11- هل يمكن أن يسمح الله كأب حنون بعذاب الجحيم القاسي للأشرار؟ وهل لا يتعارض ذلك مع أبوته الحانية؟
السؤال الحادي عشر
هل يمكن أن يسمح الله كأب حنون بعذاب الجحيم القاسي للأشرار؟ وهل لا يتعارض ذلك مع أبوته الحانية؟
الإجابة:
يرفض الأشرار حب الله وأبوته لهم. هم لا يعتبرون وجوده في حياتهم، فلا يخضعون لوصاياه، ولذلك يفصلون أنفسهم عنه وَيُصِرون على ذلك، وبالتالي يفقدون علاقتهم بالله تمامًا فلا يصيرون أبناء له، بل يعادونه ويقومون عليه، ولذلك هم يستحقون قضاء الله العادل. إنهم في ذلك يشبهون الغصن الذي انفصل عن الكرمة فَذَبُلَ ومات، ولا مفر من حرقه كقول الكتاب: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ". (يو15: 6).
لقد أختار هؤلاء الأشرار -بإرادتهم الحرة- على مدى سنوات عمرهم، وحتى النفس الأخير الخروج خارج دائرة حب الله ورعايته، وأحبوا الظلمة أكثر من النور؛ فتأهلوا لهذا العذاب القاسي بجدارة، وفيما يلي نشرح ذلك تفصيلًا:
أولا: الله هو الأب الحقيقي، ولكنه ليس أبًا للأشرار:
ليست البنوة علاقة نسب جسدية فقط ولكنها أسمى من هذا بكثير. وفيما يلي بعض لمحات عن هذه العلاقة العجيبة:
· هي علاقة ورباط ووحدة الأب بابنه:
يرى الأب نفسه في ابنه؛ لأنه هو ذريته، وامتداده الطبيعي، ولهذا فهو يقبله كنفسه، ويفرح به. إن أعظم حب يمكن أن يدركه البشر هو حب الأب لابنه (أو ابنته). لقد أعلن الأب في مثل الابن الضال لابنه الأكبر - المتذمر عليه - عن ذلك حينما نسب لابنه كل ما له قائلًا: "فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ، وَكُلُّ مَا لِي فَهُوَ لَكَ." (لو15: 31).
· البنوة قبول، واعتراف:
إن معاملة البنين تختلف تمامًا عن معاملة العبيد، الذين يُقهرون، ويُذلون ليخضعوا لسادتهم صاغرين. أما معاملة الأبناء فتختلف تمامًا عن ذلك، فليس من الحب أن يقهر الأب ابنه، بل ينصحه ويبذل أقصى جهد ليبعده عن ضرر نفسه، لكنه في ذات الوقت يحترم حريته. أما الابن فيجب عليه قبول أبوة والده، والاعتزاز بانتمائه له، وأيضًا الخضوع له في حب. لقد حكى الرب لنا في مثل الابن الضال عن ابنٍ عاص ومعاند، ومع ذلك لم يقهره أبوه بل احترم حريته، لم يمنع الأب عطاياه عن ابنه في هذا المثل كقول الرب بفمه المبارك: "... إِنْسَانٌ كَانَ لَهُ ابْنَانِ. فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ" (لو15: 11- 13).
· مخاطر تهدد كيان البنوة:
كلما قبل الابن طبيعة وشخصية أبيه وتوافق معه، واعتز به كلما اعتز الأب بابنه، وتقرب إليه وارتبطا ببعضهما البعض، والعكس صحيح كلما رفض الابن طبيعة وشخصية أبيه كلما تألم الأب، وأحس بتغرب ابنه عنه، وذلك كقول الرب عن عدم انتماء الأشرار من بني إسرائيل لإبراهيم أب الآباء "... لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ! أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَق..." (يو8: 39- 44).
· انفصال الابن عن أبيه هو موت من حياته:
يأتي وقت ينشق ويقوم فيه الابن على أبيه نتيجة لإصراره على المخالفة، والعصيان، فينفصل عنه، ويموت من حياته كما ينفصل العضو الميت من الجسد الحي فيبكي أبوه عليه بمرارة قلب، ولكنه لا يقدر أن يضم ذلك العضو الميت له كما وصف الأب حال ابنه بعد رجوعه في مثل الابن الضال قائلًا عنه: "لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالًا فَوُجِدَ..." (لو15: 24).
· استحالة قبول الابن الشرير:
إن اعتراف الأب بابنه وضمه إليه وهو مصرٌ على عصيانه وشره هو تنازل عن الحق، ومشاركة وقبول للفساد الذي يحيا فيه الابن، وهذا هو المستحيل بعينه بالنسبة للآباء الأبرار، وبالأحرى لله القدوس، الذي لا ولن يتخلى عن قداسته أبدًا كقول الكتاب: "... إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أَيْضًا سَيُنْكِرُنَا. إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ." (2تي2: 12- 13).
· النتيجة الحتمية:
إن الابن الشرير يتغرب عن أبيه، ويموت عنه، فيلفظه أبوه ولا يعترف به كابن، وهذا ما سيسمعه الأشرار في اليوم الأخير من فم الرب القائل: "... أَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ، تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الظُّلْمِ!" (لو13: 27).
إن هذا يشبه ما هو حادِث مع البشر في حياتهم المادية، فالآباء يحتملون أبناءهم كثيرًا، ولكن مع استمرارية رفض الأبناء الخضوع لآبائهم، وعصيانهم لهم باستمرار يأتي وقت يصرخ فيه الآباء في وجوه أبنائهم قائلين " لا أنت ابني ولا أعرفك". إنه ليس بأمر هين على الأب أن يفعل ذلك، ولكنه اختيار وقرار وإصرار الابن على الموت من حياة أبيه. إن مثال ذلك لفظ جهاز المناعة في الجسد البشري لعضو زرعه الأطباء، ولكنه لا يتوافق مع خلايا الجسد. إن لفظ الأشرار من بنوتهم لله أمرًا واقعًا لا يمكن تفاديه، ما داموا لا يقبلون أبوة آبائهم، وهذا ما قرره الله على فم معلمنا بولس بقوله لأهل كورنثوس: "لا تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟" (2كو6: 14- 15). فكيف يقبلهم الله ويضمهم إليه وهم أشرار؟!!!