عرض مشاركة واحدة
قديم 10 - 10 - 2021, 01:49 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,621

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: حرب الأفكار

الصمود أمام السقوط:



إذا استمالت الأفكار الشريرة شخصًا في غفلة منه وقادته للسقوط في الخطية وتنبه لِتوِّهِ لمرارة هذا السقوط وحزن بشدة على سقوطه، إذْ لم يكن يتصور أن يسقط هكذا يومًا ما فيُغْضِب الله ويُحزِن قلب المسيح. فندم على خطيته وقدَّم توبة واعتذارًا لله طالبًا رحمته ومغفرته. وأكمل طريق التوبة بأن جاء إلى أب اعترافه مُقِرَّا بخطيته. ثم تقدم بمحبة وخوف كبيريْن وبشكرٍ من الأعماق وتناول من الأسرار المقدسة، عازمًا من كل قلبه ألاَّ يعود لهذه الخطية مرة أخرى، وكأنها مأساة سقطت ككارثة في حياته وأزال الله غُمَّتها عنه. فيكون بذلك قد انتهى الأمر بالنسبة لله الرحوم والغافر الخطايا في استحقاقات ذبيحة ابنه. وبالنسبة للإنسان أيضًا الذي نال المغفرة وأخذ درسًا قاسياُ في مرارة الخطية. على أن يبدأ حياة جديدة مكللة بالنصرة واليقظة الدائمة التي ليس بعدها سقوط.

أما إذا استغل إبليس هذه السقطة الأولى لزرع حب الخطية في كيان الإنسان ونقطة بداية لطريق الخطية في حياته. فليس أمام هذا الإنسان سوى التنبه لأسلوب عدو الخير وإلى مكر الجسد فيقاوم ميول الجسد ويهرب من مكان الخطية والأشخاص سبب الخطية، ويستغيث بالمعونة الإلهية لكي تعينه على عدم الرجوع للخطية ويسرع إلى الاعتراف بخطيته بتوبة وندامة أولًا بأول. ولكن ماذا لو انغلب من شهوته فسقط مرة أخرى وماذا لو تكرر السقوط فسقط مرات؟

إن تكرار السقوط دليل على أن الخطية أصبحت محببة إلى النفس وبدأ يتغلغل التلذذ بها في إحساس الإنسان. ولذلك ربما الاتجاه إلى زرع كراهية الجسد الغريب يساعد على التحول بمساندة الله عن الاستمرار في الخطية. ويمكن أن يتم هذا باللجوء إلى المقارنة التي عقدها بولس الرسول بين الجسد والروح مبينًا نقائص الجسد في أنه يزرع أو ينشأ في فساد وفى هوان وفى ضعف وفى طبيعة الجسد الحيواني. فللهروب من اشتهاء جسدٍ ما فليضع الإنسان هذه النقائص أمامه لا ليكره الجسد كخليقة الله بل ليكره اشتهاءه لأنه خطية.

وهذا ما يلجأ إليه المحللون النفسانيون فيما يسمونه بالعامل المنفِّر ويستخدمونه في علاج المتعلقين ببعض المكيفات الضارة كالسجاير أو الخمور أو المخدرات حيث يوضحون كل العوامل والحقائق المنفرة وينصحون المريض بأن يضعها أمام فكره أو في تخيله لكي يكره هذه المكيفات وينفر منها.

لذلك ليضع وليتخيل الإنسان المغلوب من اشتهاء جسدٍ ما كل الأمور المنفرة من هذا الجسد وتجعله يشمئز منه فلا يشتهيه.

وقد يتألم البعض ممن يجاهدون في حياة الطهارة لسقوطهم المتكرر وذلك بالرغم من مواظبتهم على ممارساتهم الروحية. ولكن على هؤلاء أن يعوا أن ذلك يرجع إلى أن ممارساتهم هذه أصبحت ممارسات جسدية يغلب عليها الطابع الحسي المحض، أو كالعادة الروحية التي تُمارَس بدون تفكير أو تأمل أو تذوق لِما تحمله من معانٍ وعطايا لازمة لتنقية النفس وتطهيرها، أو لعدم الشعور بحقيقة العطايا غير المنظورة في الممارسات الحسية المنظورة، من تناول واعتراف وسجود وصوم بل والصلاة أيضًا وخلافه.

فمثلًا صلوات المزامير من المعروف أنها تحرق الأفكار الشريرة وتطفئ شهوة الجسد. ولكنها لا تُتمم فاعليتها هذه إلا عندما يكون الصراخ بها من الأعماق. كذلك رسم علامة الصليب لها نفس القدرة ولكن عندما يتم رسمها بحرارة وبإيمان وبكراهية للخطية ورغبة صادقة للهروب من الأفكار وهكذا في الصوم والسجود..إلخ. عندئذ نجد الاستجابة فورية. فأسلحة الغلبة موجودة ولكن بشرط إجادة استخدامها.

ولكن إذا كان هذا البعض لا يجيدون استخدام هذه الأسلحة وفى نفس الوقت متمسكون بطهارتهم - فليس أمامهم سوى الصمود أمام السقطات وعدم اليأس من التوبة أو المغفرة مرددين قول ميخا النبي "لا تشمتي بي يا عدوتي (التي هي الخطية) إذا سقطت أقوم" (ميخا7: 8) وقول سليمان الحكيم "الصديق يسقط سبع مرات ويقوم" (أم24: 16).

ومع الإرادة العنيدة المتمسكة برجاء الخلاص والمستعينة بنعمة المسيح الساندة ومحاولة بذل جهد لمعالجة الضعف الروحي بوسائط النعمة. لابد أن تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها" (مل4: 2) ويتمتع الإنسان بفجرٍ جديد مملوءٍ بالحرية الروحية وفك قيود عبودية الخطية. حينئذ لا يَسَع الإنسان إلا أن يلهج بالتسبيح مع داود النبي قائلًا "حللتَ قيودي فلك أذبح ذبيحة التسبيح" (مز115: 7، 8).

ويجب ملاحظة أنه يمكن أن يكون الإنسان خاطئًا ولكنه ينمو في الروح وذلك في حالة جهاده ضد الخطية. بحيث يلاحظ أنها تَقِلُّ في حياته بالتدريج. ولاشك أنه بالمثابرة على الجهاد يأتي اليوم الذي يتخلص منها كليةً.
  رد مع اقتباس