ثانيًا: الزواج من غرباء عن المجتمع
كذلك بعض أبنائنا يقبلون أحيانا الارتباط بطرف غريب عن المجتمع الذي عاشوا أو نشأوا فيه، وهؤلاء أيضًا قد تواجههم بعض الأمور نتيجة هذا الارتباط. وهذه الأمور غالبا ما تكون متوقعة نظرًا للخلافات الواضحة في طبيعة الحياة بين المجتمعات. فكل مجتمع له عرفه وتقاليده وعاداته وقيمه الأخلاقية التي تحكمه. بل أحيانًا يتحكم في حياة الناس فيه الطقس والمناخ والحالة الاقتصادية والثقافية وظروف البيئة إن كانت زراعية أو صناعية وتجعل لهم أنواعًا معينة من الملبس والمأكل وأسلوبًا خاصًا في التصرفات الشخصية والمعاملات مع الآخرين، ومجالات خاصة من وسائل الترفيه وكيفية تقضية أوقات الفراغ وأنواعًا خاصة من القراءات التي يشغفون بها والموسيقى التي يحبون سماعها، وهذا إلى جانب حتمية الخلاف في اللغة وإن لم تكن اللغة فيكون الاختلاف في اللهجة وفي استخدام بعض الكلمات والأمثال والاصطلاحات العامة. يضاف إلى ذلك نظرة كل مجتمع إلى الدين وما يتعلق به من الاعتراف بوجود الله والعبادات الواجبة نحوه والتمسك بوصاياه والإيمان بمواعيده إلى غير ذلك.
فإن كان ذلك المجتمع متمسكًا في عمومه بالدين فهناك احتمال آخر هو الاختلاف في المذهب وإن لم يكن في المذهب ففي الملة لأن الطرف الآخر في المجتمعات الأجنبية قد يكون أرثوذكسي المذهب ولكن من ملة أخرى لأن الملل مختلفة واختلافها غالبا مرتبط باختلاف الجنسيات حيث توجد ملل أرثوذكسية عديدة غير الأقباط، منها الأرمن والروم والهنود والأحباش والروس والسريان وبعضها متفق والبعض الآخر مختلف والاختلافات مابين الملل وإن كانت تمنع من الارتباط الزيجي حسب رأي الكنيسة القبطية إلا أنها فوق ذلك لها اعتبار آخر كخلافات قائمة بالفعل ولها تأثيرها على حياة الأفراد.
ويظهر تفاوت الاختلاف بين المجتمعات عند مقارنتها ببعضها البعض من مقاطعة إلى أخرى في الإقليم الواحد. بل إن هذا التفاوت يزيد حدة واتساعًا من إقليم إلى آخر في القارة الواحدة. فكم بالحري عندما يكون الاختلاف على مستوى القارات أي عندما يكون طرف من قارة والطرف الآخر من قارة أخرى كأن يكون زوج إفريقي مصري أسيوطي أبنوبي وزوجة من أمريكا الشمالية مقاطعة بنسلفانيا مدينة هارسبورج مثلًا.
أما إذا حدث فعلًا وارتبط أو أراد أن يرتبط طرفان تجمع بينهما هذه الخلافات المتباينة، فإما أن أحدهما تكون عنده قدرة فائقة على سرعة التكيف والتأقلم مع الطرف الآخر أو أن يكون قادرًا بقوة على تغيير الطرف الآخر لكي يتوافق معه فتستقيم الحياة بينهما وتستمر، وإما أن يبقى الطرفان كل منهما محتفظًا باتجاهاته وتكوينه، ومن ثم تستحيل الحياة بينهما فتنتهي إلى فُرقة.
لذلك نرى كثيرًا من أبنائنا الذين يحسون بعدم قدرتهم على التكيف السريع، يقطعون المسافات الطويلة ويتكلفون نفقات كثيرة لكي يحضروا إلى وطنهم لاختيار شريكة حياتهم. وقد يحضرون أكثر من مرة لهذا الغرض، وذلك تجنبا لمخاطر الاختيار الذي تكتنفه كل هذه الاختلافات خصوصًا أنهم يلمحون صفات غالبة على المرأة الأجنبية لها في نظرهم تأثيرها على إمكانية استمرار الحياة العائلية واستقرارها معهم، أو قد تتعب نفسيتهم ولا تتفق مع طبيعتهم التي نشأوا فيها في بيوتهم التي اعتادوا فيها على بعض القيم والخصائص التي تحكم العلاقات بين الزوج والزوجة في الطاعة والخدمة والتحفظ والنواحي السلوكية المختلفة.
وكما أن المرأة الأجنبية لها صفاتها المغايرة كذلك الرجل الأجنبي أيضًا قد تكون له طباعه وأسلوب حياته المغاير وطريقته الخاصة في معاملة الزوجة وقد يكون غير متوافق إلى حد ما كطرف غريب، يضاف إلى ذلك المفارقات المتعددة بين المجتمعات كما سبقت الإشارة.
كل هذا ينبه أبناءنا الذين يعجبون ببعض القيم والفضائل الطيبة في الشخصية الأجنبية وتشجعهم على الارتباط بهم - ينبههم إلى أن يعملوا أولًا حساب النفقة قبل أن يقدموا على مصاهرة الغرباء عن مجتمعهم الذي عاشوا فيه.