ولكنه لم يتعرَّض لنقطة "قبِّلوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة" (والتي فيها يقوم الرجال أو النساء -كلٍ على حِدَة- بالسلام بالأيدي مع المحيطين به)، ولكن اقترح البعض أن يتم السلام عن طريق إحناء الرأس بصورة بسيطة أو ما شابه بدون تلامُس(11). فأنت عندما تكون واقفًا وحدك في القداس بدون أحد قريب لا تترك مكانك لتدور على الكنيسة بحثًا عن شخص تُسَلِّم عليه، وفي أسبوع الآلام نفعل المِثل بإحناء الرأس عند السلام.
الذي لا يتقدَّم إلى الجسد والدم بهذا الاعتقاد: أنه يُحيي وعربون حياة أبدية وختم غفران خطايا وشفاء من الأمراض لا يتقدَّم للتناول!(12) الأساس في التناول أنه "يُعْطَى عنا خلاصًا، وغفرانًا للخطايا، وحياة أبدية لكل مَنْ يتناول منه"، أما موضوع الشفاء الجسدي من عدمه من جراء التناول، فهذا حسبما يعطي أو يسمح الله، وليس أساسًا في التناول، فنعرف آلاف الأبرار والقديسين الذين كانوا يتناولون وهم يعانون من المرض ولم يُشفوا.. وليس شرطًا أن تقوم بالتناول كل يوم أو كل أسبوع.. بإمكانك تقليل عدد مرات التناول، أو الانتظار لحين انحسار الموجة الحالية من تفشي المرض إن كنت تخشى العدوى.. أو إن كنت تقلق من العدوى بسبب الزحام في الكنيسة -وليس من السِر نفسه- فمن الممكن أن تطلب من الكاهن أن يأتي للمنزل -إن أمكن- ليناول الأسرة كلها مثلما يحدث مع مناولة المرضى في المنازل.. لا يسعنا هنا إلا أن نقول أن إلهنا إله محبة ورحمة لا نهائية، وهو فاحص القلوب والُكَلى، وهو الذي قَبِلَ إليه الذين تَشَكَّكوا وضعف إيمانهم مثل بطرس وتوما الرسولين. إذاً فلنصرخ لله القادر أن يمنحنا الإيمان والسلام حتى يجتاز العالم هذه المِحنة.
إن تغيير شكل الطقس لا يبطل مفعول السر(21)، وهناك بعض الحالات الفِعلية في الكنيسة التي يتم فيها تغيير شكل التناول، مثلما يحدث مع مناولة المرضى وكِبار السن (مناولة الجسد مغموس بالدم)، أو الأطفال الرُّضَّع (مناولتهم الدم فقط). فإن قررت الكنسية اتباع هذا أو ذاك، فليكن وهو مقبول. فالأمر سيكون ليه علاقة بالطقس وليس بالعقيدة.. وهنا لن تقف الاعتبارات التاريخية في استخدام المستير أو غيره في وجه قرار الكنيسة إن رأت حلولًا أنسب.
الآراء جيدة ومسموح بها بالطبع، وهناك اقتراحات كثيرة مقبولة.. نعم، الطقس ينمو أو يتغير عبر العصور حسب الحاجة.. ونحن لسنا كنيسة جامدة ولا رافضة للتفاعل والتغيير. ولكن القرار النهائي الذي يجب أن يلتزم به الجميع هو قرار الكنيسة الرسمي، وقرار المجمع المقدس أو الكنائس المحلية في أنحاء العالم حسب سلطاتها الممنوحة لها.
وهناك أيضًا قرارات على مستوى أعلى، مثل أن تقرر بعض الدول إيقاف جميع التجمعات، أو الغلق المؤقت لبعض الهيئات (ومنها الكنائس)(22)، أو الفَتْح والعمل بنظام معين حسبما يتطلَّب الأمر.. وفي كل هذا تلتزم الكنسية بالخضوع للسلطة المدنية لمراعاة تعليمات السلامة والأمان المطلوبة. وهناك قوانين صدرت لعدد الأشخاص في التجمعات، ما بين 50 أو مائة أو غيره، وحدود المسافة بين شخص وآخر ما بين متر أو اثنين.. إلخ. أو غرامات توضَع على الهيئات أو الأشخاص في حالة مخالفة أي من تلك التعليمات. والجميع مطالب بالالتزام بكل هذا، على كافة المستويات العامة والدينية وخلافه.
وقد أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بيانًا في هذا الإطار يوم السبت 14 مارس 2020 م. (5 برمهات 1736 م.)، ونصه كالتالي(3):
تضامنًا مع توجيهات السيد رئيس الجمهورية بتعليق الدراسة بالمدارس والجامعات للوقاية الصحية من فيروس كورونا الجديد covid-19، قررت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العمل بالقرارات التالية لمدة أسبوعين:
تعليق كافة خدمات التربية الكنسية على اختلاف المراحل العمرية وكذلك الاجتماعات النوعية والعامة.
تعليق كافة الأنشطة الكنسية التي بها تجمعات "الحضانات - مراكز التأهيل - الرحلات.. إلخ.).
تعليق الدراسة بكافة المعاهد والكليات اللاهوتية.
من الممكن إقامة أكثر من قداس يوميًا تجنبًا للزحام، وبالأخص أيام المناسبات والإجازات.
الحرص قبل التوجه لحضور القداسات على التأكد من عدم الإصابة بارتفاع درجة الحرارة أو أعراض الأنفلونزا، مع إحضار كل مُصَلِّي أدواته الخاصة "لفافة وزجاجة مياه وغطاء للرأس للسيدات".
مع مراعاة تقليل التصافح بالأيدي بقدر الإمكان.
وسنظل نصلي لأجل أن يحفظ الله مصر وبلاد العالم أجمع من كل سوء وأن ينجي البشرية من خطر الأمراض والأوبئة واثقين في وعده الأمين: "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر آمين" (مت 28: 20).
وفي يوم 21 مارس 2020 (12 برمهات 1736 ش.) أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بيانًا بغلق جميع الكنائس لمدة أسبوعين، ولحين إشعار آخر. وهذا نص البيان(24):
اجتمعت اللجنة الدائمة للمجمع المقدس، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني صباح اليوم، لمناقشة آخر التطورات بشأن موضوع انتشار فيروس كورونا المستجد COVID-19، وأصدرت اللجنة بيانًا، جاء نصه:
في إطار متابعة الوضع الاستثنائي الذي يمر به العالم هذه الأيام، وكذلك البيانات التي تصدرها تِباعًا منظمة الصحة العالمية والتي تُظْهِر الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد COVID-19 في مختلف دول العالم، ومن بينها بلادنا العزيزة مصر، التي يبذل مسؤولوها قصارى جهدهم في سبيل احتواء الوباء، الذي يُعَد أكبر أزمة صحية خطيرة نواجهها منذ مئات السنين.
ونظرًا لأن التجمعات تمثل الخطر الأكبر الذي يؤدي إلى سرعة انتشار الفيروس، قررت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من منطلق مسؤوليتها الوطنية والكنسية، وحِفاظًا على أبناء مصر جميعًا:
- غلق جميع الكنائس وإيقاف الخدمات الطقسية والقداسات والأنشطة.
- غلق قاعات العزاء واقتصار أي جناز على أسرة المتوفي فقط، على أن تقوم كل إيبارشية بتخصيص كنيسة واحدة للجنازات وتمنع الزيارات إلى جميع أديرة الرهبان والراهبات.
- يسري هذا القرار من اليوم السبت 21 مارس ولمدة أسبوعين من تاريخه، ولحين إشعار آخر.
واختتم البيان:"وإذ تُذَكِّر الكنيسة بقول السيد المسيح: "لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ" (مت 4 : 7)، تناشد جموع الأقباط في مصر والخارج عدم التهاون إزاء الأزمة الحاضرة، والالتزام بالإجراءات التي تعلنها السلطات المسئولة، للمساهمة بفاعلية في تفادي كارثة تلوح في الأفق، يترجمها تزايد أعداد المصابين بالفيروس والمتوفين في العالم، فليس من الحكمة أو الأمانة أن يكون الإنسان سببًا في إصابة الآخرين أو فقد أحد أحبائه.
وتدعو الكنيسة الجميع إلى رفع صلوات وتضرعات في كل موضع، واثقةً في أن صلواتهم سوف تصل إلى مسامع الرب القدير وأنه سيتحنن علينا ويرفع هذه الضيقة، ويعطي شفاءًا وسلامًا وطمأنينة لكل العالم ويبارك كل الجهود التي تبذل لمواجهة هذا الوباء الذي يهدد العالم كله.
كما نصلي بلا انقطاع لكي ينعم الله على المصابين بهذا الداء بالصحة والعافية وليبارك جهود الأطقم الطبية القائمة على متابعة وعلاج المرضى حتى يتم شفاؤهم
إن هذه الظروف الصعبة تعطينا بعض الدروس الهامة كذلك، حسبما قال قداسة البابا تواضروس(23):
هذا زمن توبة: الإنسان يجب أن يلتفت حتى لا تنتهي حياته فجأة، فالله يسمح بمثل هذه التجارب على المستوى العالمي لأجل إيقاظ الناس. ونحن في فترة الصوم الكبير.. وهي فرصة أن نقدم توبة.
هذا زمن صلاة: ارفع قلبك بصلاة مستمرة، واطلب رحمة الله، وأطلب أن تحل الرحمة على كل الناس ويرحم العالم من كل هذه الشرور الكثيرة.. حَوِّل هذه الطاقة التي لديك إلى طاقة صلاة، وصلى باستمرار بمزمور 91: "الساكن في عون العلي.."
هذا زمن سلام: إن كان في حياتك وعلاقاتك مع الناس بعض المشاكل أو الخصام أو مقاطعات أو جفاء، فهذا زمن مُصالحة وسلام. أحيانًا الحياة لا يكون فيها متسع للمصالحة، فاحذر لأن الله يعطيك فرصة فانتبه.. إنه زمن سلام على كل المستويات..
إن اللاهوت الأرثوذكسي يحمل في طيَّاته شركة بين الله والإنسان.. الإنسان له دور، والله كذلك.. الوقاية والبُعْد عن مواطِن الخطر واستخدام الأدوات الصحية وخلافه، هذا دور الإنسان. والله عليه دور في حماية الإنسان الذي يثق به: "لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ" (تث 6: 16؛ مت 4: 7؛ لو 4: 12). فينبغي اتباع أي إجراء وقائي من الدولة والكنيسة بدون تهاون ولا أنانية، فالثقة في الله والطمأنينة لا تعني عدم الاحتراس(4).
ونحن نؤمن أن سر التناول هو سر الحياة، وهو الشافي من مرض الخطية ومن أمراض الجسد والنفس والروح(6)(10). وينبغي الاقتراب من سر التناول بالهيبة اللائقة، وليس بأسلوب الفحص العِلمي(7)، فنحن نتناول جسد القيامة الغالِب الموت، ودم الصليب في الكأس الذي دفع ثمن الخطية (سبب الموت)(14). أساس فاعلية الأسرار كلها هو الإيمان، ونحن إن كنا الآن بصدد الإفخارستيا، فأين إيماننا في باقي الأسرار؟! أنلغي المعمودية والنفخة المقدسة وسر مسحة المرضى وخلافه من أسرار كنسيَّة خلال تلك الفترة أو غيرها كذلك؟! هل فعالية السر هي المُهِمة؟ أم الطعام أو الشراب نفسه؟! إن فعاليات السر تعتمد على الإيمان، وليس على الشكل الخارجي. "بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ" (عب 11: 6).
نحن في ظروف غير مسبوقة في العصر الحديث، ومع إيماننا الكامل بقدسية السر، إلا أننا نعرف أن شكل الطقس شيء وقدسيته شيء آخر.. وقد يحدث أن تقرر الكنيسة بصورة رسمية -سواء في كل العالم أو في بعض البلاد المتضررة حسب تأثرها- تغيير شكل الطقس أو اتخاذ أي إجراءات أخرى حسبما تقتضي الحاجة. وفي هذا أو ذاك نحن إيماننا واحد، وثقتنا في إلهنا الذي يدبر كل الأمور للخير لا تتأثَّر حسب الظروف.