مريم العذراء
لغبطة أبينا البطريرك الأنبا أنطونيوس
" تمجّد نفسى الرب ، وتبتهج روحى بالله مخلـّصى "
( لوقا 1 : 46 )
لا يذكرالإنجيل المقدس شيئا عن طفولة مريم العذراء .
ويتكلم عنها لأول مرة عند بشارة الملاك جبرائيل لها
بالحبل الإلهى …
ويقول التقليد الشرقى القديم إن مريم العذراء
قضت سنوات صِباها فى هيكل أورشليم …
وأهم ما يدلّ عليه هذا التقليد هو أن مريم كانت
تتميّز بالصلاة والخشوع .
" تمجّد نفسى الرب ، وتبتهج روحى بالله مخلـّصى " …
هذه هى كلمات العذراء مريم ،
التى بدأت بها نشيدها البديع ، فى زيارتها لنسيبتها أليصابات … تفرح مريم لأن
" الله نظر إلى تواضع آمته " ،
ولأن " القدير ، القدّوس ، صنع لها عظائم " ،
ولأنها تشترك فى الهناء الموعود للمتواضعين ،
وللجياع إلى الحق … وتفرح لأن قلبها ممتلىء بالرجاء ،
وبالثقة فى تحقيق المواعيد الإلهية ، لأن الله
" تذكـّر رحمته ، كما وعد إبراهيم ونسله إلى الأبد "
( لوقا 1 : 46 – 55 ) .
بعد هذا النشيد لا يقول الإنجيل المقدّس
شيئا عن الثلاثة أشهر التى قضتها مريم عند نسيبتها أليصابات . أراد الإنجيل بذلك ان يقول شيئا مهما جدا ،
وهو أن عمل المحبة والخدمة يتم فى الصمت وأمام الله وحده . إن التعبير عن الحب الحقيقى والقوى ،
يكون بالخدمة اليومية الهائدة الصامتة والفعّالة …
لا تكتفى مريم بكلمات المجاملة ،
ولا بأن ترسل شيئا من عندها .
وإنما تترجم محبتها بأن تذهب " مسرعة "
بنفسها إلى جبل يهوذا ، وتضع نفسها فى خدمة أليصابات ، دون أن تطلب أو تنتظر شيئا فى المُقابل …
وبهذا تعلـّمنا أن المواهب والنعم التى يعطيها لنا الله
ليست امتيازا للتفاخر والفائدة الشخصية ،
وإنما هى رسالة وتكليف بأن نخدم الآخرين بمحبة ومجانية … فكلما كان الإنسان قريبا إلى الله ،
كلما صار قريبا إلى أخيه الإنسان .
وهنا تدعونا مريم أن نضع ذاتنا فى خدمة الآخرين .
لو كان كل واحد وكل واحدة منا نحن المسيحيين يصنع ذلك ، لتغيرت كثيرا عائلاتنا ، وكنائسنا ، وجمعياتنا ، وأماكن عملنا ، ومجتماعاتنا …
ولو كان كل منا يعتبر أن ما يهبه له الله هو أيضا لإخوته ،
وأن مَن نال أكثر مديون نحو غيره ، لتغيّر حال الدنيا .