رابعًا: كيف يستفيد منها البشر:
(1) ذبيحة المسيح هي للجميع، فقد مات المسيح عن كل العالم: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3). وقد أمر الرب تلاميذه أن يكرزوا بالإنجيل "لجميع الأمم" (مت19:28، لو47:24)، و"للعالم أجمع... والخليقة كلها" (مر15:16، انظر أيضًا رومية 5:1، 18:5، 32:11، 2كو 14:5و15، غل14:3). ويقول كاتب الرسالة للعبرانيين:"لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد" (عب9:2)، كما يقول يوحنا الرسول: "وهو كفارة لخطايانا ... بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1يو 2:2).
(2) يجب أن يقرر كل فرد موقفه منها: إن دم المسيح هو العلاج الوحيد الناجح الكافي لجميع الخطاة، ولكن على كل إنسان أن يطبقه على نفسه وذلك بالتوبة والإيمان والطاعة:
(أ) التوبة: لقد نادى يوحنا المعمدان والرب يسوع نفسه بضرورة التوبة للدخول إلى الملكوت (مت 2:3، 17:4، مرقس15:1). كما كرز الرسول بطرس بالتوبة في يوم الخمسين وما بعده (أع 28:2، 19:3... إلخ.). كما نادى الرسول بولس بالتوبة إلى الله والإيمان بربنا يسوع المسيح (أع 21:20، رو 4:2... إلخ.).
(ب) الإيمان: لقد جمع الرب يسوع بين التوبة والإيمان: "توبوا وآمنوا بالإنجيل" (مرقس15:1). كما أن الرسول بولس يجعل الإيمان الوسيلة الجامعة المانعة لنوال الخلاص، فالإنجيل هو "قوة الله للخلاص لكل من يؤمن" (رو16:1). ويقول عن المسيح:"الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه" (رو25:3)، وأن كل من "يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له برًا" (رو5:4)، "إذ قد تبررنا بالإيمان" (رو1:5). ويؤكد نفس الشيء في رسالته إلى غلاطية كما في سائر رسائله، فالإيمان هو الشرط الوحيد لنوال الخلاص، ليس الإيمان التاريخي أو العقلي، بل الإيمان القلبي "لأن القلب يؤمن به للبر"(رو 10:10)، الإيمان هو أن يسلم الإنسان نفسه تمامًا للمسيح مخلصًا و ربًَّا (2كو 15:5). كما يؤكد كاتب الرسالة إلى العبرانيين أن الإيمان هو القوة الغالبة وطريق الدخول للراحة والشركة (عب 3، 4). كما يؤكد الرسولان بطرس ويوحنا أن الإيمان هو وسيلة لنوال الخلاص والتمتع بسائر بركات موت المسيح (1بط 8:1 و9، 1يو23:3، 15:4و16، 1:5و5... إلخ.).
(ج) الطاعة في خدمة مضحية: فقد قال الرب يسوع:"من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مرقس34:8، انظر أيضًا مت 38:10، 24:16، لو23:9)، وهو يضع هنا شرطين للتلمذة: إنكار الذات وحمل الصليب. وإنكار الذات معناه أن لا تكون الذات هي مركز الفكر والإيمان والرجاء والحياة. أما حمل الصليب فمعناه حياة التضحية. وكان الرب يسوع يؤكد على هذا المعنى في قوله: "لأن ابن الإنسان لم يأتي ليخدَم بل ليخدُم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مرقس45:10، مت28:20). ويؤكد الرسول بولس هذه المسئولية من جانب الإنسان، بقوله إن ما ينفع إنما هو "الإيمان العامل بالمحبة" (غل 6:5). كما يؤكد ذلك كاتب الرسالة إلى العبرانيين:"صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي" (عب 9:5). إن الخلاص في لحظة حقيقة من جانب الله، ولكنه عملية مستمرة في حياة الإنسان، حياة الطاعة والخدمة حيث يظهر التطبيق العملي لقوة ذبيحة المسيح.
وحيث أن ذبيحة المسيح هي للجميع، أصبح من الواجب على المؤمنين أن يكرزوا بالإنجيل للجميع تنفيذًا لوصية الرب:"اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مرقس 15:16).