استعمال الشمعة في الكنيسة:
أول ذكر لاستخدام الشموع في الكنيسة استخدامًا طقسيًا بعدما جاء في (سفر الأعمال 8،7:20). وما ذكر في مخطوطات القرن الثالث الميلادي، وذلك ضمن وصف طقوس إقامة الصلوات في ذكرى الشهداء تكريما وتحية لأرواحهم التي أضاءت في العالم ساعة، ثم انطفأت "لتضيء كالجلد في ملكوت الله". ولقد أسرف المؤمنون أحيانًا في إحراق الشموع في كنائس المقابر التي للشهداء، مما أدى إلى إصدار قانون خاص رقم 34 في مجمع الليبريس سنة 305 م. يمنع إحراق الشموع أثناء النهار، وفي المقابر حتى لا يتضايق المؤمنون من كثرة النار. وقد كتب القديس جيروم مؤيدًا استخدام الشموع..
وإذا كانت الشمعة تمثل المؤمن الحقيقي، فمن المناسب إذن أن توضع أمام صورته في الكنيسة بعد انتقاله، لذلك توضع الشموع أمام الأيقونات المقدسة وذخائر القديسين لأنهم بمثابة أنوار تضيء الطريق للكنيسة المجاهدة، ونجوم تتألق في سماء المجد (سفر دانيال 3:12). ونشكرهم على ما قدموه لنا من حياة صالحة مثالًا للتقوى، وما يقدمونه لنا إلى الآن من طلبات أمام عرش الله (رؤيا 8:5). وللدلالة على أنهم كانوا ومازالوا نورًا للعالم (الإنجيل بحسب القديس متى 15:5)..
وفي رسالة للبطريرك جرمانوس الذي كان من القسطنطينية سنة 715 م. يتحدث مع أحد الأساقفة حول رفعة مرتبة البخور والشموع في الكنائس.. كما نقرأ في تاريخ الكنيسة باستمرار قصصًا لا حصر لها عن استخدام وإيقاد الشموع، وتقديم البخور أمام الأيقونات كاعتراف بالشكر لهم.
ويستعمل الكاهن ثلاث شمعات في صلاة "إفنوتي ناي نان.. اللهم ارحمنا" في رفع بخور العشية ورفع بخور صلاة باكر. إذ يمسك الصليب وعليه 3 شمعات مضاءة إشارة إلى أن الذي كان على الصليب هو نور العالم (إنجيل يوحنا 12:8). وهو أيضًا واحد من الثالوث القدوس.. نور من نور.. الذي نقلنا من الظلمة إلى نوره العجيب (رسالة بطرس الأولى 9:2) بالفداء الذي قدمه على الصليب..
ولما كان السيد المسيح له المجد هو النور الذي أتى إلى العالم، لذلك فإن الشماس يتقدم في الصلوات وبيده شمعه وهو في ملابسه البيضاء كالملاك معلنًا بشارة الفرح بما يأتي.
وعند تقديم الحمل وفي دورة الحمل أيضًا يمسك الشماس شمعة معلنًا أن هذا المقدم هو نور ونار، طبيعة واحدة متحدة. كما أن الشمعة هنا لها فائدة أخرى، إذ يقرب الكاهن قارورة الخمر منها ليستبرئ (يختبر) المادة المقدمة.
وللدلالة على نور الإيمان المسيحي الذي أشرق في قلوبنا بواسطة هذه الذبيحة الغير دموية والتي سوف يقدمها الأب الكاهن. لذا تكثر الشموع على المذبح، إشارة إلى الملائكة والقديسين حول العرش، لكن يتميز منها شمعدانان كبيران يمثلان ملاكي القيامة حيث ظهرا عند قبر مخلصنا.
وعند قراءة الإنجيل المقدس، توقد الشموع لأن "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (المزمور 105:119)، و"الوصية مصباح والشريعة نور" (أمثال سليمان النبي 23:6). فنحن نستقبل الإنجيل المقدس كما استقبلت العذارى الحكيمات مخلصنا الصالح بالمصابيح المضيئة (إنجيل متى 23:25)..
وهناك العديد من التأملات الأخرى تستطيع استنباطها من آيات مثل: (مرقس 1:1؛ يوحنا 35:5؛ لوقا 1:10؛ متى 3:28؛ رؤيا 9:7)..
وأيضا يضيء الشماس الشمعة عند مسح الصينية عند الانتهاء من تناول الجسد المقدس، ليسهل للكاهن عملية الرؤية الدقيقة فلا يبقى فيها شيء من الجواهر المقدسة.
وفي نهاية خدمة القداس رفع الشماس اللفافة مثنية على شكل مثلث، وبيده اليمنى الصليب، وفي اليسرى شمعة مضيئة، وذلك للدلالة على أن الشمعة المضيئة تشير إلى حياة البذل التي مارسها الرب يسوع من أجلنا (يوحنا 13:15)..