب يديه بهذه الصورة حمل أيضًا رمزًا جميلًا، فعندما وضع يعقوب يديه متقاطعتين فإنه صنع بيديه مثال الصليب، ومن خلال الصليب أعطى البركة لابني يوسف، فالبركة الحقيقية لا تأتي إلاَّ من خلال الصليب، وبهذا نستطيع أن نقول أن أول مكان رُشِمت فيه علامة الصليب كان هو أرض مصر، ونفس اليدين المتقاطعتين على شكل صليب نراهما في كل قداس عند اختيار الحمل، ولا يوجد شعب يحب ويعتز ويفتخر بالصليب، وعرف أعماق الصليب بالاستشهاد والرهبنة، مثل شعب مصر.
\\\
7ـ يوسف الصديق:
كان يوسف رمزًا للمسيح الميت القائم، ومن أوجه الشبه بينهما ما يلي:
أ ـ كان يوسف موضع حُب أبيه، وصنع له الأب قميصًا ملونًا، والسيد المسيح هو ابن اللَّه المحبوب، وقال: "الآب يُحبّ الابن وقد دَفَع كل شيء في يَدِه" (يو 3: 34) ووصفه بولس الرسول بالمحبوب (أف 1: 6) والقميص الملوّن يرمز للكنيسة المتعدَّدة المذاهب التي التصقت بالسيد المسيح كثوب له كما قال بهذا القديس أُغسطينوس والعلاّمة أوريجانوس.
ب ـ سار يوسف للميل الثاني من أجل افتقاد سلامة إخوته، فعندما لم يجدهم في شكيم ذهب إليهم في دوثان، والسيد المسيح جاء ليفتقد سلامة العالم وخلاصه، وأعطى وصية الميل الثاني.
ج ـ يوسف حسده إخوته وتآمروا على قتله، والسيد المسيح حسده إخوته اليهود وتآمروا على قتله: "لمَّا رأوا الابن قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث! هَلمُّوا نقتُله ونأخذ ميراثه" (مت 21: 38).
د ـ طُرح يوسف بواسطة إخوته في جوف البئر (للموت) ثم خرج حيًّا، وربنا يسوع وُضِع في جوف القبر وقام حيًّا منتصرًا على الموت.
هـ ـ إخوة يوسف بعـد أن طرحوه في البئر جلسوا ليأكلوا طعامًا، واليهود بعد أن دبّروا مؤامرتهم ضد ربنا يسوع وهم؛ إخوته وخاصته وأُمّته وحُكِم عليه بالصلب يوم الجمعة جلسوا ليأكلوا الفصح.
و ـ إخوة يوسف باعوه لتجار الإسماعيليين بعشرين من الفضة، والتجّار باعوه لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط، وربنا يسوع باعه يهوذا لرؤساء الكهنة بثلاثين من الفضة، وهم أسلموه لبيلاطس الوالي ليصلبه.
ز ـ إخوة يوسف أخذوا قميص يوسف وغمسوه في الدّم، والذين صلبوا السيد المسيح نزعوا عنه ثيابه الملطّخة بالدّم وعلى قميصه ألقوا قرعة، ويقول الأب قيصاريوس: "وجد يوسف إخوته في دوثان التي تعني (ثورة) فقد كان الذين يطلبون قتل أخيهم في ثورة عظيمة بحق. عند رؤيتهم يوسف ناقشوا موته وذلك كما فعل اليهود بيوسف الحقيقي (المسيح الرب) إذ صمَّم الجميع على خطة واحدة أن يُصلّب. أغتصب إخوة يوسف ثوبه الخارجي الملوّن، ونزع اليهود عن المسيح ملابسه عند موته على الصليب. إذ نُزِع الثوب عن يوسف ألقيَ يوسف في جب أي حفرة، وإذ حطّموا جسد المسيح نزل هو إلى الجحيم. رفع يوسف من الجُب وبيع للإسماعيليين أي للأمم، والمسيح إذ عاد من الجحيم اشتراه الأمم بثمن الإيمان"(33).
ح ـ رئيس السقاة ورئيس الخبازين اللذان كانا مع يوسف أحدهما نال الحياة والآخر نال الموت، وهما يشيران إلى اللصين اللذين صُلبا مع السيد المسيح فنال أحدهما الحياة لإيمانه بالمصلوب، وهلك الآخَر بسبب تجديفه.
ط ـ يوسف رُفِضَ من إخوته بينما قبلته مصر الأمة الغريبة عنه، والسيد المسيح الذي رُفِض من إخوته قبلته الأمم كملك روحي لها، وتزوّج يوسف من أجنبية عن جنسه وهكذا اقترن السيد المسيح بكنيسة الأمم.
ي ـ ودعا فرعون اسم يوسف "صفنات فعنيح" (تك 41: 45) أي المخلص الذي سيعطي الحياة، وبدأ يدبّر أرض مصر وهو في الثلاثين من عمره وربنا يسوع المسيح هو مخلص العالم الحقيقي من أسر الشيطان، وهو واهب الحياة للعالم، وقد بدأ خدمته في سن الثلاثين. ويقول الأب قيصاريوس: "نزل يوسف إلى مصر ونزل المسيح إلى العالم! أنقذ يوسف مصر من عدم وجود الحنطة وحرَّر المسيح العالم من مجاعة كلمة اللَّه. لو لم يُبَع يوسف من إخوته لما أُنقِذت مصر. حقًا فأنه لو لم يصلب اليهود المسيح لهلك العالم"(34).
ك ـ اشترى يوسف كل المصريين وممتلكاتهم لفرعون فنالوا الحياة عوضًا عن الموت، والسيد المسيح اشترانا من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلنا ملوكًا وكهنة (رؤ 5: 10).
ل ـ إخوة يوسف عندما رأوه في أرض مصر في ملابس المُلك لم يعرفوه، ومريم المجدلية لم تعرف ربنا يسوع عقب قيامته، وأيضًا التلاميذ الأطهار عندما رأوه خافوا وظنوه روحًا.
م ـ سَجَد ليوسف إخوته، والرب يسوع أطاع حتى الموت موت الصليب: "لذلك رفَّعه اللَّه أيضًا، وأعطاه اسمًا فوق كل اسم. لكي تجثو بِاسم يسوع كلُّ ركبة ممَّن في السماء ومَن على الأرض ومَن تحت الأرض، ويعترف كل لسانٍ أنّ يسوع هو ربٌّ لمجد اللَّه الآب" (في 2: 9 – 11).
ن ـ كانت وصية يوسف لإخوته عند رجوعهم إلى أبيهم: "لا تتغاضَبُوا في الطّريق" (تك 45: 24) ووصية السيد المسيح للرُّسل: "هذه هي وصيتي أن تُحبُّوا بعضُكُم بعضًا كما أحببتُكم" (يو 15: 12).