(من 160 – 143 ق.م): لقد شل موت يهوذا الحركة الثورية بعض الوقت، بينما زاد من عزم السوريين، فألغوا كل الامتيازات التى سبق أن منحوها لليهود، واضطهدوا أنصار المكابيين اضطهادا عنيفا، ولكن ذلك عمل على زيادة الترابط بين المكابيين الذين تولى قيادتهم يوناثان الأخ الأصغر، وكان مثل يهوذا فى البسالة، ولكنه كان يفوقه في الدهاء والحيلة فلجأ إلى البرية وترك مسئولية النساء والأولاد لأخيه يوحنا، ولكن بنى يمري استطاعوا أن يقضوا على يوحنا ومن معه، فانتقم يوناثان لأخيه إنتقاما دمويا. وإذ فاجأه بكيديس القائد السوري، أوقع به خسائر جسيمة ثم عبر الأردن هاربا، وقد أنقذ موت ألكيمس الخائن (فى 160 ق.م.) الموقف، ونمت قوة المكابيين بسرعة، وقام بكيديس بهجمة أخرى على يوناثان القائد الباسل الداهية وأخيه سمعان، ولكنه فشل في هجومه واضطر لعقد صلح معهما (يوسيفوس، المجلد الثالث عشر الفصل الأول: 5و6) ولكن ظلت قلعة أورشليم وبعض الحصون الأخرى في يد العدو. ولكن أحداث 153 ق.م. غيرت الموقف كله، فإذ وجد ديمتريوس عرشه مهددا من إسكندر بالاس (ابن أنطيوكس) حليف الرومان الأثير، ولكى يضمن معونة المكابيين، زاد في امتيازاتهم، وعندما بزه الإسكندر في الكرم وعين يوناثان رئيسا للكهنة بسلطات ملكية، لعب المكابييون لعبة مزدوجة بإثارة الواحد منهما على الآخر. لقد ظلت رياسة الكهنوت شاغرة لمدة سبع سنوات بعد موت ألكيمس، لذلك كان تعيين يوناثان مبعث رضى لليهود، وذهب ديمتريوس في استرضائه لهم إلى منحهم ما يشبه الاستقلال التام، ولكن المكابيين كانوا قد عرفوا جيدا -باختبار مر- قيمة مثل هذه الوعود. فحنكة يوناثان جعلته يتجاهل كل وعود ديمتريوس، وأن يضع ثقته فى إسكندر بالاس، فبرهن على حكمته إذ قتل ديمتريوس في معركة مع بالاس. لقد بز يوناثان كل إخوته في الدهاء فكان ينحاز للجانب الذي يتوسم غلبته، كما يتضح من علاقته ببطليموس فيلوميتر وإسكندر بالاس وديمتريوس، فلما ناصر أوبلونيوس – حاكم سوريا – ديمتريوس، أظهر يوناثان العبقرية الحربية المكابية، بأن أحرز نصرة بارعة عليه، فأعطاه بالاس الإذن -الذي طالما تاق إليه- بهدم القلعة السورية في أورشليم التي ظلت أمدا طويلا شوكة في جنب المكابيين، ولكن للأسف حدث في أثناء الحصار أن مات كل من بالاس وفيلوميتر، فوجد ديمتريوس فرصته لإنتقام من يوناثان، ولكن يوناثان استطاع ببراعته أن يغلب الملك بعطاياه الكثيرة ورضى بالحريات المحدودة التي أعطيت له، واستغل ببراعة، المؤامرات التي كان يعج بها البلاط السوري، فسرعان ما انضم إلى تريفون المطالب الجديد بالعرش ، وبمساعدة أخيه سمعان استطاع أن يمد النفوذ المكابي حتى شمل كل فلسطين تقريبا. وفى حربه الثالثه ضد السوريين أحرز -بصورة معجزية- نصرا على العدو (1مك 11: 67-74)، وإذ تعب من طول الكفاح، واشتاق إلى العثور على ذراع قوية يستند عليها -مثلما فعل أخوه يهوذا- سعى إلى تجديد التحالف مع روما، ولكنه لم يعش حتى يرى نتيجة هذا التحالف، لأن تريفون – الذي كان يخشى يوناثان – احتال عليه حتى سجنه في بطلمايس، وقتل جميع الذين كانوا معه، ثم قتل يوناثان أيضا فى بسكا في داخل سوريا.