خامسًا: عدم الزواج من غير المؤمنين
سبق وذكرنا تحذيرات الله المتكررة لشعبه في العهد القديم من مصاهرة الغرباء عن الإيمان حيث نهاهم عنها كلية، حفظًا لقداستهم وعدم فناء إيمانهم. كذلك في العهد الجديد حرصًا من الله على قداسة شعبه وحفظ إيمانهم أمرهم بعدم الزواج من غير المؤمنين. فقد أوصى معلمنا بولس "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين. لأنه أية خلطة للبر والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة وأي اتفاق للمسيح مع بليعال، وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن، وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان، فإنكم أنتم هيكل الله الحي. كما قال الله إني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا. لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب. ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم. وأكون لكم أبًا وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء. فإذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله" (2كو6: 14-18، 7: 1).
هنا ينهي بولس الرسول عن الارتباط بغير المؤمنين عاقدًا مقارنة بين المؤمن وغير المؤمن تجعلهما على طرفي نقيض من جهة النعم الإيمانية موضحًا استحالة ارتباطهما بالزواج الذي يعتبر أقوى العلاقات شركة واتصالًا وأشد تأثيرًا على حياة الفرد ومستقبله الأبدي، مُظهرًا نجاسة هذا الارتباط، وتسببه في فقدان مواعيد الله للمؤمنين وأهمها عطية البنوة لله وما يخصها من عطايا أبدية.
ومن يتأمل قوة هذه المقارنة يستوضح كيف ترسم للإنسان المسيحي صورة جلية لمقامه الروحي. فتجعله يحرص كل الحرص على عدم ضياع امتيازاته الروحية الفائقة بحذره من السقوط في فخ الزواج من الغرباء ويجتهد في أن يكمل قداسته في خوف الله. ووصية معلمنا بولس في هذه المقارنة هي امتداد لما أوصى الله به شعبه قديمًا بعدم مصاهرتهم لشعوب الأرض.
وإن كانت بعض العقائد تسمح بالزواج من الغرباء عن الإيمان إلا أن عقيدتنا الأرثوذكسية تمنع وتحرم هذا النوع من الزواج. أولًا طاعة للوصية. وثانيًا حفظًا للإيمان المسيحي. وثالثًا استقرارًا للحياة الأسرية التي تعتبر العقائد الإيمانية والشعائر الدينية العامل الأساسي في بنيانها. ورابعًا تمسكًا بمستوى حياة الكمال المسيحي في القداسة.
إلمامة بتشريعات القداسة وتقنينها في العهد الجديد:
كمبادئ عامة لقيمة القداسة في حياتنا قد أوضحت كلمة الله لنا أن القداسة أمر إلهي، وأنها إرادة الله في حياتنا، وأساس دعوة الله لنا، وشرط لمعاينة الله، وعامل هام لقبول الله لعبادتنا. وبالنسبة لأبناء العهد الجديد المولودين روحيًا بالمعمودية فالقداسة ضرورة حتمية لهم كأصحاب سيرة ملائكية عتيدين أن يرثوا السماء. لذلك أوجبت كلمة الله القداسة صفة عمومية لكافة المؤمنين؛ الأولاد والبنات والمتزوجين والعجائز والجميع بدون استثناء. والواقع الفعلي في حياة المؤمنين يؤكد حرصهم على قداستهم وتعففهم في الأمور الجسدية.
ومما يُعلي شأن القداسة في المسيحية قدسية العلاقة الزوجية والتأكيد على الآداب الواجب مراعاتها فيها. وكذلك منع تعدد الزوجات والتمسك بمبدأ الزوجة الواحدة والتزام المسيحيين في كل ربوع العالم بهذا المبدأ. وذلك لأسباب كثيرة منها مسايرة هذا المبدأ لمستواهم الروحي وحفظًا لكرامة المرأة، وإيفاء لحق إنسانيتها، وتفاديًا لمشاكل الحسد والغيرة بين الضُرَّات وحفظًا لسلام الأزواج وراحتهم من متاعب التفرقة بين الزوجات.
ومن مظاهر القداسة في المسيحية أيضًا تشجيع الكنيسة لمبدأ الزيجة الواحدة حيث أنها تحيط الزيجة الأولى فقط بكل المباهج والرموز التي تشير إلى العرس الأبدي.
لذلك كثيرون يرفضون الزيجة الثانية بعد ترملهم. وتاريخ الكنيسة يذكر أمثلة كثيرة لقديسات مترملات رفضن هذه الزيجة.
ومن العلامات المميزة للقداسة في المسيحية تحريم الزواج من غير المؤمنين وذلك للفارق الروحي بين جسد المؤمن الذي نال نعمة التقديس بالمعمودية والميرون والاتحاد بجسد المسيح وبين جسد غير المؤمن الخالي من هذه كلها، وكذلك للفارق بين المستوى الروحي المطالب أن يحيا به المؤمن وبين مستوى غير المؤمن.
والآن بعد هذه الإلمامة بما تم عرضه من تشريع وتقنين للقداسة في المسيحية هل يمكن أن نجد ديانة على وجه الأرض لها مستوى من القداسة بمثل هذا التشريع أو التقنين؟ حقًا إن المسيحية تعتز وتفتخر بمسيحها القدوس الذي شرع وقنن لها مستوى فائقًا لحياة مقدسة تؤهلها لحياة سماوية ملائكية. ويا ليت كل زوجين يدركان هذه الحقيقة فيجاهدان ليعيشا هذا التشريع وهذا التقنين استعدادًا لحياتهما في السماء.