· كان لهذه الممالك اعتقادًا في قدرة آلهتهم الوثنية؛ ولذلك صارت غلبة الله على هذه الممالك خصوصًا الممالك الكبيرة دليلًا على عدم نفع هذه الأوثان، وكذب اعتقاد هذه الشعوب فيها، وإعلان أيضًا لعظمة إلهنا رب السماء والأرض والخليقة وما فيها.
خامسًا:
بالنسبة لموت الأطفال أو النساء أو الشيوخ
· إن حكم الموت على البشر هو حكم غير محدد بسن معينة ولا على فئة معينة من البشر؛ بل الجميع معرّضون للموت في أية لحظة من حياتهم سواء سيدات، رجال، أطفال، شيوخ، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وذلك بحسب قول الكتاب: "لأن الإنسان أيضًا لا يعرف وقته. كالأسماك التي تؤخذ بشبكة مهلكة، وكالعصافير التي تؤخذ بالشرك، كذلك تقتنص بنو البشر في وقت شر، إذ يقع عليهم بغتة" (جا 9: 12). وأيضًا الطريقة التي يسمح الله أن يموت بها كل إنسان غير محددة، فقد ينتهي عمر الإنسان بسبب المرض أو الغرق أو الحريق أو بسبب طعنة سيف أو طلقة بندقية أو... أو... ولا يعني هذا شيئًا بالنسبة لرضى الله عن ذلك الإنسان أو عدمه، ولكن ذلك يشير إلى:
§ ضعف البشر عمومًا.
§ بشاعة الخطية التي جلبت على الإنسان هذا الموت البشع، ولهذا بكى الرب على حال البشر عند موت لعازر رغم أنه كان سيقيمه بعد دقائق من بكائه على قبره.
§ انتهاء عمر الإنسان في أية لحظة وزوال العالم الحاضر.
· أخيرًا نود أن نؤكد أنه لا حق للإنسان في الاعتراض على طريقة أو أسلوب الموت لأننا أخطأنا وجلبنا على أنفسنا حكم الموت فهل للمخطئ أن يختار أسلوب معاقبته على خطئه، ولا يمكننا أيضًا أن نلوم الله الخالق الحكيم على خلقته للإنسان بهذه الطبيعة الضعيفة المعرّضة للموت بطرق كثيرة، ومن منا يعترض على شركة صناعة السيارات لأن سيارته اصطدمت بسيارة أخرى، فتهشمت سيارته وتدمرت وعمومًا من يعطي له حق الأخذ أيضًا كقول أيوب الصديق: "عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا" (أي 1: 21).
· أحكام الله بالموت على الإنسان تخص هذه الحياة الأرضية فقط، وهي لا تقارن بالأبدية مهما كانت صعبة، لأن الأبدية لانهائية فقد تنتهي حياة قديس بموت رديء كإشعياء النبي، الذي نشره اليهود بمنشار،أو بطرس الرسول الذي صلب منكس الرأس، أو كثير من القديسين الذين قد تم إلقاؤهم للسباع وهذا ليس معناه عدم رضى الله عليهم.
· طريقة أو أسلوب موت البشر لن يؤثر في مصيرهم الأبدي؛ بل أحيانًا يكون سببًا في حياة أبدية سعيدة لا نهاية لها وغير مقارنة بالآلام الزمنية الوقتية (كما في حالة موت الشهداء). وقد أكّد الرب يسوع هذا المبدأ عندما قال لتلاميذه: "وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هذَا خَافُوا" (لو12: 4-5). والرب نفسه حمل عنا عقوبة هذا الموت الرديء بموته على صليب العار متألمًا عنا.
· موت الأطفال والنساء والخراب الشامل الذي يسمح به الله في الكوارث الطبيعية الكثيرة والتي تحدث بين الحين والآخر يهيء البشر لفكرة زوال العالم بكامله، وفي أي وقت دون سابق إنذار وهي أيضًا صورة مصغرة ليوم الدينونة.
سادسًا:
سماح الله للبشر بالموت الرديء:
الخوف من الكوارث أو الحروب أو... أو... أحيانًا يكون سببًا في الاتضاع وطرد الاستهتار من القلب، وبالتالي سببًا لخلاص البعض، وهذا ما أعلنه الوحي الإلهي قائلًا: "وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ، مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّارِ، مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَدِ" ( يه23). وهذا أيضًا ما أكّده الرب عندما أخبروه بحادث قتل هيرودس للجليلين فقال لهم: "كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ" (لو 13: 5) ومن المؤكد والثابت أن أخبار الحروب المدمّرة والكوارث العالمية تحدث خوفًا، بل أحيانًا هلع في نفوس الكثيرين ولذلك ينبئنا سفر الرؤيا بالكثير من الضربات الموجعة التي ستصيب الكون آخر الأيام.
سابعًا:
أظهرت هذه الأحكام العادلة الصورة المتكاملة لصفات الله.
إن أنصاف الحقائق قد تكون أحيانًا كثيرة نوعًا من الكذب، أو الزيف لذلك فمن يتمسك بحنان الله ورأفته على البشر، ويتناسى أو ينكر حزم الله مع الشر يتصور صورة خاطئة عنه فالله متكامل في صفاته، ولابد لنا أن نرى لطف الله وحنانه على التائبين بجانب صرامته على الأشرار ونضع صورة الله المحب غافر الخطايا بجانب الله الديان وهكذا... وقد شهد بذلك معلمنا بولس الرسول قائلًا: "فَهُوَذَا لُطْفُ اللهِ وَصَرَامَتُهُ: أَمَّا الصَّرَامَةُ فَعَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا، وَأَمَّا اللُّطْفُ فَلَكَ، إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ، وَإِلاَّ فَأَنْتَ أَيْضًا سَتُقْطَعُ" (رو11: 22). فإذًا من يعترض على صورة الله القاضي والديان العادل، لا يريد أن يقبل الله الكامل العادل والحق بل يريد إلهًا آخر حسب خياله.