تقنين الله للقداسة في العهد القديم
اهتمام الله بقداسة شعبه:
اهتم الله جدًا بقداسة شعبه بعزلهم عن الشعوب الوثنية التي كانت حياتهم وعبادتهم ممزوجة بالنجاسة والزنى، وذلك منذ بداية دعوته لأب الآباء إبراهيم حيث قال له "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك" (تك12: 1). وهكذا كرر الله نفس الدعوة لإسحق ويعقوب. وحتى عندما جاء أبناء يعقوب إلى مصر رتب الله أن تُحدد إقامتهم في أرض جاسان فعاشوا فيها منعزلين عن المصريين وأصنامهم. وعندما قال موسى لفرعون "هكذا يقول الرب أطلق شعبي ليعبدوني" وقال له فرعون "اذهبوا اذبحوا لإلهكم في هذه الأرض" أجابه موسى "لا يصلح أن نفعل هكذا في وسط المصريين. نذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا، كما يقول لنا" (خر8: 20، 25، 27). وعندما سلم الرب لوحيْ الشريعة لموسى ضَمَّن اللوح الأول وصايا تحصر علاقة شعبه به هو وحده وفصله عن كل آلهة الأمم وقال له "أنا هو الرب إلهك لا يكن لك آلهة أخرى أمامي". وفي الوصية الثانية نهاه عن عبادة الأوثان وقال له "لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما... لا تسجد لهن ولا تعبدهن". وفي الوصية الثالثة أمره بالتمسك باسمه حتى لا تتردد على لسانه أسماء آلهة الأمم وقال له "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلًا". وفي الوصية الرابعة منعه من العمل في اليوم السابع وأمره بتخصيصه وتقديسه له ولعبادته وقال له "اذكر يوم السبت لتقدسه".
ولا شك أن مضمون هذه الوصايا الأربعة لشعبه كفيل بأن يحفظ قداستهم وطهارتهم. بل نرى سفر اللاويين الذي يتكلم عن الكهنوت والذبائح والأعياد المقدسة يركز بشدة على حث الله لشعبه على القداسة الكاملة ليكون شعبًا مفرزًا ومكرسًا للرب. حتى أننا نرى كلمة القداسة والتقديس قد تكررت فيه مرات عديدة. هذا خلاف الوصايا المباشرة التي فيها نهى الله شعبه عن أعمال النجاسة والزنى ونظم مباشراتهم الجسدية والتي تعتبر تقنينًا لها ونفصلها فيما يلي:
أولًا: الوصايا والأحكام المباشرة:
- أعطى الرب لموسى الوصايا العشر (خر20) وضَمَّنَها خلاف الوصايا الأربعة الأولي وصيتين مباشرتين لحفظ قداسة الشعب تأمرانهم بالامتناع عن خطايا تنجس الإنسان؛ الوصية السابعة "لا تزن" وهي تنهى بصفة عامة عن الاعتداء على أعراض الناس. والوصية العاشرة "لا تشته امرأة قريبك" وتنهى عن النظر إلى امرأة القريب أو التفكير فيها لاشتهائها لأنها مِلك لآخر ولأن الاشتهاء يقود للخطية. كما يقول الكتاب "الشهوة إذا حبلت تلد خطية" (يع1: 15).
- وأعطاه بعض الأحكام الخاصة بطهارة الجسد (لا15) لتهيئته لحياة القداسة روحًا وجسدًا ومن هذه الأحكام:
- في حالة مرض الرجل بالسيلان أو الاحتلام، وفي حالة النزف الدائم أو الوقتي عند المرأة. يكون كل منهما نجسًا وينجس الأشياء التي يلمسها ويظل هكذا إلى أن يستحم بالماء ويغسل ثيابه وفراشه.
- إذا تمت علاقة زوجية يكون الرجل والمرأة نجسين إلى المساء حتى يستحما بالماء.
- وفي حالة الطمث للمرأة أو بعد الشفاء من السيلان للرجل أو النزيف للمرأة تكون مدة النجاسة سبعة أيام. وبعد انتهائها يتم التطهير باستحمام الشخص بالماء وبغسل ثيابه.
- في الحالات المرضية مثل السيلان أو النزف بعد البرء منها ومُضي سبعة أيام الاختبار، تُقَدَّم ذبيحة خطية للتكفير عن فترة النجاسة وذبيحة محرقة في اليوم الثامن شكرًا لله على انتهائها والبرء منها.
هذه الأحكام نلاحظ فيها تدقيقًا من الوحي في النظر إلى هذه الأمور بالتفصيل وبتأملها نجدها تُظهر لنا:
أ - طبيعة الإنسان التي فسدت بالخطية، وفسادها الذي ينتقل من الرجل والمرأة في الأشخاص الجدد الذين يلدانهم. كما تُظهِر حرص الله الشديد على تنمية شعور واضح بما تُخَلِّفه أعمال الجسد من حالة الدنس للإنسان، وتعميق الاتجاه الروحي المتسامي على الحياة الجسدية.
ب - أما وسائل التطهير فالاستحمام بالماء هو مراعاة للنظافة كضرورة صحية ووقاية من الأمراض ورمزًا للحاجة إلى المعمودية بعمل الروح القدس وكلمة الله لتقديس الروح والجسد معًا. والتكفير بدم الذبائح يرمز إلى الحاجة لدم المسيح الكفارة الحقيقية عن الخطية. والاهتمام بغسل الثياب لمن كان في حالة النجاسة فبجانب مراعاة النظافة هو إشارة أيضًا إلى ضرورة كراهية كل ما يمت للنجاسة بِصِلَةٍ حتى الثياب كما يقول يهوذا الرسول "مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد" (يه23).
حـ - أما تقييم العلاقة الزوجية من جهة الطهارة فهي وإن كانت مقدسة وحقًا للزوجين إلا أنها اعتُبِرتْ منجسة للزوجين معًا إلى المساء.
هذه وصايا وأحكام التطهير عمومًا لدى الرجل والمرأة. بعدها ننتقل إلى الزيجات المحرمة.