عرض مشاركة واحدة
قديم 29 - 11 - 2021, 08:18 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,621

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الطموح وتعظُّم المعيشة


إن شهوة الاتساع والامتداد كثيرًا ما أتعبت الطامحين. وأوصلتهم إلى الطمع وعدم الاكتفاء. كما يقول سليمان الحكيم "كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن" (جا7:1). وأيضًا: "العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع". وهكذا تجد كثيرًا من المحارَبين بالطموح العالمي، نفوسهم في تعب مهما نالوا ومهما أخذوا بسبب شهوة الاتساع والطمع التي لا يشبعها شيء.

الفرق بين النوعين:

الطموح الخاطئ: كلما يصل ينتفخ ويتكبر.

أما الطموح الروحي، فيفرح بالرب في اتضاع.

إن عمل الاثنان في المجال الديني، فصاحب الطموح الخاطئ يحب أن يصل إلى مواهب الروح التي ينال بها مجدا من الناس. أما صاحب الطموح الروحي، فيسعى إلى نوال ثمار الروح (غل23،22:5)، التي يتمتع فيها بمحبة الله وبالفضائل الخفية.. إنه يجاهد في الروحيات لا ليفتخر بما وصل إليه، بل لأنه يجد لذة روحية في الالتصاق بالرب. ولكما وصل، يزداد اتضاعًا، عارفًا أن طريق الكمال لا يزال بعيدًا. وينظر إلى المثل العليا في حياة القديسين، فيرى أنه لم يفعل شيئًا..! ومهما وصل في طموحه يتذكر قول الرب: "متى فعلتم كل ما أمرتم به، فقولوا أننا عبيد بطالون" (لو10:17).

لذلك فإن قديسين كثيرين وصلوا إلى مستويات عالية جدًا، ومع ذلك كانوا يبكون على خطاياهم. لأنهم كانوا في طموحهم الروحي، كانوا يرون درجات أعلى وأعلى، لم يصلوا إليها بعد..



إن المقاييس تتغير بين الروحيين وأهل العالم في طموحهم.

* إن الذي عنده طموح عالمي يحب مثلًا أن يزداد في الغنى، وتكثر أمواله وأرصدته يومًا بعد يوم حتى أنه قد يصاب بالتجلي.. أما الإنسان الروحي، فإن طموحه هو في توزيع ماله على الفقراء، حتى يكون له كنز في السماء..

* الإنسان الذي عنده طموح عالمي، يحب أن يكون الأول باستمرار، بل الوحيد. ويحب المتكئات الأولى. أما الإنسان الروحي فإن طموحه في أن يكتسب فضيلة الاتضاع، وأن يأخذ المتكأ الأخير ويضع أمامه قول الرسول "مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو10:12). وهكذا يجتهد أن يكون آخر الكل وخادمًا للكل (مر35:9).

الطموح العالمي ينافس الناس ليحل محلهم.

أما الطموح الروحي فيساعدهم على الوصول.

إنه لا يزاحم الناس في طريق الحياة، بل بمحبته يفسح الطريق لهم ليسيروا. إنه من كل قلبه يريد أن يصل إلى الله. ولكنه في طموحه لا يحب أن يسبق غيره، أو أن يعطل غيره ليصل قبله.

لما رأى يشوع بن نون اثنين من يتنبآن، أراد أن يردعهما، حيث أن النبوة هي لمعلمه موسى النبي. فوبّخه موسى بقوله "هل تغار لي أنت؟! يا ليت كل الشعب كانوا أنبياء، إذا جعل الرب روحه عليهم" (عد26:11-29).

الذي عنده طموح روحي يهدف إلى أن يصل إلى قمة الروحيات، من أجل محبته لله، ولكنه لا يفكر أبدًا أن يسبق غيره، أو ينافس غيره، أو يتفوق عليه في الروحيات..

الطموح الذي يريد التفوق على الغير، هذا قد انتصرت عليه الذات ego.

إن طريق الله يتسع لجميعنا، وقمم الروحيات معروضة على الكل. والنعمة مستعدة أن تساعد كل أحد على الوصول. فلماذا التنافس إذن في طريق الطموح، بينما فيه متسع للجميع؟! أتريد في طموحك أن تنتصر على غيرك في الروحيات؟! لماذا؟! وهل في الانتصار، تجد روح المحبة التي تسعى إليها في طموحك؟!



أما طموح الإنسان الذي لا يحب فقط أن يكون الأول، وإنما الوحيد.. فهو بلا شك طموح شرير.

لأنه في طموحه، لا يريد لغيره الخير. وهذا شرّ، إنه طموح قد انحرف، وتحول إلى محبة الذات، أو تحول إلى الأنانية.



الطموح الروحي يسعى إلى الارتفاع فوق مستويات معينة، وليس فوق أشخاص معينين.

فمن الجائز أن ترتفع فوق أشخاص معينين، ويبقى مستواك منخفضًا. كما أن رغبة الارتفاع فوق الغير، قد تعف بك إلى نطاق الحسد والغيرة، مما يتعارض مع روح المحبة الحقيقية. وتظل ترقب هذا الذي ينافسك، وقد تفرح بفشله لأن هذا يعطيك فرصة للتفوق عليه. وهكذا تفقد نقاوة قلبك..

اسعَ إلى الامتياز، ولكن ليس إلى الانتصار على الغير. وإن صرت الأول، فهذا حسن جدًا. وإن لم تصر، فلا تحسد مَنْ صار الأول، بل افرح بتفوقه..

الإنسان الروحي طموحه في أن ينتصر على نفسه، لا على الآخرين.


وليكن هدفك من السعي إلى الكمال هو إرضاء الله وليس المجد الباطل..

إنها وصية إلهية أن تصير كاملًا (مت48:5). فإن صرت هكذا، تفرح بإرضاء الله الذي نفذت وصيته. ويكون فرحًا بغير افتخار، وبغير مقارنة بالآخرين.

الإنسان الروحي في الطموح، ينمو باستمرار.

فالنمو صفة عملية للطموح. ولكنه في نفس الوقت يفرح حينما يرى غيره ينمو أيضًا..

الطموح الروحي ينمو في الروحيات: في الصلاة، في التأمل، في معرفة الله، في محبته، في خدمته، في محبة الآخرين.. وكلها ليست مجالًا للتنافس.

إذا صلى، يحب أن ينمو في الصلاة: من جهة الوقت الذي يقضيه مع الله، ومن جهة ما في الصلاة من حرارة ومن عمق وتأمل، ومن حب وإيمان..


وهكذا مع باقي الفضائل.. باستمرار يمتد إلى قدام.

أما من غير الطموح، فقد يتوقف عند وضع معين، ويتجمد.

وهذا التوقف قد يؤدي به إلى الفتور.
إن تعظم المعيشة pretentious life هو الكبرياء في الحياة، والعجرفة، والتفاخر في الحياة الأرضية بصورة تعكس استقلال إرادي للإنسان عن الله وعدم الاعتماد عليه.. فأين هي أموالك؟! هل هي تحت قدميك أم فوق رأسك؟!

لقد كان أيوب الصديق غنيًا، ولكن أمواله لم تكن هي التي تحركه.. ونفس الحال مع القديس المعلم إبراهيم الجوهري وغيرهم كثيرون ممن يستفيدون بأموالهم في عمل الخير ومساعدة الناس وخدمة الله..

وفي الحياة العملية ينبغي أن يكون الإنسان طموحًا.

يهدف إلى النجاح في كل ما تمتد إليه يده، كما قيل عن يوسف الصديق إنه كان رجلًا ناجحًا. وكان الرب معه، وكل ما كان يصنع، كان الرب ينجحه بيده (تك3،2:39).

وهنا ولعل البعض يسأل: هي يتناقض الطموح مع القناعة؟! كلا.



فالقناعة تكون في الماديات، والطموح في الروحيات.

ويتمشى الاثنان معًا، يقويان بعضهما البعض.

يسأل البعض كيف يكون طموحي نحو الكمال، بينما الكمال لله وحده. فأقول له المطلوب منك هو الكمال النسبي، وليس الكمال المطلق.. وإن لم تصل إلى الكمال، فعلى الأقل أن تنمو. ويجدك الله سائرًا في الطريق، متقدمًا كل يوم..

كن كالشجرة التي كل يوم تنمو. فالصديق كالنخلة يزهو.

ولا تجعل طموحك في أمانتك في عملك، يعطل طموحك في روحياتك.

  رد مع اقتباس