وكمثال سابع: المسيحي الأرثوذكسي يعطي مقامًا كبيرًا لسر التناول وعندما يمارسه يتقدم له برهبة فائقة واستعداد خاص روحي وجسدي (1كو11: 28، خر19: 14-15، عب10: 22) وإيمان عظيم في قيمته بما يحمله من عطايا إلهية حددها المسيح نفسه له المجد "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه، ويحيا بي، وأنا أقيمه في اليوم الأخير، وله الحياة الأبدية، ويحيا إلى الأبد، وأنه لمغفرة الخطايا" (يو6: 56، 54، 51، مت26: 28).
كما يتقدم له بفرح عظيم لأنه ينال نعمة روحية تسترجع نفسه بها ما فقدته من الفضيلة وتسترد جمالها الذي شوهته الخطية لأن التناول يردع عن الشر وَيُثَبِّت في الخير.
ويؤمن المسيحي الأرثوذكسي أن جسد المسيح مأكل حقيقي ودم المسيح مشرب حقيقي (يو6: 55) لذلك ينالهما في حقيقتهما حسب إيمانه تحت صورة الخبز والخمر، اللذين يتم تقديسهما وتحولهما إلى جسد المسيح ودمه حسب الرسم والترتيب الذي تمارسه الكنيسة حسب ما تسلمه التلاميذ من سيدهم بعد العشاء الأخير ليلة آلامه.
وكمثال ثامن: المسيحي الأرثوذكسي الذي ينال شركة ذبيحة المسيح يحترس في أمور خاصة جسدية وروحية (عب10: 29، 2بط2: 20-22) تديم له الإحساس بقدسية وكرامة السر الذي تناول منه فتدوم له حياة النعمة والطهارة والتوبة بدوام احتراسه وحرصه. والاحتراسات الجسدية التي يراعيها هي سبب حسي ملموس لأن يستمر متذكرًا للنعمة التي حصل عليها فيبقى ثابتًا في المسيح، أما الاحتراسات الروحية فهي استمراره في ممارسة جهاده الروحي في الصوم والصلاة والتسبيح والتأمل والتوبة وقراءة كلمة الله، ومثابرته عليها بعد التناول كضرورة لحفظ ثماره من فرح وطهارة وسلام. وإن كان يتقدم للتناول ثانية فلكي يضرم روحانية جهاده الروحي مرة أخرى وهكذا.
وكمثال تاسع: المسيحي الأرثوذكسي يؤمن بسر الاعتراف (أم28: 13، يو20: 23، لا16: 21، لا5) وتأثيره العميق في سلامه الداخلي وفي معاونته على حياة التوبة والنمو الروحي. إذ من خلاله يهتم بمحاسبة نفسه وإعدادها للاعتراف بالخطايا أولًا بأول بروح الندامة الحقيقية والتوبة الصادقة مما يجعله أكثر تدقيقًا في سلوكه وأكثر مخافة من الله في تصرفاته، مستعدًا دائما لملاقاة العريس السمائي.
كما يعتبر هذا السر ضرورة إيمانية لأنه كما ينال حياته بالله في سر التناول ينال أيضًا سلامه في الله بالصفح عن خطاياه في سر الاعتراف، والمسيح قد أكمل عنا في جسده على الصليب ذبيحة خطية وفي قيامته قوة حياة، فعند الاعتراف ينال المؤمن حقه في صليب المسيح كذبيحة خطية لغفران خطاياه وعندما يتناول ينال حقه في قيامة المسيح كقوة حياة لأجل خلوده. من أجل هذا يحرص دائما أن يتمم سر الاعتراف خصوصًا قبل تقدمه لسر التناول.
وكمثال عاشر: المسيحي الأرثوذكسي إذا مرض هو أو أحد له فإنه يؤمن بسر مسحة المرضى (يع5: 14-15) وما فيه من قوة على شفاء المرضى لذلك يستدعى الأب الكاهن للصلاة على المريض ودهنه بزيت المسحة، ويؤمن بالحقيقة الكتابية أن صلاة الإيمان تشفي المريض وإن كان قد فعل خطية تغفر له، وأن التلاميذ دهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم (مر6: 13). ورجاؤه المفرح في هذا ليس في شفاء مرضه الجسدي وإنما في شفاء مرض الروح أي الخطية لأنه يعترف وينال الحل من خطاياه قبل دهنه بالزيت فتستريح نفسه من ثقل الخطية ويطمئن قلبه لخلاصه الأبدي ويترك جسده ومرضه بين يدي الله فيرتفع الألم ويتوشح بصبر واحتمال عجيبين بعمل الروح القدس فيه بواسطة السرين اللذين نالهما (سر الاعتراف وسر مسحة المرضى).