ثانيًا – تاريخ آسيا الصغرى:
مما سبق يتضح أن تاريخ أسيا الصغرى، يتوقف – إلى حد أبعد من أي اقليم آخر – على جغرافيتها، فباعتبارها " معبرا بين أسيا وأوربا " كانت على مدى التاريخ البشرى، ملتقى الشعوب من الشرق ومن الغرب، وساحة للمعارك. فمن أقدم العصور – التي يصل إليها علمنا – سكانها خليط من الأجناس والديانات والنظم الأجتماعية التي مازالت آثارها باقية. وعلى مدى التاريخ زحفت إلى شبه الجزيرة أجناس جديدة وديانات جديدة ونظم اجتماعية جديدة، لتجد لها مستقرا فيها.
1- الحثيون:
في فجر التاريخ حكم أسيا الصغرى شعب آري، هم الحثيون الذين مازالت تتجمع المعلومات عنهم بسرعة حتى لا يمكن الجزم بالقول الأخير عنهم. وأسيا الصغرى تعتبر الآن أنها كانت مركز حضارتهم، وهو ما يختلف عن النظرة القديمة إليهم باعتبار أصلهم من بين النهرين. فقد اكتشفت قبورهم وكتاباتهم الهيروغليفية في كل مناطق أسيا الصغرى من سميرنا إلى الفرات. ويرجع الآن أن عاصمتهم كانت في " بوغازكيوى" (على نهر الهالز مقابل أنقرة). وقد أمكن تأكيد أن موقعها هو موقع " بتريا " التي ذكرها هيرودوت والتي فتحها كيروسيوس (قارون) عند زحفة ضد الفرس، مما يستنتج منه أن الأرض الحثية التي كانت تقع شرقى نهر الهالز كانت في ذلك الوقت ولاية فارسية وقد قام بالتنقيب في المدينة القديمة " بوغازكيوى " ونكلر وبوخشتين اللذان اكتشفا بقايا المكتبة الملكية، وهى سجلات مكتوبة على ألواح خزفية بالخط المسمارى بعضها باللغة البابلية وبعضها باللغة الوطنية (كما يظن) والتى لم تفك رموزها للآن. وتدل الوثائق التي باللغة البابلية على أنه كانت هناك علاقات سياسية وثيقة بين الحثيين والممالك الشرقية. وقى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، بيدو أن الحثيين غزوا جزءا كبيرا من سوريا ورسخوا أقدامهم في كركميش، وبذلك أصبحوا على أتصال ببلاد بين النهرين. ومنذ بداية القرن العاشر قبل الميلاد، كان الحثيون على اتصال دائم – سواء كأعداء أو كمحايدين – بأهل نينوى، ولذلك فإن فنهم تبدو فيه المميزات الأشورية الملحوظة حتى أنه لا يعتبر فنا مستقبلا.