4 - درجات التبتل بين المتزوجين:
يختلف مفهوم التبتل بين المتزوجين عن مفهومه بين المتبتلين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فدرجات التبتل بين المتبتلين انبنت على قاعدة درجة التوحد، أي مدى بعد الإنسان عن العالم وخلوه من أي علاقات تعامل مع أي إنسان حتى مع سكان البرية أنفسهم. أما درجات التبتل بين المتزوجين فمبنية على قاعدة مدى خلوهم من العلاقات الجسدية الزيجية.
وكما كانت الوحدة بين المتبتلين مقياسًا لاقتراب النفس إلى الله وانفرادها به، كذلك الخلو من العلاقات الجسدية بين المتزوجين مقياس لحرية الإنسان من عبودية شهوات الجسد وتفرغه أكثر لعبادة الله وخدمته. ويمكن ترتيب درجات التبتل بين المتزوجين كالآتي:
الكهنة المتبتلون - المتزوجون المتبتلون - المترملون - الكهنة الذين يعيشون في طقس الزيجة - المتزوجون الأبرار - المتزوجون المتدينون - المتزوجون العاديون - المتعثرون - الساقطون
أ - الكهنة المتبتلون: وتتأسس بتوليتهم على وحدة الهدف المشترك الذي يجمع الكاهن وزوجته على التفرغ الكامل لخدمة المسيح. بحيث نجد حياتهما كليهما مكرسة للخدمة. وخدمتهما تحفظ بتوليتهما وتسندها. وبتوليتهما تسمو بروحانية خدمتهما وتنميها.
ب - المتزوجون المتبتلون: وهم الذين يكونون متفقين أصلًا فيما بينهم على أن يتزوجوا مع بقائهم في حالة البكورية. أما سبب زواجهم فهو لكي يتعاونوا معًا على سبل الحياة والمعيشة، مع الاستغناء عن العلاقة الجسدية ليس احتقارًا لها ولكن حبًا في البتولية. وهؤلاء لابد أن ينظم حياتهم قانون روحي وبرنامج للخدمات الروحية والاجتماعية يملأ وقت تبتلهم.
حـ - المترملون: هؤلاء الذين انتقلوا إلى حياة البتولية لأنه قد انقطعت علاقتهم بالحياة الجسدية كلية، وأصبحوا مهيئين لتكريس جسدهم وروحهم لله. وأصبح لا هدف لهم سوى الحياة لله، وخصوصًا إذا كانوا قد انتهوا من مسئولية تربية أبنائهم وبناتهم. وهؤلاء يمكن استثمار وقتهم في كثير من الأنشطة التي تحتاجها الخدمات الكنسية المتنوعة.
وأصحاب هذه الدرجات الثلاثة أ، ب، حـ من المتبتلين لا تنفعهم بتوليتهم إلا إذا طابقوا حياتهم عليها ليس بمعنى أنهم سيذهبون إلى الأديرة لكي يصيروا رهبانًا أو راهبات، ولكن بمعنى استغلال كل طاقتهم ووقتهم للحياة في الله ومعه وله. وكمثال يقدم لنا معلمنا بولس نموذج أصحاب الدرجة حـ وهم المترملون فيذكر صفات التي تحسب بالحقيقة أرملة فيقول "التي هي بالحقيقة أرملة ووحيدة فقد ألقت رجاءها على الله. وهى تواظب الطلبات والصلوات ليلًا ونهارًا. مشهودًا لها في أعمال صالحة. أن تكن قد ربت الأولاد، أضافت الغرباء، غسلت أرجل القديسين، ساعدت المتضايقين، اتبعت كل عمل صالح" (1تى5: 5-10) ويميز بينها وبين الأرملة المتنعمة - والأرملة التي تسير سيرة غير حسنة فيقول "وأما (الأرملة) المتنعمة فقد ماتت وهى حية. كذلك الأرامل اللاتي يتعلمن أن يكن بطالات يطفن في البيوت. ولسن بطالات فقط بل مهذارات أيضًا وفضوليات يتكلمن بما لا يجب. هؤلاء لهن دينونة" (1تى5: 5-10).
وهذه الصفات السلبية والإيجابية هي بعض ما يمكن أن يقيس أصحاب هذه الدرجات الثلاثة حياتهم عليها بحيث تحسب بتوليتهم لهم أو عليهم. بما يعني أن البتولية ليست غاية في حد ذاتها بل بما يحققه صاحبها من طهارة وعبادة وخدمة. يلي ذلك ثلاث درجات للمتزوجين الصالحين.
د - الكهنة الذين يعيشون في طقس الزيجة: هؤلاء يقدسون أكثر من نصف العام في الأصوام الكنسية، والباقي من العام تملؤه القداسات العامة الأسبوعية والشهرية في تذكارات الملاك والعذراء والبشارة وتذكارات كبار القديسين، والقداسات الخاصة لتذكارات الراقدين أو للشكر أو للرعاية أو للنجاة من ضيقة، وهذه كلها تستوجب استعدادهم الجسدي مع استعدادهم الروحي، أي أن تبتلهم يستغرق معظم أيام السنة.
هـ - المتزوجون الأبرار: هم المتزوجون الذين يعيشون حياتهم العادية في طقس الزيجة. ولكنهم يعيشون في مخافة الله ويدققون في حفظ طهارتهم ويهتمون بحفظ جميع الأصوام وأيام الآحاد والأعياد ويحيون في بساطة وقناعة وتعفف ويتحلون بالوداعة والاتضاع ويواظبون على عمل الخير.
و - المتزوجون المتدينون: وهم الذين يتمسكون بأوامر الدين، ولكن لا تزيد قامتهم في البتولية أكثر من حفظهم الصوم الكبير وصوم يونان ويومي الأربعاء والجمعة وبرامونيّ الميلاد والغطاس. ويعيشون حياتهم الجسدية العادية في حدود علاقاتهم الزيجية المشروعة.
هذه الرتب الثلاثة د، هـ، و يتدرج أصحابها تنازليًا في الكم الذي يتمتعون به من حياة التبتل. أما الرتب الثلاثة التالية ز، ح، ط فهي خالية تمامًا من رائحة البتولية، وأصحابها يتدرجون أيضًا تنازليًا في تدهور نصيبهم من حياة الطهارة.
ز - المتزوجون العاديون: وهم الذين يعيشون على هامش الدين، لا يعرفون ولا يحفظون أصوامًا ولا آحادًا، ويعيشون حياتهم الجسدية بطولها وعرضها، ولربما فضيلتهم المتبقية لهم من جهة القداسة هو حفظهم وصية "لا تزن".
ح - المتعثرون: وهؤلاء هم الذين يسقطون في خطايا النجاسة والدنس ثم يندمون ويرجعون، ثم يضعفون ويعودون فيسقطون ثم يندمون ثانية وبعد ذلك يسقطون وهكذا. هؤلاء محتاجون إلى وقفة جادة مع أنفسهم لكي يقدموا توبة صادقة ويساعدهم على ذلك رفع قلبهم إلى الله وطلب معونته ومساندته مع ابتعادهم عن أسباب الخطية. ومن المعزي أن بعض هؤلاء يأتون باكين معبرين عن ضعفهم لمقاومة الخطية. وبعض هذا البعض يطلبون من تلقاء أنفسهم قوانين تأديبية لخطاياهم لعل الله يرحمهم ولعلها تقودهم إلى التوبة.
ط - الساقطون: وهؤلاء هم المغلوبون من خطاياهم وغارقون فيها ومستعبدون لها، ولكن يوجد في أعماقهم شعور بالذنب وخوف من نار الأبدية، ولكنهم عاجزون عن الخروج من وحل الخطية، والله من أجل محبته لا يترك هذه النفوس التي وإن كانت ساقطة ولكنه ينظر إلى اشتياقات أعماقها، فيوفر لها بطريقته الخاصة فرصة قيامها من موت الخطية إما بوسيلة التأديب أو بغيرها.
وهذه الرتب الثلاثة الأخيرة أوردناها لكي يتضح أمام أصحابها مدى فقرهم الروحي وتعرضهم لفقدان حياتهم الأبدية. ولكن في نفس الوقت طريق الخلاص مفتوح أمامهم والرجاء مقدم للجميع في قبول الله لكل نفس تنصت لصوته في داخلها مهما بلغت درجة سقوطها أو خطئها.
أما الرتب الستة الأولى فهى سلم يتطلع الطامحون من أصحابها إلى الأفضل بصعودهم عليه من درجة أقل إلى درجة أعلا كلٌ حسب قامته وحسب نعمة الله المعطاة له.