14ـ حَمَل بلا عيب:
تنبأ إرميا النبي قائلًا: "وأنا كخروف داجن يُساق إلى الذبح، ولم أعلَم أنهم فكَّروا عليَّ أفكارًا، قائلين: لنُهلِك الشجرة بثمرها، ونقطَعه من أرض الأحياء، فلا يُذكَر بعد اسمه" (إر 11: 19) وتكرَّرت النبوَّة على لسان إشعياء النبي: "ظُلم أمَّا هو فتذلَّل ولم يفتح فاهُ كشاةٍ تُساق إلى الذَّبح، وكنعجةٍ صامتةٍ أمام جازِّيها فلم يفتَح فاه" (إش 53: 7).
وتحقَّقت النبوَّة فشهد يوحنا المعمدان للحَمَل الذي بلا عيب: "وفي الغَدِ نَظَر يوحنا يسوع مقبلًا إليه، فقال: هوذا حَمَلُ اللَّه الذي يرفَع خطيَّة العالم" (يو 1: 29) وقال عنه بطرس الرسول: "الذي إذ شُتِم لم يكن يَشتِم عِوَضًا، وإذ تألم لم يكن يُهدِّد بل كان يُسلِّم لمن يَقضي بعدْل. الذي حَمَل هو نفسُهُ خطايانا في جَسَدِهِ على الخشبة" (1بط 2: 23، 24).
15ـ الذي بلا خطية مات من أجلنا:
أوضح إشعياء هذه الحقيقة فأشار إليها بعدّة أساليب مختلفة في إصحاح واحد قائلًا: "لكن أحزاننا حَمَلها، وأوجَاعنا تحمَّلها. ونحن حَسِبناه مُصابًا مضروُبًا من اللَّه ومذلولًا. وهو مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامِنا. تأديب سلامنا عليه، وبحُبُره شُفينا. كلنا كغنم ضَلَلنا. مِلنا كلُّ واحدٍ إلى طريقه، والربُّ وضَعَ عليه إثم جَميعنا.. أنه ضُرب من أجل ذنب شعبي.. على أنه لم يَعمل ظُلمًا، ولم يكُن في فَمِهِ غِشٌّ. أمَّا الرب فسُرَّ بأن يسْحَقَه بالحَزن. إن جَعَل نفسَهُ ذبيحة إثم.. وعبدي البارُّ بمعرفَته يُبرّر كثيرين، وآثامهم هو يحمِلُها.. أنه سَكَب للموت نفسَهُ.. وهو حَمَل خطيَّة كثيرين وشَفَع في المُذْنبين" (إش 53: 4 – 12).
وتحقَّقت النبوَّة إذ وهو القدوس الذي بلا خطية وحده وقال لليهود: "مَن مِنكُم يبكّتُني على خطيَّة" (يو 8: 46) قدَّم نفسه بإرادته ليموت نيابة عنا وقال عن نفسه: "ليس أحدٌ يأخذها مني، بل أضعُها أنا من ذاتي. لي سلطانٌ أن أضَعَهَا ولي سُلطـانٌ أن آخُذها أيضًا" (يو 10: 18) وقال أيضًا: "أنا هو الرَّاعي الصَّالح، والرَّاعي الصَّالح يَبذِلُ نفسَهُ عن الخِراف" (يو 10: 11) وقال قيافا رئيس الكهنة: "أنه خَيـرٌ لنا أن يمـوتَ إنسانٌ واحِدٌ عن الشعب ولا تهلِكَ الأُمَّة كلها! ولم يَقُل هذا من نفسِهِ، بل إذ كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة، تنبَّأ أن يسوع مُزمِعٌ أن يموت عن الأمَّة. وليس عن الأمَّة فقط، بل ليَجْمَع أبناء اللَّه المتفرِّقين إلى واحد" (يو 11: 50 ـ 52) وأوضح هـذه الحقيقـة مُعلمنا بطرس الرسول قائلًا: "الذي حَمَل هو نفسُهُ خطايانا في جَسَدِهِ على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبرّ،ِ الذي بجَلْدَتِهِ شُفِيتُم" (1بط 2: 24).
16ـ اللَّه هو الفادي:
هذا هو الخط العام في الكتاب المقدَّس ومن أمثلة ذلك:
* قـال موسى النبي للرب: "تُرشِدُ برأفَتِكَ الشعب الذي فَدَيْتَهُ" (خر 15: 13).. "اغفر لشَعْبِكَ إسرائيل الذي فَدَيْتَ يارب، ولا تَجْعل دم بريء في وسَط شَعْبِكَ إسرائيل. فيُغفَر لهم الدَّم" (تث 21: 8).
* قال أليهو بن برخئيل: "فَدَى نفسِي من العبور إلى الحُفْرَة، فَتَرى حياتي النُّور" (أي 33: 28).
* قال المرنم: "الرب فادي نُفُوس عَبِيدِهِ" (مز 34: 22).. " إنما اللَّه يَفْدِي نفسي من يَدِ الهاوية" (مز 49: 15).. "معَاصِينا أنت تُكَفِّر عنها" (مز 65: 3).. "وهو يَفدي إسرائيل من كل آثامِهِ" (مز 130: 8) وقال داود النبي: "باركي يا نفسي الرب.. الذي يَفْدي من الحُفْرَة حياتك. الذي يُكَلِّلُكِ بالرَّحمة والرَّأفة" (مز 103: 1 – 4).
* قال اللَّه على لسان إشعياء النبي: "لا تخف يا دودَةَ يعقوب، يا شرْذِمَةَ إسرائيل. أنا أُعِينُك، يقول الرب، وفادِيكَ قُدّوس إسرائيل" (إش 41: 14).. "قَدْ مَحَوت كغيم ذُنُوبَكَ وكسحابَةٍ خطاياكَ. ارجع إليَّ لأني فَدَيتُكَ. ترَنَّمي أيتها السموات لأن الرب قد فَعَل.. لأن الرب قد فَدى يعقوب، وفي إسرائيل تمجَّد. هكذا يقول الرب فاديكَ وجابِلُكَ من البَطن" (إش 44: 22 – 24).. "ها إن يَدَ الرب لم تَقْصُر أن تخلّص، ولم تثقَل أُذنه عن أن تسمَع.. فرأى أنه ليس إنسان، وتحيَّر من أنه ليس شَفِيعٌ. فخلَّصت ذِراعُهُ لنفسِهِ، وبرُّه هو عَضَده.. ويأتي الفادي إلى صهيون وإلـى التائبين عـن المعصيَةِ في يعقوب، يقول الرب" (إش 59: 1، 16، 20).
* وقال الرب على فم إرميا النبي: "ها أيام تأتي، يقول الرب، وأُقِيم الكلمة الصَّالحة التي تكلَّمت بها إلى بيت إسرائيل وإلى بيت يهوذا. وفي تلك الأيام وفي ذلك الزَّمان أُنبت لداود غُصن البر، فيُجري عَدلًا وبرًّا في الأرض. وفي تلك الأيام يَخلُص يهوذا، وتَسْكُن أورشليم آمِنَةً، وهذا ما تتسمَّى به: الرب برُّنا" (إر 33: 14 – 16).
* قال الرب على لسان هوشع النبي: "وأمَّا بيت يهوذا فأرحمُهُم وأُخلّصهم بالرب إلههم، ولا أُخَلّصُهم بقوسٍ وبسيفٍ وبحربٍ وبخيلٍ وبفرسانٍ" (هو 1: 7).. "وأنا الربُّ إلهُكَ من أرض مصر. وإلهًا سُواي لست تعرفُ، ولا مُخَلِّص غيري.. من يد الهاوية أفديهم. من الموت أُخلِّصهم. أين أوباؤُكَ يا موت؟ أين شوكَتُك يا هاوية؟" (هو 13: 4، 14).
* قال الرب على فم زكريا النبي: "أجمَعُهُم لأني قد فَدَيتُهُم" (زك 10: 8).. "ويُخلّصُهُم الرب إلهُهُم" (زك 9: 16).
* وقال زكريا الكاهن: "مبارك الرب.. لأنه افتَقَد وصَنَع فِدَاءً لشَعبه" (لو 1: 68).
وتحقَّقت جميع هذه النبوَّات ومثيلاتها إذ تجسد اللَّه وتأنس وصُلب عنا ومات وفدانا واشترانا بدمه كقول بولس الرسول: "لأنكم قد اشتُريتم بثمَن" (1كو 6: 20).. "الذي بَذَل نفسَهُ لأجلِنا، لكي يفدينا من كل إثمٍ" (تي 2: 14).. "المسيح افتَدَانا من لعنَةِ الناموس" (غل 3: 13).. "لأن هذا حَسَنٌ ومقبُولٌ لدى مُخلّصنا اللَّه" (1تي 2: 3) وقال بطرس الرسول: "عالمين أنكم افتُدِيتُم لا بأشياء تفنى، بفضَّةٍ أو ذهبٍ، من سيرَتِكُم الباطلة.. بل بدم كريم، كما من حَمَلٍ بلا عيب ولا دنس، دم المسيح، معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم" (1بط 1: 18 – 20) وقال يوحنا الحبيب: "يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1يو 2: 1، 2).