عرض مشاركة واحدة
قديم 02 - 11 - 2021, 04:31 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,621

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الأنبا أنطونيوس كتلميذ يتعلم

كان يقرأ قليلًا في كتاب الله، ولا يقف عند المعنى الخارجي للكلمة، أو المفهوم السطحي، إنما يدخل في عمق إلى روحانية الكلام، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وحسبما قال القديس بولس الرسول: "خمس كلمات بفهم، أفضل من عشرة آلاف كلمة بدون فهم" (1كو 14: 19).

بهذا كان القديس أنطونيوس يفهم معاني الكتاب أكثر من غيره. وبهذا شهد له الكثيرون.

*وكان القديس أنطونيوس يتعلم أحيانًا من أولاده..

من أولاده الذين هو معلمهم. كما قال، أنه كان يأخذ أحيانًا من تلميذه الأنبا بولس البسيط، وكان هذا يسكن في مغارة تحت مغارة معلمه في الجبل. وكانت في حياته بساطة ونقاوة، يصلح سلوكه أن يكون نافعًا ومفيدًا لمن يرغب في المنفعة.

وهناك أمور تعلمها القديس أنطونيوس من الله مباشرة، عن طريق الكشف، آو عن طريق الملائكة:

فلما حورِب بالضجر في الوحدة، أرسل له الله ملاكا يريه كيف يصلى ويعمل بيديه، ويقاتل الضجر بعمل اليدين.

وأراه الملاك الزيّ الرهباني، القلنسوة المملوءة صُلبانًا..

ولما حورِب بالمجد الباطل، أرشده الله إلى حيث يوجد القديس الأنبا بولا السائح، ليأخذ درسًا من حياته ويتضع.

وقد تعلم القديس أنطونيوس أيضا من الخبرة ومن حروب الشياطين:

كان يتعلم من الحيل التي يستخدمها الشياطين معه، ومن أفكارهم وحروبهم ومحاولاتهم لإسقاطه. وهكذا بالخبرة والممارسة تدرب على أشياء كثيرة، واتسعت معارفه.

ولهذا بعد أن قضى تلميذه الأنبا بولس البسيط فترة معه، يتتلمذ عليه، ويعيش تحت ظل صلواته، وكان يود أن يستمر هكذا، أمره الأنبا أنطونيوس أن يسكن في مغارة وحده، (لكي يجرب حروب الشياطين).. ويختبر، ويتعلم، ويتقوى..

إذن كان الاختبار مصدرًا من مصادر التعليم عند الأنبا أنطونيوس.

وفي الواقع كانت اختباراته كثيرة وعلى مدى طويل:

لقد عاش في حياة الوحدة والنسك والصلاة أكثر من ثمانين عامًا، وقد حفلت -وبخاصة في بدايتها- بالعديد من الحروب، أثارها الشياطين عليه لكي يبعدوه عن هذه الحياة الملائكية:

حاربوه بالأفكار والشكوك وشككوه في هذا الطريق، وفي مصير أخته، وفي إمكانية استخدام المال للخير بدلا من توزيعه على الفقراء. وحاربوه بالحواس، والمناظر المخيفة، وحاربوه في عفته بمناظر العبث والنساء.

وظهروا له بهيئة فهود ونمور وأسود وحيوانات متوحشة ليرعبوه فانتصر عليهم ولم يخف. وقال لهم: [لماذا هذا التجمهر؟ لو كنتم أقوياء، لكان واحد منكم فقط يكفى لمحاربتي، بينما أنا أضعف من مقاتلة أصغركم].. نقطة ذكاء..

حاربوه أيضًا بالضرب والإيذاء..

وبالأخص حينما كان يسكن في المقبرة، في بدء رهبنته.

وربما يكون قليل من القديسين قد ضربوا من الشياطين ضربًا عنيفًا، كما حدث للأنبا أنطونيوس.

لقد ضربوه بعنف شيطاني لا رحمة فيه، حتى تركوه في المقبرة ما بين حي وميت. وهو نفسه قال عن هذا الحادث: [إن الضربات التي كانت تقع على. كانت من القوة والعنف، بحيث أنني لا أظن أن قوة بشرية تستطيع أن تضرب بمثل ذلك الإيلام وبمثل تلك القسوة]...

ولما جاء العلماني الذي يخدمه ووجده هكذا، حمله إلى كنيسة القرية وهو في غيبوبة، فبكى عليه الناس. وعند منتصف الليل تقريبا، وكان الناس قد انصرفوا، فتح الأنبا أنطونيوس عينيه، وسأل الأخ العلماني: [أين أنا؟] فلما أخبره أنه في كنيسة القرية، قال له: [احملني إلى المقبرة]. ولما أدخله فيها، قال له: [اغلق وأمضى]. ثم أعتدل الأنبا أنطونيوس وقال للشياطين.

[إن كان الله قد أعطاكم سلطانا علي، فَمَنْ أنا حتى أقاوم الله؟! وإن كان الله لم يعطكم سلطانًا، فلن يستطيع أحد منكم أن يؤذيني!] وبدأ يرتل مزاميره:

الرب نوري وخلاصي ممن أخاف؟! الرب عاضد حياتي ممن أرتعب؟ عند اقتراب الأشرار منى ليأكلوا لحمى، مضايقي وأعدائي جزعوا وسقطوا. إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام على قتال، ففي هذا أنا مطمئن".

وكانت الشياطين تنحل أمامه كالدخان وتمضي صارخة..

ولما انتصر هكذا على الشياطين، بدأت الشياطين تخافه عالمة أنه أقوى منها. وتعلم هو من هذا دروسًا..

تعلم أن لا يخاف من الشياطين، وتعلم قوة الصلاة والمزامير وعجز الشياطين أمامها. وتعلم الشجاعة أيضًا، والصلابة في الجهاد. وأخذ خبرة في العمل الروحي وفي حروبه.

ومن ذلك الحين، بدأت الشياطين تخافه، لأنه هزمها في أكثر من ميدان. وألقى فيما بعد عظته عن ضعف الشياطين.

وأخذ قوة من ذلك كله، على إخراج الشياطين وطردهم:

وعاش هذا الجبار وحده في الجبل، يملأ البرية صلاة وتأملات وتسبيحًا وترتيلًا وقدسية وطهرًا، وترتعب منه الشياطين، وتحيطه الملائكة.

وعرف متى يقول لهم في اتضاع: أيها الأقوياء، ماذا تريدون مني أنا الضعيف؟ أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم. ألا تعلمون أنى مجرد تراب ورماد؟

وتواضعه هذا كان يحرقهم ويطردهم بعيدًا..

وعرف أيضًا متى يكون حازمًا وشديدًا معهم. ويقول لهم في ثقة.

[لو كنتم أقوياء، لكان واحد منكم يكفي لمحاربتي]. [إن كان الله لم يعطكم سلطانًا عليَّ، فلن يستطيع أحد منكم أن يؤذني]..

وأستطاع أيضا أن يُمَيِّز أفكارهم وخداعهم وأحلامهم:

في إحدى المرات أتاه الشيطان مرة ليوقظه ليصلى!! فلم يسمع منه. وقال له: متى أردت أن أقوم للصلاة، سأقوم وأصلى. ولكن منك أنت لا أسمع.

وفي إحدى المرات تعجب البعض من سر كشفه لهم، فسألوه عن ذلك قال: [أتى الشياطين في حلم وأخبروني]...

لقد اكتسب إفرازًا وعِلمًا من حروب الشياطين:

إن الأنبا أنطونيوس في تعليمه لغيره، إنما كان يعلم من حصيلة خبرة طويلة، لم يكن يعلم من معرفة الكتب. لم يحدث أنه قرأ كتابا وفهمه، وأخذ أفكاره وشرحها للناس.

إنما كان يحيا الحياة، ويُجَرِّب وَيَخْتَبِر. ثُمَّ يُعَلِّم:

لقد عرف الشياطين وحروبهم، وعرف الأفكار وحروبها، وعرف الجسد وحروبه، وجرب الرؤى والأحلام.. ومن ناحية أخرى ذاق حلاوة العشرة مع الله، في الوحدة والصلاة، والتعزيات الإلهية، والكشف الإلهي، والتأمل.. ومن واقع هذه الخبرة الطويلة مدى عشرات السنوات، كان يتكلم كلامًا عمليًا عن خبرة وتجربة، وليس كلامًا من الكتب. لذلك كان لكلامه تأثير..

إن خبرة 90 سنة في الروحيات ليست أمرًا هينًا إنها رحلة طويلة مشاها مع الله في الجبل المقدس.. مشوار طويل مشاه في البرية، في الصحراء، يده في يد الله، وحياته في قلب الله.. يختبر ويذوق ما أطيب الرب.

* والقديس الأنبا أنطونيوس، كانت له عينان مفتوحتان، تكشفان الأسرار وتستطيعان أن تمزقا الحجب، وتريان ما لا يرى.

في مرة من المرات كان واقفا مع تلاميذه، ثم رأوه قد سها قليلًا ونظر إلى فوق فترة، ثم تنهد. فسألوه.. فقال: [لقد أنتقل اليوم عمود كبير من أعمدة الرهبنة.. لقد رأيت روح الأنبا آمون وهى صاعدة إلى السماء تزفها الملائكة]..

صدقوني يا أخوتي، لقد وقفت مذهولا فترة أمام هذه العبارة..! ما الذي رآه الأنبا أنطونيوس؟ وكيف رأى؟

إن أرواح البشر لا تراها العين المحسوسة المادية، وكذلك أرواح الملائكة! فهل رأى الأنبا أنطونيوس هذه الرؤيا بالروح أم بالجسد! إن كان بالروح فكيف وهو في الجسد؟! وإن كان في الجسد فكيف؟ هل ظهرت الملائكة في هيئة منظورة، كما يظهرون أحيانا للبشر، وهل كذلك ظهرت روح الأنبا آمون؟ أم كان الأنبا أنطونيوس في ذلك الوقت: "في الروح "كما كان يوحنا الحبيب (رؤ 1:10)، "في الجسد أم خارج الجسد؟ لست أعلم. الله يعلم" (2 كو 12: 2).

كان الأنبا أنطونيوس رجلًا مفتوح العينين، يكشف له الله أمورًا وأسرارًا.

وقد تعلم كثيرًا من الكَشْف الإلهي، وتعلم من الرؤى ومن الملائكة..

كما سبق له وتعلم من الموت ومن الحياة، من الأبرار ومن الخطاة، ومن التأمل في كلام الله..

ولما امتلأ عِلمًا فاض من عِلمه على الآخرين..

وكان الفلاسفة يأتون إليه، ليتعلموا من هذا الأمي في نظر فلسفة اليونان والرومان..!

هذا هو الأنبا أنطونيوس العجيب..

الكنيسة مملوءة من العلماء والفلاسفة والمفكرين، ومملوءة من الأساقفة والمطارنة والبطاركة وكل رتب الكهنوت.

ولكن ليس فيها كثيرون من أمثال الرجل العظيم الأنبا أنطونيوس!

من هذه الطاقة الروحية الجبارة، التي احتقرت الدنيا وما فيها.. وزهدت كل شيء: المال والشهرة والأسرة، ومتع الأرض كلها، والجسد.. فأصبح الله له هو الكل في الكل.

نادرًا ما نجد إنسانًا ناسكًا زاهدًا عابدًا، مثل الأنبا أنطونيوس! فكم بالأكثر إنسانًا قائدًا معلمًا مثالًا في هذا الطريق كالأنبا أنطونيوس! نبغ في الروحيات، اختبرها، وعلمها لغيره، بالتعليم والقدوة الصالحة..

نطلب بركة هذا القديس العظيم، وبركة هذه الكنيسة المقدسة..

ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد أمين،
  رد مع اقتباس