خامسًا: الطلاق:
(أ) في العهد القديم:
يقول الرب يسوع: "إن موسي من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا" (مت 19: 8). ومعني هذا أن موسي لم يُوصِ بالطلاق، ولكنه نظَّم عادة جارية. وهذا يعطي مفهومًا أوضح لما جاء في سفر التثنية (24: 1- 4)، فكلمة "إذا" في بداية العدد الأول من الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التثنية تمتد حتي العدد الثالث، ومن ذلك نعرف أن الطلاق كان موجودًا فعلًا، وأنه كان يكتب في كتاب يُعطي لزوجته التي كانت تصبح حرة للزواج مرة أخرى.
ولا تذكر هنا أسباب الطلاق بوضوح بل في عبارة غامضة: "وجد فيها عيب شيء" (تث 24: 1)، وهى نفس العبارة التي تترجم "قذر شيء" (تث 23: 14)، ولا تستخدم في الكتاب المقدس في غير هذين الموضعين. وقد ترجمت مدرسة "شمعي" (قبل العصر المسيحي) ذلك "بخيانة الزوجة" فقط، بل توسعت مدرسة "هليل"، فجعلت ذلك شاملًا لأي شيء ينال رضي الزوج. ولكن علينا أن ندرك ان موسي لا يقرر شروط الطلاق. ولكن يقبله كأمر قائم فعلًا.
وكانت هناك حالتان يمتنع فيهما الطلاق: (1) إذا اتهم زوج زوجته بالخيانة قبل الزواج كاذبًا (تث 22: 13- 19). (2) إذا اضطجع رجل مع فتاة غير مخطوبة، فكان عليه أن يتزوجها "ولا يقدر أن يطلقها كل أيامه" (تث 22: 28).
وحدث بعد العودة من السبي أن أصر عزرا علي أن يطلق بنو الكهنة نساءهم الأجنبيات (عزرا 9، 10، وانظر أيضًا نحميا 13: 23- 30). ونقرأ في نبوة ملاخي أن البعض قد طلقوا نساءهم اليهوديات ليتزوجوا بنات إله غريب أي وثنيات (ملاخي 2: 10- 16).
(ب) في العهد الجديد:
إذا قارنا أقوال الرب يسوع في الأناجيل الثلاثة الأولي (مت 5: 32، 19: 3- 12، مرقس 10: 2 -12، لو 16: 18) نجد أنه يصف الطلاق ثم الزواج بعده بأنه زنا. وفي حديثه عن ذلك في إنجيل متى يجعل الزنا العلة الوحيدة للطلاق، ولكن هذه العبارة لا تذكر في إنجيلي مرقس ولوقا، ولعل السبب في ذلك هو أنه لم يكن ثمة يهودي ولا روماني ولا يوناني يشك في أن الزنا يشكل علة كافية للطلاق، ولذلك لم يذكرها البشيران مرقس ولوقا باعتبارها أمرًا معروفًا. كما لم يشر الرسول بولس في رسالته إلي رومية (7: 1- 3) إلي الطلاق، لأن الشريعة اليهودية والقانون الروماني كانا يقرران ذلك.
وقد ظهرت بضعة تفسيرات لكلمات المسيح، فيقول البعض أن الزنا هنا يشير إلي زنا العروس قبل الزواج، الذي اكتشفه الزوج عند الدخول بعروسه. ويقول آخرون إن الزوجين قد اكتشفا أن زواجهما باطلا لأن العروس من المحارم، وهو ما يستبعد حدوثه. ويقول الكاثوليك إن كلمات الرب يسوع تقرر الانفصال وليس الزواج مرة أخرى. ولكن من الصعب استبعاد فكرة الزواج مرة أخري في كلمات الرب (مت 19: 9). ولم تكن لليهود عادة الانفصال دون الزواج مرة أخري.
ويشكك البعض في صحة العبارة: و"إن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بأخر تزني" (مرقس 10: 12)، علي أساس أن الزوجة اليهودية لم تكن تملك تطليق زوجها، ولكن المرأة اليهودية كانت تملك حق رفع الأمر للمحكمة لسوء معاملة الزوج لها، وكانت المحكمة تملك إصدار الحكم للزوجة بالطلاق. ومن الناحية الأخرى، لعل الرب يسوع كان في فكره أيضًا القانونان اليوناني والروماني، وكان للزوجة فيهما الحق في تطليق زوجها.
وهناك رأي قوي بأن ما جاء في (1 كو 7: 10-16)، يشكل أساسًا آخر للطلاق. وهناك نجد الرسول يذكر ما سبق أن قرره الرب يسوع وهو علي الأرض، ثم يضيف- بإرشاد الروح القدس- شيئًا جديدًا لأن موقفًا جديدًا قد نشأ. فعندما يتجدد أحد الزوجين الوثنيين، كان يجب علي الطرف الذي تجدد ألا يهجر الآخر، ولكن إذا أصر هذا الآخر علي الانفصال، فلا يكون الأخ المؤمن أو الأخت المؤمنة "مستعبدًا في مثل هذه الأحوال" (1 كو 7: 12)، ولا يعني ذلك أنهما يصبحان أحرارًا للانفصال فحسب، بل لابد أن يعني أيضًا أنهما يصبحان أحرارًا ليتزوج كل منهما مرة أخري.