نعم كم بالأولى الله: "راعي نفوسنا وأسقفها" (1 بط 2: 25) الذي قال في حنوه "أنا أرعَى غنمي وأربضها -يقول السيد الرب- وأطلب الضال، واسترد المطرود، وأجبر الكسير وأعصِب الجريح" (حز 34: 15، 16).
إنه يرعَى شعبه، لأن هذا هو عمله، وهذا هو حبه.
ولا ينظر أن ينبهه أحد إلى هذا. إنما نحن نطلب، لأن هذا الطلب يشعرنا ببنوتنا لله، ويعمق الدالة بيننا وبينه، ويعطينا فرحًا داخليًا حينما تُسْتَجَاب طلبتنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولهذا قال الرب لتلاميذه:
"إلي الآن لم يطلبوا شيئًا باسمي. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو 16: 24).
فرح الاستجابة أو فرح الدالة، هو الذي يجعلنا نطلب.
ولكن الله يمنحنا كل شيء، حتى دون أن نطلب.
وفي الكتاب المقدس توجد أمثلة عديدة، تثبت لنا هذه الحقيقة، فلنحاول أن نتأمل بعضها حتى يكون لنا من ذلك عزاء، وحتى يكون لنا رجاء باستمرار في يد الله الذي يعمل من أجل سعادتنا كأب وراع وخالق..
لوط: أنقذه الله مرتين دون أن يطلب..
مرة حينما سبي مع أهل سادوم في حرب أربعة ملوك مع خمسة ملوك التي وردت في (تك 14) ودون أن يطلب لوط، حرك الله قلب إبرآم عمه فجمع رجاله المدربين، وأنقذه من السبي، كما أنقذ أهله والمدينة كلها.
والمرة الثانية حينما قرر الله حرق سادوم. ودون أن يطلب لوط أرسل الله له ملاكين، فأخذاه هو وأسرته بقوة، وكانا يدفعانه إلى الخارج دفعًا وهو متوان (تك 19: 16). وذلك لشفقة الرب عليه ورغبته الإلهية في إنقاذه.
أن الله لا ينتظر حتى يصرخ الإنسان إليه، وإنما..
من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين، الآن أقوم -يقول الرب- أصنع الخلاص علانية" (مز 11).
لم يقل "من أجل صلواتهم وطلباتهم"، وإنما من أجل حالتهم التي رآها، من أجل شقائهم وتنهدهم، يقوم الرب ويصنع الخلاص، سواء طلبوا أو لم يطلبوا لم يطلبوا..
وهكذا في كل مرة يري فيها الله مذلة شعبه (خر 3:7)، يرسل لهم مخلصًا يخلصهم، كما فعل أيام موسى وأيام جدعون (ضق 6).
وأنقذ إسحق من الذبح، في اللحظة الأخيرة، والسكين فوق رقبته، دون أن يطلب (تك 22)..
والله يشبع كل حي من رضاه، دون أن يطلب..
يرسل المطر والشمس، ويعطي الطعام لكل ذي جسد، حتى للملحدين الذين لا يطلبون منه شيئًا. ويعطي جمالًا لزنابق الحقل. إنه يمنح الكل من أجل جوده وهو وخيريته، وليس بسبب استحقاق الناس ولا بسبب طلبهم..