الكتاب المقدس ليس فقط مصدر تأمل، إنما أيضًا مصدر عزاء.
في كل حالة من حالات الإنسان النفسية، يجد في آيات الكتاب ما يريح قلبه ويشبعه.
في حزنه يجد كلمة عزاء، وفي فرحه يجد فيه بهجته، وفى ضيقه يجد حلًا، وفى مشاكله يجد فيه سلامًا، وفي يأسه يجد آيات عن الرجاء..
الكتاب المقدس، كلماته مؤثرة. قد تقرأ بعضها وتقول لله "لا شك يا رب أنك قلت هذا الكلام من أجلي".
لذلك خذ كلمات الله كأنها رسالة شخصية موجهة إليك.
إليك أنت بالذات، و"من له أذنان للسمع فليسمع، ما يقوله الروح القدس للكنائس". من أجلك أنت بالذات نطق الروح على أفواه الأنبياء..
إنها رسالة أرسلها إليك أنت، وليس إلى أهل رومية أو أهل كورنثوس. عندما أرسل الإمبراطور قسطنطين رسالة إلى القديس أنطونيوس، فرح أولاده. فقال لهم " إن الله -ملك الملوك- قد أرسل إلينا كثيرًا من الرسائل، فلماذا لم تفرحوا بها هكذا..
الكتاب المقدس ليس مجرد رسالة عزاء، إنما أيضًا سلاح:
كل خطية، يمكن أن تضع أمامها وصية، فنجد أنها قد ضعفت أمامك، وأخذت أنت من الوصية قوة.. ما أقوى كلمة الرب، حتى أن لفظها صغير.
"كلمة الله حية وفعالة، وأمضى من كل سيف ذي حدين" (عب 4: 12).
الشيطان في التجربة على الجبل، ولم يستطع أن يحتمل كلمة الله، ولم يستطع أن يرد على شيء منها..
وكلمة الرب شاهدة علينا في اليوم الأخير، إن لم ننفذها.
لو لم نعرف، لكان لنا عذر، ولكن أي عذر لنا، وهوذا كلام الله أمامنا يوضح لنا كل شيء؟! وكلام الله لم يكن مطلقًا لمجرد المعرفة، وإنما للحياة.. لذلك فلنعمل به..
إن كلمة الرب ستطاردنا في كل مكان نذهب إليه، ترن في آذاننا، وتتعب ضمائرنا إن لم نعمل بها
ولن تجدينا مطلقًا تبريرات العقل الخاضع لشهوات النفس..
وفي نفس الوقت فإن كلمة الله في أفواهنا هي دليل على روحياتنا وعلى انتمائنا الديني.
هناك أشخاص يتحدثون، فتمتلئ أحاديثهم بكلام العالم. وهناك من يتحدث، فتظهر في كلامه لغة الكتاب. من كثرة ترداده لألفاظ الكتاب، اعتاد أسلوبه، وتأثر بلغته، لذلك "لا يبرح سفر الشريعة من فمه". وكل من يسمعه، يقول له "لغتك تظهرك" (مت 26: 73).
فلنعود أطفالنا استخدام آيات الكتاب، بأن يقولوا آية على كل ما يرونه: كتاب، شجرة قلم، أرض، باب، مائدة.. كل ما يقع تحت بصرهم..
الطفل الذي يتعود هذا، تدخل لغة الكتاب في ألفاظه وحياته. ولذلك لا يعرف لغة الخطاة، ولغة العالم، ولا يخطئ..
قال داود "خبأت كلامك في قلبي، لكيلا أخطئ إليك".
إن الكلام يجب أن يوضع في القلب، في مركز العاطفة والحب والمشاعر، وليس فقط في الفم، أو في العقل في موضع المعرفة فقط. وحينما يكون كلام الله في القلب، حينئذ لا نخطئ، لأن وصية الله امتزجت بعواطفنا. ما أجمل قول الإنجيل عن مريم العذراء إنها "كانت تحفظ كل هذه الأمور متأملة بها في قلبها".
من ضمن الأشخاص الذين أخطأوا، لأنهم خبأوا كلام الله في عقولهم وليس قلوبهم، أمنا حواء: سألتها الحية عن وصية الله، فأجابت بحفظ وتدقيق شديد، وفي نفس المناسبة كسرت الوصية وأخطأت.
اقرأوا الكتاب المقدس. وثقوا أنكم في كل قراءته ستجدون شيئًا جديدًا. فكلمات الله غنية ودسمة، وهى ينبوع للتأملات لا ينضب لذلك نرى أن داود النبي إذ اختبر هذه الحقيقة يقول:
"لكل كمال رأيت منتهى، أما وصاياك فواسعة جدًا" (مز 118).
أي أن كل كمال له حدود، أما وصية الله فلا حدود لعمقها. فكما أن الله غير محدود، كذلك عمق كلماته غير محدودة. مهما تأملتها، تجد أن التأملات تفتح أمامك آفاقًا لا تُحَد.. هي جديدة باستمرار، جديدة على ذهنك وعلى فهمك. لهذا قال النبي "وجدت كلامك كالشهد فأكلته".
وفي ذلك يقول داود النبي "ناموس الرب كامل، يرد النفس. شهادات الرب صادقة، تصير الجاهل حكيمًا. وصية الرب مستقيمة، تفرح القلب. أمر الرب طاهر ينير العينين.. أحكام الرب حق، عادلة كلها.. أشهى من الذهب والإبريز الكثير الثمن. وأحلى من العسل وقطر الشهاد" (مز 19).
ثق أن كل كلمة تقرأها من الكتاب سيكون لها تأثيرها فيك وقوتها وفاعليتها دون شرح ودون وعظ.
يكفى أن تذكر كلمة الله، لكي يقتنع الإنسان بدون نقاش وبلا جهد كثير. يكفى أن تذكر كلمة الله، لكي يشعر الإنسان بحضور الله في الوسط وبنعمة خاصة. وهذه الكلمة تنير له الطريق.
إن الروح القدس الذي أوحى بالكلمة، هو يعطى قوة لتنفيذها. ولنتذكر أن الشعب لما سمعوا الكلمة في يوم الخمسين، قيل عنهم إنهم "نخسوا في قلوبهم" (أع 2: 37)0
وقال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس "وأنت منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص" (2تى 3: 15).. يجد فيها الإنسان الإرشاد الإلهي، كما قال داود النبي "سراجٌ لرجلي كلامك ونور لسبيلي" بل قال أكثر من هذا:
"لو لم تكن شريعتك هي تلاوتي، لهلكت حينئذ في مذلتي" (مز 119).
لهذا كله نلاحظ أن كنيستنا القبطية قد اهتمت بالكتاب المقدس اهتمامًا كبيرًا جدًا.